عند القيام بتحليل المواد الأكاديمية الخاصة بالعرب, والمنشورة في الدوريات العربية, بغض النظر عن جنسيتها, فإننا نستطيع استخراج صورة الأفارقة لدى العرب من زوايا مختلفة, بعضها يتعلق بالجوانب السياسية, وبعضها الآخر يتعلق بالجوانب الاقتصادية, وثالثها يتعلق بالجوانب الإعلامية, ورابعها يتعلق بالجوانب الثقافية.وهذه الدراسة بعنوان الصورة الذهنية السياسية للأفارقة لدى الأكاديميين العرب يقدمها د. بدر حسن شافعي أستاذ العلوم السياسية الزائر - جامعة قناة السويس.

ويُلاحَظ أنه داخل كل زاوية هناك نقاط فرعية يمكن تناولها, فعلى سبيل المثال يمكن النظر إلى القضايا السياسية في إطار قضايا العلاقات السياسية الثنائية العربية - الإفريقية, مثل قضايا نزاعات الحدود العربية – الإفريقية, كقضية النزاع الموريتاني - السنغالي حول الحدود، وهناك النزاع الليبي - التشادي حول إقليم أوزو, وغير ذلك من القضايا السياسية التي يكون أحد أطرافها ذا هوية عربية - إفريقية، والطرف الآخر ذا هوية إفريقية خالصة.

كما يمكن النظر إلى هذه العلاقات من زاوية قضايا حق تقرير المصير وموقف كل طرف منها, مثل حق تقرير مصير استقلال إريتريا عن إثيوبيا والموقف السياسي العربي - الإفريقي منها، وكذلك الموقف من استقلال إقليم الصحراء الغربية عن المغرب، ورؤية الجانبين لذلك.وقد حاول الباحث في هذه الورقة التركيز في الرؤية العربية لقضايا سياسية إفريقية محددة، حيث سيتم التركيز في الرؤية الخاصة بمؤسسات الحكم في إفريقيا، ونقصد بها المؤسسة التشريعية والتنفيذية، فضلاً عن المؤسسة العسكرية لما لها من دور كبير في العملية السياسية.

تحديد المفهومات:

ولكن قبل الخوض في نطاق هذه الدراسة لا بد من توضيح أمر مهم يتعلق بتحديد المفهومات, بمعنى من هو الإفريقي ومن هو العربي المستخدم في الدراسة, وذلك لوجود تداخل بين العربي والإفريقي, مثل حالة دول شمال إفريقيا (مصر، ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب، موريتانيا)، فضلاً عن (السودان والصومال وجزر القمر وجيبوتي), فهذه الدول عضو مزدوج في كلٍّ من جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية ومن بعدها الاتحاد الإفريقي, أي أنها تجمع بين الهوية العربية والإفريقية في آن واحد.

وهناك العديد من المفكرين العرب الذين يستبعدون هذه الدول العربية ذات الحضارة العربية الإسلامية عند الحديث عن الإفريقي، حيث يرون أن الإفريقي هو الإنسان ذو البشرة السمراء «معيار اللون»، أو الذي يسكن جنوب الصحراء «معيار الجغرافيا»، أو الذي خضع للاستعمار الأنجلوفوني أو الفرنكفوني أو حتى الليزوفوني «معيار حضاري», ولا شك أن هذه النظرة أو الصورة الذهنية غير صحيحة، وتترتب عليها آثار سلبية فيما يتعلق بمدركات كل طرف عن الآخر، وهو ما ينعكس بدوره على الممارسات العملية في شتى المجالات السياسية والاقتصادية وغيرها, ومع هذا فهي النظرة المستخدمة في معظم الكتابات العربية محل البحث والدراسة.

