كتبت  القليل من الكتب حول الشيخ قنيص واثره في موسيقى الثراث الاندلسي وفن المالوف والموشحات ولعل اهمها  رسالة الدكتوراة للدكتور الموسيقار (عبد الله السباعي) وآخرها رسالة الماجستير للفنان الموسيقى وعاشق  فن المالوف (بشير الغريب)، لكن هل قيل كل شي عن الشيخ قنيص ؟ 

كلا، لاتكفي محابر العالم عن ان تروي عن اثر هذا النجم الكبير في سماء ليبيا لكن المستقبل قادم لامحالة وعودنا التاريخ وعن سير امثال شيخنا  انه لن يغفل عن ذكر كل عظيم عملهم ولو كان هذا بعد الف عام .

لذا حاولنا ان نقترب صحفيا من جانب آخر للجانب الذي لايعرفه أغلب الليبيين عن شيخ مالوفنا.

فالشيخ كان في قمة التواضع فهو إبن حيه الذي لم يغادره إلا لماما وابن زاويته التي ظل وفيا لها الى يوم رحيله، فما نروية هاهنا هو بعض ما رواه لنا المقربينن للشيخ تلاميذه رواده وعاشقي فنه ومتبعيه، وهو قليل فقط مما ما لا يعلمه الاخرون خارج هذا النطاق .

1ــ ولد الشيخ بزنقة خروبة بطرابلس شارع الزاوية 1916  ولازال هذا الزقاق العتيق الي يومنا هذا يحافظ اهله على معماره القديم ولعلّ اخر الياسمينات العتيقة بطرابلس لازالت تتواجد فيه 

2ـــ في طقولته  لم يبتعد الشيخ كثيرا عن بيتهم لتلقي العلم فكان بتيع والده امام مسجد ابوغرارة  والذي كان احد مباني الوقف والذي سمي لاحقا بعد هدمه وبعد ان شيد عليه المسجد الجديد في اوائل السبعينات بمسجد (مولاي محمد) لذا كان والده اول شيوخه  ، بهذا المكان تلقى الشيخ قنيص اول دروس تعليم القران الكريم حفظا وتلاوة وتجويدا وذلك بـ بمرفق (الكتاب ) بالزاوية ولان والد الشيخ كان امام المسجد فاستعان به ليتلقى اول علومه الشرعية  لينطلق بعد ذلك في رحلة وبعلاقات والده اغلب الاحيان لحلقات العلم الشرعي والدروس الدينية  المنتشرة بكل مساجد وخلوات طرابلس فتلقى بها  أول علومه الشرعية فكان يجلس لتلقي علوم الفقه واصوله وعلم المواريث والفرائض  كذلك علوم العربية من نحو وصرف  وبلاغة وعروض كذلك.

وكان مغرما بالشعر العربي وراوية له وظل كذلك لاخر عمره رحمه الله  فقد كان يحفظ النص الشعري رغم ظول ابياته  من اول ما بلقيه عليه شيخه ،ومن هنا انتبه كل من درسه لنباهة شيخنا وذكائه الشديد ولكونه لبيبا ومتقد الذهن حاد الذكاء  وزبادة عن ذلك وطوال حياته ظل الشيخ عصاميا في تلقى علومه فكانت له مراجعه وكتبه ومكتبته والتي يعود اليها دائما، كما ان الشيخ درس بمدرسة شارع الزاوية .

3ـ ومتتبعا خطة والده ايضا وبنفس الوقف الذي ذكرناه ، دخل الخلوة التي سمي كل الشارع باسمها ( الزاوية ) أو مايعرف بشارع الزاوية بطرابلس منذ القديم والى يومنا هذا ، وهناك وعندما استمع للموالد والانشاد وعذوبة صوت المنشدين  واستماعه لنوبات المالوف ادرك سريعا أن هذا مجاله وأن هذا ما سيخصص مستقبله لاجله .

