يؤكد القانون التونسي الخاص بالعمل التطوعي الصادر في العام 2010 أن العمل التطوعي ينظم في إطار الجمعيات والمنظمات التي لا تهدف إلى تحقيق الربح والمعترف بها طبقا للتشريع الجاري به العمل ،و تخضع لأحكام هذا القانون كافة أشكال العمل التطوعي المنجزة في إطار معاضدة جهود الدولة والجماعات المحلية والمؤسسات والهياكل العمومية في تنفيذ البرامج التنموية والتدرب على إدارة الشؤون العامة تنفيذا لواجب التضامن بين مختلف مكونات المجتمع وتجسيما للتعاون الإنساني وتحقيقا للنفع العام.

ولا يخضع لأحكام هذا القانون العمل التطوعي الذي يباشر لدى الديوان الوطني للحماية المدنية الذي تنطبق عليه أحكام التشريع والتراتيب الجاري بها العمل الخاصة بهذا المجال.

والتعريف القانوني للعمل التطوعي في تونس أنه كل عمل جماعي يهدف إلى تحقيق منفعة عامة ينفذ في إطار منظم وفق عقد تطوع يلتزم بمقتضاه المتطوع بصورة شخصية وتلقائية بإنجاز ما يوكل إليه من نشاط دون أجر وبكامل الأمانة والانضباط وفي نطاق احترام القانون وحقوق الأفراد وكرامتهم ، والمتطوع هو كل شخص طبيعي يمارس عملا تلقائيا دون أجر يهدف إلى تحقيق نفع عام في إطار منظم حسب مقتضيات هذا القانون ،بينما الإطار المنظم  هو كل برنامج يتعلق بنشاط جماعي تطوّعي يهدف إلى تحقيق منفعة عامة.

وترى المكلفة بالتعاون الدولي في المرصد الوطني للشباب، إيمان بلهادي ان العمل التطوعي في تونس ينحصر في إطار عمل جمعيات غير حكومية وغير ربحية، مشيرة الى ان عدد المتطوعين في نطاق الجمعيات يبلغ حوالي 3000 متطوع وإلى أن المرصد يعمل بالتنسيق مع هذه الجمعيات ومع منظمات اممية على الاستفادة من جهود وإسهامات النسيج الجمعياتي في برامج تنموية بكل من القصرين وسليانة.

ويرى المراقبون أن العمل التطوعي في تونس بات خلال الأعوام الثلاثة الماضية مرتبطا بما تشهده البلاد من تحولات سياسية وإجتماعية وثقافية ،وأن مئات الجمعيات تأسست لخدمة أحزاب سياسية منها أكثر من 600 جميعية خيرية أهلية ترتبط بتيارات واحزاب الإسلام السياسي كحركة النهضة وحزب التحرير والجماعات السلفية و  توجد بتونس حوالي 17 ألف جمعية أهلية ، تعتمد أغلبها على العمل التطوعي ، غير أن الأعوام الأربعة الماضية شهدت جدلا واسعا حول دور تلك الجمعيات في الشأن السياسي وخدمة الأحزاب وصولا الى دعم ومساندة الجماعات الإرهابية وتبييض الأموال وتجنيد الشباب وتسفيره للقتال في بؤر التوتّر وخاصة في سوريا والعراق 

وقال  العميد المتقاعد المختار بن نصر رئيس مركر تونس الإستراتيجي للأمن الشامل أتن الجمعيات الخيرية تمثّل مصدرا مهما من مصادر تمويل الإرهاب في تونس ، مشيرا الى أن هذه الجمعيات  عادة ما يكون هدفها ساميا في العلن لكن خلفيتها هي تمويل الخلايا الإرهابية.

وفي سبتمبر الماضي قرر رئيس الحكومة التونسية المؤقتة مهدي جمعة  الاطلاع على تقارير مدقّقة في شأن كل جمعيّة معنيّة بالتجميد من قبل الولاة  ( المحافظين ) مع الإذن بإجراء تدقيق مالي لهذه الجمعيّات وذلك في إطار تسوية وضعيّة من لم يثبت مخالفتها للتراتيب القانونيّة من جهة وإحالة ملفات الجمعيّات التي ثبت في شأنها إخلالات على القضاء . 