منهج الدراسة:

سوف تحاول هذه الدراسة استخدام منهج «تحليل المضمون» لفهم الصورة الذهنية الإفريقية لدى الأكاديميين العرب كما ورد في بعض الدوريات الأكاديمية العربية, على أساس أنه هو المنهج الأنسب لفهم ملامح هذه الصورة عند تناولها من خلال أفكار هؤلاء الأكاديميين, وكما هو معروف فإن منهج تحليل المضمون كما يعرّفه علماء البحث الاجتماعي - ومنهم برلسون -: «هو أسلوب للبحث يهدف إلى الوصف الموضوعي المنظّم والكمّي للمحتوى الظاهر للاتصال», ووسيلة الاتصال قد تكون متنوعة (كتاب، دورية، صحيفة... إلخ).

ويتمثل الأسلوب العملي لهذا المنهج في تقسيم المادة التي تخضع للتحليل وتصنيفها - وهي في دراستنا هذه الدوريات العربية التي تتحدث عن نُظُم الحكم في  إفريقيا -  إلى فئات رئيسة وأخرى فرعية, لعل أبرز هذه الفئات الرئيسة هي: فئة ماذا قيل؟ وفئة كيف قيل؟ وداخل كل فئة هناك مجموعة من الفئات الفرعية, ففئة «ماذا قيل؟» تضم: موضوع الاتصال، مضمونه، كيفية معالجته، الأهداف أو القيم المرجوة من الكتابة (الهدف من الدراسة)، والمكان الذي صدرت منه الدورية.

أما فئة «كيف قيل؟» فهي تضم فئات فرعية, لعل أبرزها: وسيلة الاتصال المستخدمة، اللغة المستخدمة، ويُقصد باللغة هنا أسلوب الكتابة وهل تتضمن حقائق أو هي أماني للكاتب في التدليل على فكرته, وهناك وسيلة المضمون، ويُقصد بها أسلوب الكاتب؛ هل يستخدم لغة التعميم في الكتابة، وهل يستشهد بأمثلة لأشخاص معروفين.. إلى ما غير ذلك

ونحن سنحاول في هذه الدراسة استخدام الفئتين الرئيستين، وكذلك الفئات الفرعية داخلهما قدر الإمكان.

وبالنسبة للعينة التي شملتها الدراسة: فقد حرصت الدراسة على حصر الدوريات العربية المهتمة بشؤون نُظُم الحكم الإفريقية قدر الإمكان، حتى تكون هذه العينة مطابقة للواقع إلى حدٍّ كبير، وحتى لا تقودنا العملية الانتقائية في اختيار العينة إلى نتائج قد تكون بعيدة عن الواقع, ولا شك أن عملية التجميع هذه تطلبت جهداً شاقاً من الفريق البحثي المعاون، والذي قام بجمع المادة العلمية من قرابة 11 دورية مختلفة(5 ), تضمنت قرابة 425 دراسة، في خلال فترة زمنية طويلة نسبياً (1993م – 2007م)، ثم قمنا بتبويب هذه المادة وفق تقسيم الدراسة من أجل المساعدة في عملية تحليل المضمون.

أولاً: الصورة الذهنية فيما يتعلق بنظام الحكم:

لقد كان واضحاً من الدراسات محل البحث أن بعضها تناول نُظُم الحكم الإفريقية بصفة عامة، بمعنى دراستها بصفتها إطاراً نظرياً من حيث علاقاتها بالقوى الداخلية في المجتمع أو فيما يتعلق بعلاقاتها بالقوى الخارجية سواء كانت إقليمية أو دولية، وإن كان هذا لا يمنع من إشارة هذه الدراسات أو المقالات إلى بعض نُظُم الحكم في دول معينة على سبيل التوضيح أو المثال, لكن يُلاحَظ أنّ أغلب الدراسات كانت تتحدث عن نُظُم بعينها, ولعل هذه كانت السمة البارزة لمعظم الدراسات التي كانت لا تتحدث عن أُطُر نظرية لفكرة نُظُم الحكم الإفريقية بقدر تركيزها في دراسة حالة معينة، بحكم كون معظم الدوريات فصلية أو تتعلق بأحداث جارية CURRENT EVENTS, مثل الأزمة الصومالية، والتي حظيت باهتمام عدد كبير من الدوريات, مثل المستقبل العربي، السياسة الدولية، آفاق إفريقية، وغيرها, وكان من أبرز ما ورد فيها موضوعات تتعلق بضعف نظام الحكم، ولجوئه إلى دول الجوار, وبخاصة إثيوبيا, لدعمه في مواجهة القوى السياسية الوطنية والإسلامية وبخاصة المحاكم الإسلامية.

