الولايات المتحدة الأمريكية تهتم بكل تطورات الأحداث فى جميع أرجاء العالم, وتعمل بجهد متواصل غير منقطع من أجل بسط نفوذها على كل مناطق العالم التى تحتوى على الموارد الطبيعية المهمة, ومصادر الطاقة وبالأخص البترول (وفقاً لنظرية الجغرافيا الحيوية, تكمن الرؤية الكلية للإستراتيجية الأمريكية القائمة على نظرية الجغرافيا الحيوية, عدم الإلتزام بحدود معينة، فالحدود وفقاً لهذه النظرية مفتوحة، حيث أن الولايات المتحدة ترى أن حدودها وفق هذه النظرية هي حدود مصالحها الحيوية التى تتمثل في الموارد والثروات الحيوية بكل أنواعها فى أى مكان ), وتوظف الولايات المتحدة الأمريكية سياستها الخارجية والداخلية لتحقيق هذا الهدف القومى, وعليه فإن مجمل التحولات فى الإستراتيجية الأمريكية إتجاه القارة الأفريقية, هى جزء من إستراتيجية أمريكية سياسية وعسكرية شاملة (كونيةGlobe ), تعمل على وضع كل مقدرات القارة الأفريقية من موارد طبيعية وبشرية وبالأخص البترول (استراتيجية الطاقة القومية الأمريكية American National Energy Policy- أو ما يعرف بتقرير ديك شينى  Cheney Report  الذى يشير فيه إلى ضرورة انشاء قواعد عسكرية فى جميع مناطق النفط فى العالم من كازخستان الى أنغولا لضمان أمن الطاقة الأمريكى) تحت تصرفها إسوة بمناطق العالم الأخرى, عبر إتباع إستراتيجية تعمل على إقصاء القوة الأخرى المنافسة لها (الصين,الإتحاد الأوربى, الهند البرازيل), وتطويع المجتمعات والدول الأفريقية بصورة تخدم النفوذ والمصالح الأمريكية على المدى الطويل والقصير (الإستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا جنوب الصحراء 14 يونيو 2012 م).
التحولات فى الإستراتيجية الأمريكية العالمية:
منذ نهايات القرن الماضى أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية تعانى من أزمات اقتصادية وسياسية وعسكرية مزمنة, جعلتها تنزع نحو تطبيق إستراتيجية تهدف لإشعال الحروب فى شتى مناطق العالم بطابع أيديولجيى خاصة بعد وصول اليمين المسيحى للحكم فى عام 2000 م, عبر تهيئة الرأى العام الأمريكى الداخلى والرأى العالمى ببروز عدو جديد, يضم أنظمة ودول تم تصويرها على أنها مصدرة لما يسمى بالإرهاب, وتصويرها على أنها عدوة للنموذج الديمقراطى الليبرالى الغربى, الذى أفترض له سيادة نموذجه عالمياً بعد سقوط الإتحاد السوفيتى فى أوائل تسعينات القرن الماضى, عليه فى هذا الإطار إستخدم الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية "جورج دبليو بوش" الحرب على ما يسمى بالإرهاب ذات الإرتباط بفلسفة صدام الحضارات, من أجل إعادة بناء النظام العالمى وفقاً للرؤى الأمريكية, من أجل إعادة تشكيل العالم وإجباره على التوافق مع نمط الحياة الليبرالية الأمريكية وفقاً لرؤية فلاسفة ومنظرى النظام الرأسمالى (صمويل هيتنغتون, فرانسيس فوكاياما), ( أنظر كتاب فرانسيس فوكايما نهاية التاريخ وخاتمة البشر, الذى ينظر فيه ويقول أن الديمقراطية الليبرالية والنظام الرأسمالى هما نقطة النهاية فى التطور الأيدلوجى للإنسانية).