 فانتبه لولهه هذا ودهشته شيخ فن المالوف  بليييا حينها (الشيخ ابوريانة) فتلقفه واخده على عاتقه ، ولنباهة الشيخ قنيص التي ذكرناها سابقا ولسرعة حفظه لمَا يصعب على غيره ان يتقنه الا بعد ترديده لمرات متعددة خاصة في مجال فن المالوف والموشحات والذي يعلم الكل صعوبة ..تلقيه وتلقينه.. خصه الشيخ ( ابوريانة) بكل علمه وجعله وصيه ووريثه  بهذا المجال ، وهنا توجب ان نرفع الخلاف حول تسمية الشيخ ب (قنيص)  خاصة وان كل شيوخه تنبهوا لسرعة بديهته ولذكائه الشديد ولسرعته في الحفظ  لذا فالمؤكد  أن من سماه بـ (قنيص) هو الشيخ ابو ريانة نفسه ولاشخص عداه وان سر التسمية ليس له علاقة بعمله لاحقا  في مجال النول وصناعة الحرير كما احب ان يذكر هذا الكثير ممن تناولوا سيرةة الشيخ.

4ـ شيخنا جعل من مقولة (الولد سر ابيه ) حقيقة قائمة على الارض  فحتى هذه المرة اتبع  شيخنا خظى والده للـ (فنيدقة ) بالمدينة القديمة حيث انوال الحرير وسوق باعته ومعداته وحيت يوجد  نساجيه ومزاده العلني ..

 لكن حتى في هذه لم يتعلم الشيخ ان يكون (نوالا عاديا ) اي نساج والا لبقى بمحل والده بالمنصورة  ..لكنه جلس ليتعلم المهنة في مهدها  الاصعب والاكثر فنا بهذه الصناعة وهى تجهيز ( سدوات ) الحرير للنسّاجين وتسمى هذه المهنة بــ (المنوالة ) فهي فن بخد ذاتها لانك تتعاما مع خبوط الخرير مباشرة وعدها مئات الالاف لتعد بها (مسداة ) للحوكي أو النساج 

5ـ كان الشيخ قد اشتد عوده وهو في قمة شبابه حين ثم اسره ابأن الحرب العالمية الثانية ولمدة ثلاث سنوات  وبعد خروجه مباشرة كان الشيخ من ضمن نسيج أول مؤسسي الاذاعة بليبيا فبعد  خروجه من الاسر وهزيمة ايطاليا الفاشية التحق بالاذاعة وقدم أول برامجه وكان اسبوعيا ويدور عن المالوف وبه أول تسجيلاته وذلك سنة 1949 ... 

6ــ لكن مع تأسيس القسم العربي المرئي بقناة الملاحة أول الخمسينات  كان الشيخ من الرواد المؤسسين لهذا التلفزيون  ، وهناك كون به رفقة زملائه وكانت  اول فرقة ليبية معتمدة رسميا  للمالولف  ، ومن تلك الفرقة  والى حين وافته المنية لم يتوقف شيخنا عن تأسيس العديد من فرق المالوف والموشحات  ومع ان اغلب هذه الفرق التي أسسها شيخنا  توقفت لسبب أو لآخر الا أن من  اشهرها  على الاقل والتي لازالت  تقاوم رغم (الكساد ) العظيم و لاتزال موجودة وتناضل على الارض  فرقة معهد ( جمال الدين الميلادي) ، وفرقة ( الشروق) والتي يقودها الشيخ (جارود ) ،  وفرقة (قنيص)  والتي تغير اسمها بعد رحيله لتسمى فرقة (ابومليانة) والتي يقودها الشيخ ( ابو عجيلة الشريف)  وتلقت كل هذه الفرق الجوائز والتكريمات بكل المناسايات الخارجية التي شاركت بها 

7ـ.بعد ان ترك الشيخ قنيص الاذاعة التحق بمجال التعليم 1958 وظل بهذا المجال يدرس المالوف والموشحات متنقلا بين اغلب  مدارس طرابلس وظل  يعيش واسرته على دخل هذه المهنة  التي استمر يزاولها حتى اخر ايام حياته ، وذلك حتى  استقراره الاخير  بمعهد (جمال الدين الميلادي ) للموسيقى والفنون والذي اعطاه شيخنا الكثير من علمه , مما اثر كثيرا في وقار المعهد ومكانته وهيبته بل حتى إنه اسهم في صبغه بهويته التي لازلنا نذكرها ونتحسر عليها ّ!