ثانيا: السلطة التنفيذية وأداؤها السياسي:

ونقصد بالسلطة التنفيذية -  كما سبق القول - مؤسسة الرئاسة من ناحية، والحكومة من ناحية ثانية, وبالنسبة للحكومة فإننا سنتحدث عنها بشكل عام، مع إعطاء مزيد من التفصيل للمؤسسة العسكرية (وزارة الدفاع) نظراً لدورها السياسي المهم - الإيجابي أو السلبي - في تحقيق الاستقرار السياسي والأمني في القارة من عدمه.

أ - مؤسسة الرئاسة وأداؤها السياسي:

يُلاحَظ من عملية تحليل مضمون الدراسات والمقالات محل البحث ما يأتي:

- أن معظم هذه الدراسات العربية اهتم بمؤسسة الرئاسة الإفريقية أكثر من تركيزه في المؤسسات الأخرى، بما فيها مجلس الوزراء الذي يُعد المؤسسة الثانية في السلطة التنفيذية، بل قد تكون لهذه المؤسسة الثانية الأهمية الأكبر في النُظُم البرلمانية, لكن يُلاحَظ أن معظم النُظُم الإفريقية تأخذ بالنظام البرلماني الموروث عن النظام الأنجلوفوني، أو النظام المختلط الذي يُعظّم من سلطة رئيس الجمهورية في مواجهة الحكومة والبرلمان على حدٍّ سواء كالنظام الفرنسي.

- أن الدراسات العربية أكّدت على أن الدور الخارجي - سواء الإيجابي أو السلبي -  لبعض القيادات الإفريقية قد ارتبط بالبُعد الداخلي، ومدى التزام هذه القيادات بالآليات الديمقراطية من عدمه،  مثل حالة لوران كابيلا في الكونغو الديمقراطية، وقيامه بدعم ميليشيات الهوتو في رواندا وبوروندي، أو معمّر القذافي فيما يتعلق باتجاهه نحو تعزيز الوحدة الإفريقية.

- أن الصورة الذهنية العربية عن الرئاسة أو القيادة الإفريقية وممارساتها الديمقراطية قد عملت على التمييز بين مرحلتين تاريخيتين مهمتين, هما:

المرحلة الأولى: تمتد من فترة الاستقلال، وحتى انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة أوائل تسعينيات القرن الماضي: حيث كانت السمة السائدة فيها هي: سيطرة حزب واحد على السلطة، غياب التعددية السياسية، سيطرة الرئيس على مقاليد الأمور، انتشار الفساد بصورة كبيرة، غياب سيادة القانون، الانتهاكات الواسعة لحقوق الإنسان خصوصاً في صفوف المدنيين والمعارضة، الاستيلاء على السلطة عبر الانقلابات العسكرية, وإن كان هذا لا يمنع من وجود بعض الممارسات الديمقراطية لمؤسسة الرئاسة في خلال تلك الفترة, لذا فإن الصورة الذهنية للنظام الرئاسي الإفريقي لدى الأكاديميين العرب كانت سلبية إلى حدٍّ كبير.