وبناء على ذلك قامت الولايات المتحدة بعسكرة سياستها نحو أفريقيا, وعسكرة الشعوب والمجتمعات الأفريقية, وتطويع القانون الدولى وفق متطلبات الإستراتيجية الأمريكية, والترويج لمكافحة ما يسمى بالإرهاب وخطر القاعدة والإسلام فوبيا, وأصبحت وفق هذه الخطوط, تتحرك الإستراتيجية الأمريكية نحو أفريقيا وبقية مناطق العالم الأخرى, بهدف جعل النطاق الاستراتيجى لحربها ضد ما يسمى الإرهاب, والدول المارقة على حسب وصفها, غير محدد بزمان أو مكان, أى أنه نطاق مفتوح  وغير محدد, لذلك الوعى السياسى بهذه الإستراتيجيات الأمريكية العالمية مهم لكل واضعى الإستراتيجيات فى الدول الأفريقية, حيث أن فهم هذه الإستراتيجيات الأمريكية العالمية, يمكنهم من تطوير استراتيجيات تتعاطى مع واقع النظام العالمى الجديد الذى تقوده الولايات المتحدة الأمريكية, وتعمل على تحقيق مصالح دولهم دون وقوع أضرار عليها (سياسة فهم وقراءة الواقع للتعاطى مع إيجابياته, وتفادى سلبياته واستشراق المستقبل).
الإستراتيجية الأمريكية الجديدة إتجاه قارة أفريقيا:
القارة الأفريقية تتكون من 54 دولة, وتعيش فيها حوالى 800 جماعة إثنية وربما أكثر من ذلك, ويصل فيها عدد اللهجات المحلية لحوالى 1000 لهجة, وهى قارة تشتهر بالتنوع الثقافى والجغرافى والإجتماعى والإقتصادى, والقارة الأفريقية تتميز أيضاً بمعدلات مواليد عالية يتوقع أن يصل فيها التعداد السكانى للقارة الأفريقية لحوالى 2 مليار  نسمة بحلول عام 2050 م (43% منهم من الشباب الذين لا تتجاوز أعمارهم 15 عاماً) , ويتوقع أن يساهم هذا النمو فى السكان فى التنمية وتطوير القطاع الإقتصادى, وأن يسهم فى تطوير العملية السياسية , ويعكس التقرير المشترك لبنك التنمية الأفريقى (AFRICAN DEVELOPMENT BANK), ولجنة الأمم المتحدة للتعاون الإقتصادى والتنمية (ORGNIZATION FOR ECONOMIC COOPERATION AND DEVELPMENT), وتقرير لجنة الأمم المتحدة الإقتصادية لأفريقيا  (UN ECONOMIC COMMISSION ON AFRICA) لعام 2010 م, أن إقتصاد قارة أفريقيا ينمو بصورة جيدة ويحقق معدلات نمو سريعة, وقد ساهم إكتشاف كميات كبيرة من خام النفط فى منطقة خليج غينيا وبحيرة شاد وحوض تاودينى فى شمال مالى والمناطق الحدودية بين السودان وجمهورية السودان, والسواحل الشرقية للقارة الأفريقية, وأنغولا ومنطقة البحيرات, ووجود بعض المعادن الإستراتيجية الأخرى مثل الماس واليوارنيوم فى العديد من مناطق القارة الأفريقية, بالإضافة لوجود مصادر وفيرة من المياه العزبة المتجددة والأراضى الزراعية الصالحة للزراعة, فى زيادة فرص نمو إقتصاديات معظم الدول الأفريقية, كما أنه جعل أنظار كل القوى العالمية تتجه نحو أفريقيا بهدف الإستفادة من مواردها الطبيعية وبالأخص مصادر الطاقة, مما شكل تنافساً حاداً بين هذه القوى وبالأخص (الولايات المتحدة والصين) على موارد القارة الأفريقية.