كما نظرت  خلية الازمة  في ملف عدد من الجمعيات المشتبه في نشاطها وسبل تمويلها وحصرت الشبهة في 157 جمعية يبدو ان تمويلاتها مشبوهة او لا تستقيم للتراتيب الجاري بها العمل .. ووفق قانون الجمعيات فانه تقرر تجميد نشاط هذه الجمعيات على ان يتم ذلك وفق التشاريع الجاري بها العمل 

ووفق مصادر حكومية فان خمس من تلك الجمعيات قد تكون تضم شخصيات معروفة او قريبة من بعض التيارات السياسية ، وقالت ذات المصادر ان رئيس الحكومة مهدي جمعة كان حازما في المسالة وقرر المضي قدما لوضع حد لكل من له شبهة في دعم الارهاب

وافاد سليم البريكي المدير بالإدارة العامة للجمعيات والاحزاب السياسية أن المصالح المعنية في رئاسة الحكومة وبالتعاون مع وزارت أخرى شرعت في اعداد مشروع قانون أساسي خاص بتنظيم الجمعيات لتعويض المرسوم عدد 88 الذي صدر سنة 2011 وذلك بسبب تضمنه لثغرات شكلية وموضوعية في تطبيق مضامين الدستور الذي نص على سن قانون أساسي يتعلق بتنظيم الجمعيات. 

وأضاف البريكي أن الممارسة كشفت عديد الاشكاليات في تطبيق المرسوم عدد 88 سيما على مستوى ملف تكوين الجمعية ومراقبة اليات الرقابة خاصة في مسالة تمويل الجمعيات الى جانب وجود فراغ قانوني على مستوى متابعة نشاط الجمعيات.

واشار الى وجود شبهات حول تورط جمعيات في دعم الارهاب وقد تم في مرحلة أولى عقد جلسة اولى  لتحديد معالم مشروع القانون الجديد بمشاركة ممثلين عن عدة وزارات من بينها الداخلية والمالية والرياضة على ان يتم توسيع المشاركة لتشمل الجمعيات وخبراء في القانون وذلك بالتوازي مع تعزيز التنسيق بين مصالح الدولة المعنية لتحديد الاخلالات والتجاوزات التي تدخل في باب التمويل الاجنبي للجمعيات سيما بين وزارتي الداخلية والمالية والبنك المركزي.

وقال سليم البريكي في هذا الخصوص الى أن وزارة الداخلية أعلمت الادارة العامة للجمعيات والاحزاب السياسية بوجود شبهات حول تورط ناشطين في 150 جمعية في تمويل الارهاب والانتماء الى تنظيم انصار الشريعة المحظور مبينا أن الدولة تعمل على منع هذه الجمعيات من النشاط وحريصة على أن يأخذ القضاء مجراه في خصوص الشبهات التي تحوم حولها. 

 وتعتبر الجمعية التونسية للعمل التطوعي جمعية أهلية وغير حكومية تأسست سنة 1983 وذات تصنيف تنموي وتعمل على غرس روح التطوع والبذل والعطاء لدى الشبان والمواطنين بصفة عامة وتمكينهم من المساهمة في خدمة المجتمع على أساس من التعاون والتآزر والتلقائية رائدها في ذلك تنمية الممارسة التضامنية وتحقيق المصلحة العامة.

 وتعتبر حضائر العمل التطوعي من أهم الأنشطة التي تقوم بها الجمعية عبر فروعها الجهوية والمحلية بمختلف جهات البلاد وتنظم طوال السنة العديد من الأنشطة الأخرى مثل الندوات والملتقيات وحملات التحسيس والتوعية وتربصات التكوين للإطارات والناشطين.

 وتعمل الجمعية على ربط  اتفاقيات شراكة وتعاون مع هياكل وطنية وذلك لتفيذ مشاريع تطوعية مثل البلديات والجمعيات المختصة والمؤسسات الشبابية والثقافية والبيئية كما يتوفر للجمعية برنامج تبادل للمتطوعين مع الجمعيات المعتنية بالعمل التطوعي بمختلف بلدان العالم وذلك بفضل تواجدها بأهم الهياكل الدولية ذات العلاقة ومن بينها لجنة تنسيق الخدمة التطوعية الدولية والاتحاد العربي للعمل التطوعي والاتحاد المغاربي للعمل التطوعي  إضافة إلى اتفاقيات تعاون ثنائية أخرى.