المرحلة الثانية: تبدأ من أوائل التسعينيات, خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة: حيث بدأت معظم النُظُم الإفريقية تتجه نحو التعددية السياسية وآليات الديمقراطية وفق المنظور الغربي, وإن اختلف توقيت البدء في كل دولة عن الأخرى، لكن بصفة عامة كان هناك اتجاه متصاعد لدى الرئاسة الإفريقية بضرورة التحول الديمقراطي، وإن اختلفت أسباب هذا التحول ما بين أسباب داخلية دفعت في هذا الاتجاه, خصوصاً تلك المتعلقة بتنامي نفوذ المعارضة المسلحة تحديداً، وما بين أسباب خارجية تمثلت في الضغوط الأمريكية والأوروبية, وإن كان هذا لا يمنع من وجود قيادات إفريقية أخذت بفكرة التحول الديمقراطي، والتنازل الطوعي عن الحكم بصورة طوعية ودون ضغوط خارجية, مثل حالة نيلسون مانديلا في جنوب إفريقيا.

ومن هنا يمكن القول بأن الصورة الذهنية العربية عن الرئاسة الإفريقية وأدائها السياسي, خصوصاً فيما يتعلق بعملية التحول الديمقراطي, كانت إيجابية إلى حدٍّ كبير، وإن كان هذا لا يمنع من وجود حالات استثنائية.

وفيما يأتي تفصيل لكلتا المرحلتين:

المرحلة الأولى: الصورة الذهنية لمؤسسة الرئاسة وأداؤها السياسي خلال مرحلة ما بعد الاستقلال وحتى انتهاء الحرب الباردة.

1- الممارسات غير الديمقراطية لمؤسسة الرئاسة:

لقد تعددت هذه الممارسات على النحو الآتي:

- هيمنة مؤسسة الرئاسة على مجلس الوزراء؛ لدرجة وصلت في بعض الأحيان إلى قيام الرئيس بحبس رئيس وزرائه, كما حدث في تشاد عندما قام الرئيس ديبي بسجن رئيس وزرائه كاسبري كوماكوي.

- هيمنة مؤسسة الرئاسة على السلطة التشريعية (البرلمان) وإجبارها على اتخاذ قرارات تتماشى مع مصالح الرئاسة، وفي حالة الرفض يكون حل البرلمان هو البديل, كما فعل رئيس بوروندي بيير بويويا.

- الوصول إلى الحكم عبر الطرق غير الديمقراطية، خصوصاً من خلال الانقلابات العسكرية, والأمثلة كثيرة على ذلك, لعل من أبرزها حالة الرئيس بيير بويويا في بوروندي، والذي وصل للحكم عبر انقلاب عسكري عام 1987م.

- الممارسات غير الديمقراطية لمؤسسة الرئاسة ضد فئات معينة من الشعب, سواء لأسباب دينية (مثل حالة إثيوبيا وتنزانيا)، أو لأسباب إثنية (مثل حالة رواندا), ففي حالة إثيوبيا قام الإمبراطور هيلاسلاسي بمنع أبناء المسلمين من التعليم، ولم يسمح لهم بذلك إلا بعد اختيار أسماء نصرانية لهم. أما في حالة تنزانيا؛ فإن أول رئيس للبلاد - جوليوس نيريري -  كان منحازاً للكنيسة الكاثوليكية, وهو ما انعكس على ممارساته تجاه المسلمين.

المرحلة الثانية: الصورة الذهنية لمؤسسة الرئاسة وأداؤها السياسي بعد انتهاء الحرب الباردة.

1 - الممارسات الديمقراطية للرئاسة:

كما سبق القول؛ فإن الصورة الذهنية خلال تلك المرحلة كانت إيجابية إلى حدٍّ كبير على النحو الآتي:

- التنازل الطوعي للحاكم عن الحكم، سواء كان هذا الحاكم عسكرياً (حالة نيجيريا)، أو مدنياً (حالتا أنجولا وجنوب إفريقيا), ففي حالة نيجيريا تنازل الجنرال عبد السلام أبو بكر طواعية عن الحكم عام 1999م, وتم إجراء انتخابات رئاسية تعددية حرة أسفرت عن فوز الرئيس أوليسجون أوباسانجو بها. أما في حالة جنوب إفريقيا؛ فقد تنازل الرئيس مانديلا عن السلطة بمحض إرادته في يونيو عام 1999م، لكي يواصل رسالته التطوعية، تاركاً السلطة لخلفه تابو مبيكي. أما في أنجولا، فقد أعلن الرئيس سانتوس عدم ترشحه في الانتخابات الرئاسية القادمة في البلاد.