ونتيجة للتحولات فى الإستراتيجية الأمريكية العالمية بعد سقوط الإتحاد السوفيتى السابق فى بداية تسعينيات القرن الماضى, وإنفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة العالم, وتبنيها لمشروع العولمة (GLOBLAIZATION) (نشر نموذج الثقافة الغربية ليعم كل أرجاء الكون), أخذت الولايات المتحدة الأمريكية تنتبه لأهمية القارة الأفريقية الإستراتيجية للأمن القومى الأمريكى, ولذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بتنسيق حملة لأحياء علاقاتها مع أفريقيا بهدف دمج أفريقيا فى الإقتصاد العالمى, بعد أن كانت إقتصاديات الدول الأفريقية تعانى من التهميش فى فترة الحرب الباردة, فجاءت زيارة الرئيس الأمريكى السابق بيل كلينتون لبعض دول غرب أفريقيا ومنطقة البحيرات فى عام 1998 م من القرن الماضى, ولكن بعد أحداث الحادى عشر من سبتمبر من العام 2001 م, ظهرت تحولات فى الإستراتيجية الأمريكية نحو أفريقيا تمثلت فى الحرب على ما يسمى بالإرهاب (قرار مجلس الأمن رقم 1373 الذى يلزم جميع الدول بمكافحة ما يسمى بالإرهاب), وتكوين قوة المهام المشتركة فى القرن الأفريقى فى عام 2002 م (CJTF HOA) لمكافحة ما يسمى بالإرهاب فى منطقة القرن الأفريقى, ومن ثم تشكيل القيادة الأمريكية لأفريقيا (AFRICOM) فى عام 2007 م والذى كشف عن بداية عسكرة الولايات المتحدة لسياستها نحو أفريقيا, ومن ثم تطويق القارة الأفريقية بسلسة من القواعد (سنيولا, جيبوتى, ساوتمى وبرنسيب, أوميغا) لتحقيق مصالح الأمن القومى الأمريكى.
وبعد تولى الرئيس باراك أوباما لرئاسة الولايات المتحدة الأمريكية فى 2008 م, قام بزيارة لعدة دول أفريقية من بينها غانا, وقد أعرب فى حديثه أمام البرلمان الغانى فى يوليو من العام 2009 م, عن أهمية أفريقيا للأمن القومى الأمريكى والمصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية وقال فى هذا الصدد " نحن نتطلع نحو المستقبل، فمن الواضح أن أفريقيا هي أكثر أهمية من أى وقت مضى إلى الأمن والرخاء للمجتمع الدولى، وإلى الولايات المتحدة على وجه الخصوص, إقتصادات أفريقيا هى من بين الأسرع نموءاً في العالم، مع التغيرات التكنولوجية التي تجتاح القارة الأفريقية، والتي تقدم فرصاً هائلة في مجال الخدمات المصرفية، والطب، والسياسة، والأعمال التجارية, وفي نفس الوقت فإن عدد الشباب يتنامى في أفريقيا وهنالك تغير فى الاقتصادات والنظم السياسية, معالجة الفرص والتحديات في أفريقيا يتطلب سياسة أمريكية شاملة استباقية، تستشرف المستقبل، وتوازن بين مصالحنا على المدى الطويل مع المصالح على المدى القريب والضرورات, هذه الاستراتيجية الأميركية تجاه ترسيخ العلاقات مع أفريقيا جنوب الصحراء سبقتها العديد من المبادرات التي أطلقناها منذ توليت منصبى من أجل المساعدة في تحقيق هذا التوازن، وسوف نرفع من الجهود التي ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل أفريقيا لتعزيز المؤسسات الديمقراطية وتعزيز واسع النطاق للنمو الاقتصادى، من خلال التجارة والاستثمار, وبناء مؤسسات قوية ومسؤولة، والديمقراطية، التي تعمل على الالتزام العميق بسيادة القانون، وتوليد مزيد من الازدهار والاستقرار، مع المزيد من النجاح فى تخفيف الصراعات وضمان الأمن المستدام، والنمو الاقتصادى الشامل تمثل مكوناً رئيسيا للأمن والاستقرار السياسى والتنمية، وأنها تدعم الجهود لتخفيف حدة الفقر، وايجاد الموارد التي من شأنها تعزيز الفرص وتمكين الأفراد من تحقيق إمكاناتهم الكاملة, في حين أن العديد من الدول في القارة قد خطت خطوات هائلة لتوسيع نطاق المشاركة السياسية والحد من الفساد، وهناك المزيد من العمل الذى يتعين القيام به لضمان عمليات انتخابية نزيهة، واقامة مؤسسات شفافة  تحمي حقوق الجميع، وتوفير وحماية أمننا ومصالحنا القومية, رسالتنا إلى أولئك الذين يريدون عرقلة العملية الديمقراطية هو واضح لا لبس فيه, الولايات المتحدة لن تقف مكتوفة الايدى عندما تهدد الحكومات المنتخبة شرعيا, أو يتم التلاعب في نزاهة وسلامة العملية الديمقراطية، وسنقف في شراكة ثابتة مع أولئك الذين هم ملتزمون بمبادئ المساواة والعدالة وسيادة القانون".