8ـ لم يترك الشيخ اثنا كل عمله هذه ارتياد زاويته والتي انتقلت بعد هدم الوقف القديم للـ ( الزاوبة ) الى مسجد الشيخة راضية بشارع البي  ...ومن غير مشاركته الرسمية  بالانشاد والموالد طيلة موسم الاحتفال بالمولد الشريف  اشتهر بيوم طلعة الزاوبة  ويكون في اول جمعة بعد افتتاح الموسم وكان الشيخ بقوم بتنزيل نوبة الختام وهي الخامسة وتكون على ايقاع المخير والذي طالعه ( ناح الحمام المطوق ) لعقود ظلت هذه النوبة باسم الشيخ ولعقود ظل روادها ينتظرونها لحولا كامل وحين موعدها باتونه فرادي  وجماعات بكامل زيهم الطرابلسي ورفقة اطفالهم  فيكون لطلعتها شكل المهرجان نتيجة تعداد مريديها ومتتبعيها والسائرين بركبها و الذي يتجاوز تعدادهم عشرات الالفا 

9_قدم الشيخ الكثير للمالوف في ليبيا فكم من نوبة رتبها ووضع لها طوالعها ، بل ورتب نظمّها ، ومنها ما وجدت لحنا وايقاعا فصاغ لها كلماتها والعكس صحيح  وكان من تواضعه كلما يُسأل يقول ( اشياخي من فعلوا وانا اكملت على دربهم  ) ومنها نوبة (دمعي جرى) و (يامحمد ) و ( ظبي سباني ) وغيرها كثير، اما الموشحات فقد نظم ورتب شيخنا منها عد الحصى كما لايعلم الكثيرون أن لشيخنا العديد من الالحان والاغاني منها (صباح الخير على بلدي ) و (مبروك العيد اليوم ) كما كتب كلملت اغنية محمود كريم (رمضان شهر التوبة )  ولمن يهمه الامر يوجد العديد من هذه التسجيلات الان على متصفح (اليوتيوب )

11..كان الشيخ نحويا عظيما .. وزيادة على كونه ناظم لكلمات المالولف وصاغ لنا الكثير من النوبات التي نعلمها  وكاتب لقصائد الموشحات وشاعر غنائي فهو يكتب الشعر العمودي طبعا وعلى النسق القديم  ..ولحبه للشعر فهو راوية كبير لمدونة الشعر العربي يكثر من القائه والاستشهاد به ، كما كان متمكنا من علم العروض بل ويرد البيت الشعري لبحره بمجرد سماعه وهذا حتى وفي فترات متاخرة من عمره فيقول لك بحر البيت الشعري مباشرة  ولايحتاج لتشطيره كما انه كان خبيرا في علم المواريث والفرائض . 

12..رغم عظيم قدره في الليبيين كان الشيخ متواضعا ويهوي المشي على قدميه لكل المشاوير داخل الحي خاصة انه لم يكن ليغيب عن أي مناسبة اجتماعية، أما حين يكون مشواره اكثر بعدا فكان يخرج دراجته لينطلق بها وفي اغلب الاحيان لمكانه القديم بالفنيدقة حيث النوالة وسوق الحرير ليزور اصدقائه وزملائه الاقدمون  .

13 ـ محليا وفي اخر ايامه تم تكريمه بمنحه جائزة الدولة التقديرية  للفنون والاداب كما سميت بأسمه احد دورات مهرجان المالوف والموشحات قبل ان يتوقف هذا المهرجان!!!

15ــ كان الشيخ  قنيص(تيحا ) فهو من رواد ومؤسسي نادي الاتحاد كما كل نخبة اهل الفن والثقافة بليبيا انذاك .. لذلك ويوم رحيله 26 مارس  2000 وبجنازة مهيبة راجلة قل مثيلها  وحضرها كل عشاقه ومحبيه ومتتبعيه وانطلقت من امام مسجد مولاي محمد ( الزاوبة ) حيث كانت نشاته وطفولته وبداياته والى حيث كان ياخد بيديه والده .. كان نادي الاتحاد وفيا تجاه قامة بمكانة شيخنا فجعل من جنازته جنازة رسمية حضرتها ادارة النادي ولاعبيي الفريق انذاك  ولاعبيه القداما واشباله واواسطه ايضا.