- السماح بإجراء انتخابات حرة ونزيهة حتى إن فازت المعارضة بها, وهو ما يعني تداول السلطة بشكل سلمي وفق آليات الديمقراطية الحديثة, والأمثلة على ذلك عديدة بسبب كثرة الحالات التي شهدتها القارة في هذا الشأن، وهو الأمر الذي يؤكد مدى إيجابية الصورة لدى الأكاديميين العرب, فقد تم إجراء انتخابات حرة ونزيهة - إلى حدٍّ كبير - في نيجيريا عام 1999م، أسفرت عن فوز رئيس مدني بها هو الرئيس أوباسانجو بالرغم من أنه مسيحي في دولة يدين أكثر من 60% منها بالإسلام.

أما بالنسبة لحالات فوز المعارضة في الانتخابات, سواء الرئاسية أو العامة, فهي كثيرة في مختلف أقاليم القارة (شرق، غرب، وسط القارة)، وفي دولها المختلفة, ففي كينيا (في الشرق) أسفرت انتخابات عام 2003م الرئاسية عن فوز مرشح المعارضة في حينها الرئيس كيباكي - الرئيس الحالي - بها، حيث حصل على 66%، وهي النسبة نفسها التي فاز بها حزب المعارضة في الانتخابات البرلمانية التي جرت في العام نفسه.

وفي غانا (غرب إفريقيا) تمكن مرشح المعارضة في حينها جون كافور من الفوز في جولة الإعادة في الانتخابات التي شهدتها البلاد عام 2000م، كما فازت المعارضة في الانتخابات البرلمانية.

وفي رواندا (وسط القارة) شهدت البلاد عام 2002م أول انتخابات تعددية منذ استقلالها عام 1962م، أسفرت عن فوز مرشح أقلية التوتسي بول كاجمي بها، كما تميزت هذه الانتخابات بظاهرة إيجابية تمثلت في نسبة المشاركة العالية جداً بها, والتي وصلت إلى 96%.

- حدوث تحوّل في الثقافة السياسية الإفريقية بصفة عامة، وتجاه تولي المرأة للمناصب السياسية العليا بصفة خاصة, حيث أفرزت عملية التحول الديمقراطي والانتخابات التعددية في ليبيريا - التي مزقتها الحرب الأهلية أكثر من عشر سنوات -  فوز أول امرأة بمنصب الرئاسة في إفريقيا، وهي إيلين سيرليف جونسون، وذلك في الانتخابات الرئاسية الأخيرة في البلاد.

- تقاسم السلطة، والسماح بمشاركة المعارضة بها نتيجة اتفاق سياسي، وهي ظاهرة إيجابية استرعت اهتمام الأكاديميين العرب، مثل قبول الرئيس العاجي لوران جباجبو تقاسم السلطة مع المعارضة.

- الحفاظ على فكرة السيادة وسيادة القانون واحترام هيبة القضاء, مثل رفض الرئيس السوداني تقديم بعض الأشخاص السودانيين للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التورط في ارتكاب جرائم حرب في دارفور، كذلك رفضه فكرة نشر قوات دولية في حينها, والحصول على تأييد البرلمان في ذلك.

2 - الممارسات غير الديمقراطية للرئاسة:

وهي ممارسات لا يمكن تجاهلها، حيث سعى بعض القادة إلى إحداث ما اصُطلح على تسميته «بانقلاب دستوري» عبر تعديل الدستور بما يسمح له بالبقاء في الحكم لأكثر من مدة، والأمثلة كثيرة على ذلك، مثلما حدث في الجابون وتوجو والكونغو الديمقراطية وغيرها, ويبدو أن هذا الأسلوب أصبح هو المفضل لدى معظم القيادات, خصوصاً بعدما صارت أساليب الانقلاب العسكري، والوصول إلى الرئاسة عن طريق العنف غير مقبولة من المجتمع الدولي والرأي العام الداخلي على حدٍّ سواء, في حين عمل فريق ثان على الوصول للحكم عبر الآليات غير الديمقراطية مثل السلاح, كما قام فريق ثالث بارتكاب جرائم ضد الإنسانية بالرغم من وصوله للحكم عبر الآليات الديمقراطية!

