دخلت المعارك العسكرية في العاصمة الليبية طرابلس شهرها الخامس، وبالرغم من غياب الحسم في هذه المعارك فان تطورات ميدانية كثيرة تتكشف بشكل مستمر على وقع الاشتباكات المستمرة في محاور القتال، ولعل أبرزها الخلافات المتجددة التي تعصف بالقوات الموالية لحكومة الوفاق والتي تكشف هشاشة وضعف التحالف القائم بينها.

في الوقت الذي عزز فيه الجيش الوطني الليبي من قواته وآلياته العسكرية على تخوم العاصمة طرابلس، خاصة في محور عين زارة بجنوب المدينة، طفت على السطح مجددا الخلافات بين قوات حكومة الوفاق.وقال المركز الإعلامي لغرفة "عمليات الكرامة"، التابع للجيش الوطني، إن ما وصفه بصراع الميليشيات وعبثها "أدى إلى إغلاق الطريق الساحلي ببوابة منطقة الدافنية، وذلك على خلفية مخالفات وصراعات النفوذ، وسيطرة ميليشيا السويحلي على مقر ما يعرف بمبنى المخابرات بالعاصمة طرابلس".

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن مصادر عسكرية في الجيش الليبي إن ما وصفته بخلافات مكتومة بين الميلشيات الموالية لحكومة السراج بدأت تطفو على السطح، في ظل ما سمته الخسائر البشرية والمادية الفادحة، التي منيت بها هذه الميليشيات في مواجهاتها الأخيرة ضد قوات الجيش الوطني الليبي.

وليست هذه المرة الأولى التي تتصاعد فيها الخلافات في صفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق، ففي أبريل/نيسان الماضي، أفادت مصادر محلية بأن خلافات نشبت بين قادة الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق، حول تقاسم المبالغ المالية التي أعلن المجلس الرئاسي حينها عن تخصيصها لدعم وحداته العسكرية، والبالغة أكثر من 2 مليار و480 مليون دينار ليبي.

ونقل موقع "ارم نيوز" الاخباري عن المحلل العسكري الليبي محمد بن شاكر، أن خلافات كبيرة "اندلعت حول توزيع الأموال التي أقرتها حكومة الوفاق لهذه الميليشيات، وزاد من حدة تلك الخلافات اشتباكات أوقعت قتلى وجرحى في صفوف ميليشيات ثوار طرابلس في معارك جانبية مع قوات من مصراته يقودها صلاح بادي".

وفي مايو الماضي، كشف آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية اللواء عبد السلام الحاسي عن خلافات بين المجموعات المسلحة على توزيع الآليات والمعدات الواردة من تركيا.وأكد آمر غرفة عمليات المنطقة الغربية أن الخلافات التي اندلعت بين المجموعات التابعة للوفاق تسببت في نشوب صراعات بين عناصرها على الآليات والمدرعات.

وبحسب تقارير اعلامية فقد نشب خلاف دموي بين الميليشيات المسلحة الموالية لحكومة الوفاق في مدينة الزاوية الواقعة غرب العاصمة طرابلس، بسبب الصراع على تقاسم صفقة مدرعات، منحتها تركيا إلى المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج، ما خلف مقتل مسلحين، ووضع المدينة رهناً للتوتر واندلاع معارك جانبية.

وقتل فراس المختار شركس، آمر ميليشيا تابعة لوزارة داخلية الوفاق، وابن عمه عبد الرحيم فتحي شركس، بسبب خلاف مع ميليشيا أخرى على امتلاك مدرعة من صفقة الأسلحة التركية، التي وصلت طرابلس في الثامن عشر من مايو (أيار)، لاستخدامها في المعارك الجارية بين الجيش الوطني، والقوات الموالية للوفاق.

وفيما قال القيادي الأمني، العقيد محمد عبد السلام المصينعي لصحيفة "الشرق الأوسط" إن الميليشيات المسلحة في غرب البلاد "لم تكف يوماً عن التناحر"، غرّد الإعلامي الليبي محمود المصراتي على "تويتر"، قائلا إن سبب الاشتباكات بين عناصر الميليشيات في الزاوية، يرجع إلى صراعهم للاستحواذ على المدرعات التركية، وهو ما تسبب في مقتل عنصرين منهم.

ومع احتدام الخلاف اضطرت "قوة الردع الخاصة"، التابعة للسراج، للتدخل واعتقال ما وصفتهم بالمتهمين بالقتل، وقالت في بيان على صفحتها عبر "فيسبوك"، إنها ألقت القبض على وسام رمضان عبد الله الحطاب، ومحمود محمد علي كريم لاتهامهما بقتل فراس وعبد الرحيم شركس في الزاوية.وأشارت الردع إلى أنه "سيتم التحقيق في القضية وكشف ملابساتها، وإحالة المتورطين فيها لجهات الاختصاص، في ظل التعاون الأمني بين أجهزة الأمن بوزارة الداخلية، وضمان حق المغدور بهما، وطمأنة ذويهما للاقتصاص من القاتلين".