وتقوم الجمعية بتنفيذ مشاريع عدة منها حملات النظافة والعناية بالبيئة والمساهمة في أعمال البناء والصيانة للمؤسسات الصحية والثقافية والشبابية والتربوية وحماية المحيط من خلال مقاومة التصحر والإنجراف وأشغال التطهير و ترميم المواقع الأثرية وصيانة المعالم التاريخية الى جانب أعمال اجتماعية وتضامنية لفائدة ذوي الحاجيات الخصوصية وساكني المناطق الريفية وتنظيم   قوافل ثقافية وتنشيطية بالأحياء ذات الكثافة السكانية وبالجهات الداخلية

وبحسب هاجر حداد  الناشطة في العمل الجمعياتي ، فإن  أهمية العمل التطوعي تكمن  في تكميل العمل الحكومي وتدعيمه لصالح المجتمع عن طريق رفع مستوى الخدمة أو توسيعها،و  توفير خدمات قد يصعب على الإدارة الحكومية تقديمها لما تتسم به الأجهزة التطوعية من مرونة وقدرة على الحركة السريعة و القرب من الحالات المعنية، وجلب خبرات أو أموال من خارج البلاد من منظمات مهتمة بالمجال نفسه بجانب المشاركة في ملتقيات أو مؤتمرات لتحقيق تبادل الخبرات ومن ثم مزيد من الاستفادة والنجاح ،و  التطوع ظاهرة مهمة للدلالة على حيوية الجماهير وإيجابيتها، لذلك يؤخذ مؤشراً للحكم على مدى تقدم الشعوب،إبراز الصورة الإنسانية للمجتمع وتدعيم التكامل بين الناس وتأكيد اللمسة الحانية المجردة من المنافسة ،إضافة الى أنه ينظر إلى قطاع التطوع على أنه قطاع رائد والسبب يرجع إلى كونه جهاز مستقل، وصغير الحجم، الأمر الذي يساعده على تجريب أمور جديدة أو تغيير وتحسين الأمور القائمة، بدون أن تكون هناك أي عقبات أو صعوبات.

أما معوقات العمل التطوعي فمنها ما يتصل بالمتطوع ذاته مثل  الجهل بأهمية العمل التطوعي، و عدم القيام بالمسؤوليات التي أسندت إليه في الوقت المحدد، لأن المتطوع يشعر بأنه غير ملزم بأدائه في وقت محدد خلال العمل الرسمي ،   السعي وراء الرزق وعدم وجود وقت كاف للتطوع  و عزوف بعض المتطوعين عن التطوع في مؤسسات ليست قريبة من سكنهم ،وتعارض وقت المتطوع مع وقت العمل أو الدراسة مما يفوت عليه فرصة الاشتراك في العمل التطوعي واستغلال مرونة التطوع إلى حد التسيب والاستهتار.

كما هناك معوقات متعلقة بالمنظمة الخيرية كعدم وجود إدارة خاصة للمتطوعين تهتم بشؤونهم وتعينهم على الاختيار المناسب حسب رغبتهم ، وعدم الإعلان الكافي عن أهداف المؤسسة وأنشطتها،،و   عدم تحديد دور واضح للمتطوع وإتاحة الفرصة للمتطوع لاختيار ما يناسبه بحرية، و عدم توفر برامج خاصة لتدريب المتطوعين قبل تكليفهم بالعمل ،وعدم التقدير المناسب للجهد الذي يبذله المتطوع.

و إرهاق كاهل المتطوع بالكثير من الأعمال الإدارية والفنية ،و المحاباة في إسناد الأعمال، وتعيين العاملين من الأقارب من غير ذوي الكفاءة.

إضافة الى معوقات متعلقة بالمجتمع منها عدم الوعي الكافي بين أفراد المجتمع بأهمية التطوع والأهداف التي يسعى إلى تحقيقهاو اعتقاد البعض التطوع مضيعة للوقت والجهد وغير مطلوب،و – عدم بث روح التطوع بين أبناء المجتمع منذ الصغر ،و عدم وجود لوائح وتنظيمات واضحة تنظم العمل التطوعي وتحميه.