- الحكومة وأداؤها السياسي:

كما سبق القول؛ فإن الحكومة هي الفرع الثاني في السلطة التنفيذية بعد الرئاسة، وغالباً ما تخضع لهيمنة الرئاسة، خصوصاً في النُظُم الرئاسية أو المختلطة في القارة, ولعل هذا يفسّر أسباب عدم قيام معظم الكتابات بالتفرقة بينهما، لذا فهي تستخدم لفظ «الحكومة» للتعبير عن ممارسات الرئاسة في كثير من الأحيان.

وبصفة عامة؛ يمكن القول بأنه من خلال عملية تحليل مضمون كتابات الأكاديميين العرب عن الحكومة الإفريقية يتضح ما يأتي:

- أن نظام الحكم الإفريقي - بصفة عامة - موروث عن النُظُم الاستعمارية، فبعض الدول الإفريقية أخذت بالنظام البرلماني الأنجلوفوني، وبعضها الآخر أخذت بالنظام الرئاسي على غرار النموذج الفرنكفوني، وإن كان هذا لا يمنع من أن النُظُم الإفريقية عملت على صبغ هذه النظم بصبغتها الخاصة, خصوصاً فيما يتعلق بعدم مساءلة القيادة السياسية أمام البرلمان.

- أن هذه الحكومات ضعيفة في مواجهة الرئاسة، حيث تخضع لهيمنة الرئاسة، والتي تقوم في معظم الحالات بتعيينها وإقالتها، ومن ثم فهي مسؤولة أمامها على غرار النظم الرئاسية, وفي بعض الدول التي تكون فيها مساءلة للسلطة التنفيذية في مواجهة البرلمان وفق النموذج البرلماني؛ فإن الذي يخضع للمساءلة في هذه الحالة هو الحكومة فقط وليس الرئيس (حالة زيمبابوي).

- بالنسبة لعلاقة الحكومة بالبرلمان؛ فإنها علاقة هيمنة من قبل الحكومة على البرلمان، وإن كان من المفترض أن يحدث العكس؛ فتكون الحكومة مسؤولة أمام البرلمان, ويرجع هذا الوضع المقلوب في القارة إلى هيمنة القيادة السياسية - التي ترأس الحكومة - على مقاليد الأمور، وقد تستخدم في ذلك وسائل الترغيب والترهيب، خصوصاً فيما يتعلق بإمكانية حل البرلمان، أو مطالبته بإسكات أصوات المعارضة به، وإن كانت هذه الصورة قد بدأت في التحسن خلال الفترة الأخيرة، حيث ظهرت أصوات تطالب بضرورة محاسبة الحكومة من قِبل البرلمان.

- أن هذه الحكومات ضعيفة إلى حدٍّ كبير، بسبب عدم قيامها بتحسين الأوضاع الاقتصادية والسياسية للشعب، فضلاً عن تورطها في قضايا فساد، لذا فإنها – مثل الحكومات العربية -  ترفض فكرة دعاوى الإصلاح القادمة من الخارج على أساس أن ذلك يُعد تدخلاً في شؤونها الداخلية.

- أن هذه الحكومات - بسبب ضعف أدائها – قد تلجأ إلى العديد من الوسائل لتقوية موقفها، وشغل الرأي العام الداخلي والخارجي عن هذا الأداء، فهي قد تلجأ إلى استمالة بعض رموز المعارضة للمشاركة في الحكومة, أو قد تلجأ إلى الاستعانة بقوى خارجية لمواجهة المعارضة، وبخاصة المعارضة المسلحة، مثل طلب رئيس وزراء ليسوتو الاستعانة بكلٍّ من جنوب إفريقيا وبتسوانا للتدخل العسكري في بلاده من أجل إنهاء الاشتباكات بين الحكومة والمتمردين.