وفي يوليو الماضي، أعلن مدير إدارة التوجيه المعنوي في الجيش الوطني العميد خالد المحجوب، أن خلافات حادة اندلعت بين مجموعتين مسلحتين من قوات الوفاق على أمور ميدانية.ووفق تقارير اعلامية شهدت العاصمة طرابلس وضواحيها عدداً من المعارك، التي قضي فيها العديد من القتلى والجرحى بين الميليشيات المسلحة، بسبب التصارع على مكتسبات مالية أو لوجيستية.

وبالتزامن مع الخلافات الميدانية بين المليشيات الموالية لها، تعصف بحكومة الوفاق خلافات سياسية حادة تزداد وضوحا يوما بعد يوم خاصة في ظل الانتقادات التي تطال رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج والتي كان آخرها على لسان عضو مجلس الدولة عبدالرحمن الشاطر، الذي قال في تغريدة نشرها عبر حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي تويتر، "بعد كل هذه التضحيات والآلام لا اعتقد أن عاقلا سيقبل باستمرار رئيس الوفاق في ضعفه وتخاذله، لا هو ولا البعثة الاممية ولا المجتمع الدولي بإمكانهم تنصيب من يفضلون. هذه دولة وليست كيكة للتقاسم وحق دستوري للشعب".

وبحسب تقارير اعلامية تعيش حكومة الوفاق على وقع خلافات داخلية بين تيار رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وتيار وزير الداخلية المقرب من تنظيم الإخوان فتحي باشاغا، بشأن كيفية التعاطي مع الهجوم الذي ينفذه الجيش بقيادة المشير خليفة حفتر لتحرير العاصمة من الميليشيات والجماعات الإرهابية المتحالفة معها.

وقالت تقارير سابقة أن شخصيات محسوبة على تيار الإسلاميين تتهم مستشاري فايز السراج وفي مقدمتهم تاج الدين الرزاقي برفض التعامل مع الدول الداعمة لتيارها على غرار قطر وتركيا وبعرقلة دعم جبهات القتال بالأموال.وترددت أنباء عقب شهر من بدء المعركة في طرابلس عن عزل الإسلاميين للسراج بشكل غير رسمي وتكليف وزير الداخلية فتحي باشاغا بمهمة إدارة المعركة. ويهيمن باشاغا المنحدر من مدينة مصراتة التي تشارك بقوة في التصدي لهجوم الجيش، على المشهد على حساب فايز السراج.

ولا يملك السراج من أمره شيئا حيث تؤكد الأحداث أن المليشيات المسلحة هي المتحكمة في الأمور في العاصمة وهو ما توضح خلال هدنة عيد الأضحى الماضى حين رفضت المليشيات تنفيذ الهدنة واعتبرت موافقة حكومة الوفاق عليها غير ملزمة لها في مشهد كشف مدى عجز وضعف هذه الحكومة أمام سطوة المليشيات.

وسبق أن أكدت مليشيا لواء الصمود الذي يتزعمه صلاح بادي "المدرج ضمن قوائم الإرهابيين محليا ودوليا"، التابع لحكومة الوفاق، على أن "كتيبتهم غير معنية بأي اتفاق لوقف إطلاق النار في طرابلس، بين السراج وقائد الجيش الليبي خليفة حفتر".ونقلت وكالة "نوفا" الإيطالية، في مايو الماضي قوله "نحن متحالفون مؤقتاً مع حكومة فائز السراج لقتال حفتر وأن الهدف لجميع الكتائب هو صد هجوم حفتر على طرابلس، وفي حال قرر السراج توقيع اتفاق مع حفتر فهذا أمر لا علاقة لنا به".

وانضم زعيم ميليشيا "لواء الصمود" و عضو المؤتمر الوطني السابق صلاح بادي وذراع الإسلاميين في ليبيا ، إلى ساحة المعركة في العاصمة طرابلس، لجمع شتات الميليشيات المسلّحة والجماعات الإرهابية، وقتال قوات الجيش الليبي، في خطوة تهدف لعرقلة تطهير طرابلس من الإرهاب.وصلاح بادي هو قائد ميليشيا "لواء الصمود"، وهو أحد مؤسسي ميليشيات "فجر ليبيا" التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي أحرقت مطار طرابلس الدولي عام 2014، وتسبّبت في توقفه عن العمل، وقد شارك في أغلب الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس في السنوات الأخيرة، آخرها التي وقعت صائفة 2018، وأسفرت عن مقتل 120 شخصا أغلبهم من المدنيين.

وتتهم حكومة الوفاق بالتعويل على المليشيات المسلحة والعناصر الارهابية كما أشارت الاحداث المتصاعدة في الجنوب الليبي الى عقد حكومة الوفاق لتحالفات مع العصابات التشادية.وفي ظل الفوضى التي كرسها وجود المليشيات المسلحة بات الجيش الليبي بحسب المراقبين طوق النجاة الوحيد للبلاد التي تأمل أن تخرج من دائرة الصراعات والفوضى الى الاستقرار والأمن وبناء دولة موحدة قادرة على تحقيق تطلعات الشعب الليبي.