ومن ثم جاءت استراتيجية الأمن القومى الأمريكى، التى صدرت في مايو 2010 م، لتعزز من قيم الشراكة مع أفريقيا, والتى ترتكز على المسؤولية المشتركة والاحترام المتبادل، وتدعو إلى شراكة مع الدول الافريقية لأن اقتصاداتها تنمو بسرعة, ومؤسساتها الديمقراطية تتطور, وفى 14 يونيو من عام 2012 م، وافق الرئيس باراك أوباما على توجيه سياسة تحدد رؤيته فيما يتعلق بسياسة الولايات المتحدة تجاه أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى, وعليه إنبثقت إستراتيجية أمريكية جديدة اتجاه القارة الأفريقية ترتكز على الآتى:
1.    حماية الأمن القومى الأمريكى عبر حماية المصالح الأمريكية فى أفريقيا (النفط ومصادر الطاقة) والتقليل من خطر تهديد الأمن الأمريكى فى الداخل والخارج (عمليات مكافحة ما يسمى بالإرهاب).
2.    دعم أسبقيات الولايات المتحدة فى أفريقيا (الحكم الراشد, التقدم الإقتصادى, فض النزاعات, دعم وتقوية برامج الصحة العامة, دعم الشركاء الأفارقة لرفع مستوى قدراتهم لمواجهة التحديات الإنتقالية).
3.    محاربة شبكة تنظيم القاعدة والجريمة العابرة للحدود وتجارة المخدرات.
4.    تأمين الملاحة البحرية ومحاربة عمليات القرصنة.
5.    مساعدة الدول الأفريقية والمنظمات الأفريقية الإقليمية وتطوير قدرتها على مواجهة التهديدات المحلية والدولية.
6.    مساعدة الأقطار الأفريقية والمنظمات الإقليمية الأفريقية فى بناء مننظومة قارية لعمليات حفظ السلام والإستجابة للكوارث.
7.    تشجيع القوات العسكرية الأفريقية للعمل تحت مظلة السلطة المدنية, واحترم القانون, والمساهمة فى استقرار الدولة.
آليات تحقيق أهداف الولايات المتحدة الأمريكية فى أفريقيا: 
ولتحقيق أهداف الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه القارة الأفريقية تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية مكينزمات لبسط نفوذها, تتمثل فى الآتى:
1.    الإهتمام بقضايا الإرهاب, التطرف, حقوق الإنسان والأقليات, المخدرات والجريمة الدولية, وحقوق المرأة, ووضعها على قائمة أولويات سياسة الولايات المتحدة نحو القارة الإفريقية.
2.    تطويق الأنظمة الغير موالية لها فى القارة الإفريقية, والتى تصنفها الولايات المتحدة الأمريكية بالدول الداعمة للإرهاب على حسب وجهة نظرها.
3.    خلق كيانات إقليمية تساعدها فى تحقيق مصالحها فى القارة الإفريقية وإختيار دول معينة لكى تمارس دور قيادى فى هذه الكيانات الإقليمة. 
4.    تحقيق الأمن والاستقرار لتأمين مصالحها البترولية والتجارية عن طريق إنشاء قوة أفريقية لمواجهة الأزمات, عبر تقديم التمويل والتدريب للدول الحليفة, وإنشاء القواعد العسكرية لتأمين مناطق مصالحها الحيوية. 
5.    تفعيل الاستثمارات والتجارة في القارة الإفريقية, بدلاً من إرسال المساعدات التى تكلف الخزينة الأمريكية أموالا طائلة. 
العناصر التى تعمل الولايات المتحدة من خلالها لتنفيذ إسراتيجيتها فى أفريقيا:
إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة نحو أفريقيا تحتوى على عناصر هامة تساعدها فى تنفيذ مخططاتها فى أفريقيا, وهنالك ثلاثة عناصر فعالة ومهمة وحيوية تعمل الولايات المتحدة الأمريكية للتحرك من خلالها لتنفيذ إستراتيجتها فى أفريقيا وهى تتمثل فى الآتى:
1.    الديمقراطية.
2.    وحقوق الإنسان.
3.    وإقتصاد السوق.