- أن كثيراً من هذه الحكومات وأعضائها متورطون في أعمال فساد، خصوصاً فيما يتعلق بتجارة الماس.

- أن كثيراً من هذه الحكومات قد ترتكب مخالفات جسيمة فيما يتعلق بحقوق الإنسان، خصوصاً في مواجهة المعارضة، وخصوصاً إذا كانت هذه المعارضة ذات أصول إثنية مغايرة, وهو ما قد يؤدي إلى حدوث حرب أهلية على غرار ما حدث في رواندا وبوروندي في ظل الخلافات التاريخية بين الهوتو والتوتسي, والتي راح ضحيتها مئات الآلاف.

- أن عملية تقاسم السلطة أو تشكيل حكومات وطنية - انتقالية - لا تحدث طواعية في الأغلب الأعم، وإنما تحدث نتيجة مواجهات مسلحة، تدرك معها الحكومة عجزها عن مواجهة المتمردين, لذا قد يكون البديل الأنسب بالنسبة لها هو تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق حصص معينة لكل فصيل سياسي، وغالباً ما تكون هذه الحكومات مؤقتة، ويتم الانقلاب عليها بمجرد توافر عناصر القوة والهيمنة لدى فصيل ما في مواجهة الفصائل الأخرى, كما حدث في ليبيريا بعد ترك تايلور السلطة عام 2002م، وتعيين نائبه موسى بلاه خلفاً له، حيث اعترضت قوى التمرد على ذلك، وتم التوصل لاتفاق سياسي بشأن تشكيل حكومة انتقالية وفق نظام الحصص، وهو الأمر الذي يفسّر لنا عدم وجود قناعة بفكرة التداول السلمي للسلطة, وأن مقتضيات الواقع العسكري - تحديداً - هي التي تساهم في عملية التسوية السياسية.

خاتمة الدراسة:

من العرض السابق يمكن استخلاص بعض الملاحظات الختامية، أبرزها ما يأتي:

- أن الصورة الذهنية السياسية للعرب عن الأفارقة قد اختلفت من مرحلة لأخرى، ومن مجال لآخر، فبالنسبة لعملية التحول الديمقراطي فقد كانت الصورة سلبية إلى حدٍّ كبير خلال المرحلة التالية للاستقلال وحتى انتهاء الحرب الباردة، إلا أنها تحسنت بصورة كبيرة - إلى حدٍّ ما -  مقارنة بمثيلاتها العربية، بغض النظر عن كون هذا التحول جاء طواعية أو نتيجة لضغوط خارجية.

وبالنسبة لمجالات الصورة؛ فقد شهدت تحسناً في مجال التحول الديمقراطي وتداول السلطة, خصوصاً في المرحلة الثانية، لكن الصورة ما زالت سلبية في مجالات الفساد وحقوق الإنسان.

- حدوث تراجع في الانقلابات العسكرية في الآونة الأخيرة (صورة إيجابية)، وإن كان هذا لم يمنع من انتشار الصراعات والحروب الأهلية الداخلية تحديداً (صورة سلبية).

- أن هناك دوريات كانت أكثر عمقاً في رصد الصورة الإفريقية بمجالاتها السياسية المختلفة, ويأتي في مقدمتها آفاق إفريقية، ومن بعدها مجلة السياسة الدولية، ثم الديمقراطية، وكلها دوريات عربية، الأمر الذي يكشف أسباب الاهتمام المصري المتزايد بالآخر الإفريقي.

- أن النتائج التي توصلت إليها الدراسة ليست قطعية، فهذه هي طبيعة الدراسات الاجتماعية عامة، والسياسية خاصة، لكنها يمكن البناء عليها في بحوث أكثر تفصيلاً وعمقاً.