وبتحليل هذه العناصر نجد أن التعددية الشكلية هى مقياس الديمقراطية عند الولايات المتحدة الأمريكية, والدعوة لحقوق الإنسان هى عنصر مهم فى الخطاب الأيدلوجى للولايات المتحدة الأمريكية, حيث تم فيه  تحويل القيمة الإنسانية إلى سلاح سياسى فى يد أمريكا لإستخدامه ضد الدول الرافضة لهيمنتها, أما الإقتصاد والذى تم تحويل إسمه تحت (إقتصاد العولمة), فهو يمثل الوجه الإقتصادى فى أيدلوجية الولايات المتحدة الأمريكية للسيطرة على مجمل عمليات الإقتصاد العالمى وممارسة الضغوط عن طريقه لبسط هيمنتها على الدول, ويلعب الإعلام دوراً محورياً فى تنفيذ سياسات الولايات المتحدة الأمريكية فى أفريقيا وبقية مناطق العالم الأخرى, حيث عن طريقه يتم التأثير على الرأى العام الأفريقى, عن طريق أساليب الدعاية المبتكرة والسيطرة على وسائط الإعلام العالمية, والتحكم فى الرسالة الإعلامية الموجهة للتأثير على الرأى الأفريقى والعالمى, ومن ثم نشر قيم الولايات المتحدة الأمريكية المتمثلة فى نشر الثقافة الليبرالية الغربية وقيم الرأسمالية, وتوجيه النشاط الثقافى والعلمى ليخترق الثقافات الوطنية الأفريقية الأخرى, مما يؤدى إلى إنهيارها لحساب ثقافة النموذج الأمريكى.
وبالتالى العمل على نشر الديمقراطية وفق القيم والأعراف والتقاليد الأفريقية, والمحافظة على حقوق الإنسان عبر تضمينه فى الدساتير الوطنية الأفريقية, وتحسين فرص النمو الإقتصادى وتحقيق معدلات زيادة فى دخل الأفراد من الناتج القومى على مستوى الحكومات الوطنية الأفريقية, والإستفادة من التطور التكنولوجى الهائل فى وسائل الإتصالات والمواصلات فى اجراء اصلاحات هيكلية فى النظم الإقتصادية والسياسية والإجتماعية الأفريقية, قد يتلائم ويتوافق مع استراتيجية الولايات المتحدة تجاه القارة الأفريقية, وربما يحسن من فرص التعاون بين دول القارة الأفريقية والولايات المتحدة الأمريكية, ويعزز من فرص الإستفادة من  (قانون الفرص والنمو AGOA ) الأمريكى, وبرنامج (USAID)  الإقتصادية, وربما يقطع الطريق أمام محاولات اللوبيات المتنفذة داخل الولايات المتحدة الأمريكية, من محاولات الضغط على الإدارات الأمريكية لفرض الهيمنة على الدول الأفريقية عبر حجج تحقيق الديمقراطية, وحماية حقوق الإنسان, وتحسين فرص الحياة الإقتصادية لأبناء دول القارة الأفريقية, بينما يكون الغرض من استخدام هذه الحجج من قبل هذه اللوبيات, هو تنفيذ أجندات أخرى تخدم مسارات الهيمنة والنفوذ لجهات تريد أن تحكم قبضتها على العالم باستعمال شتى الوسائل والطرق.

الإستراتيجية الأمريكية تجاه أفريقيا وفرص تطوير العلاقات السودانية الأمريكية:

جمهورية السودان تحتل موقعاً جيوبوليتكياً مميزاً فى قارة أفريقيا, فهى تحتل موقعاً يربط بين دول غرب أفريقيا وشرقها وشمالها وجنوبها, وتمتلك ساحل كبير  يطل على البحر الأحمر, كا تضم أراضيه مساحة كبيرة من مجرى حوض نهر النيل الذى تتشاطأ على حوضه أحد عشر دولة أفريقية, هذا الموقع الجغرافى المتميز مهد إلى أن تكون جمهورية السودان ملتقى الطرق الأفريقية, وأن تكون دولة دائمة الإتصال بجاراتها الأفريقية والعربية والأسيوية, وعليه نشأت بين هذه المناطق والسودان, علاقات تجارية منذ عهود ما قبل التاريخ, أدت فيما بعد لتكوين روابط ثقافية وإجتماعية واقتصادية وسياسية قوية بين السودان ودول محيطه الإقليمى.
كما توجد بجمهورية السودان بنية تحتية جديدة وحديثة, تتمثل فى الطرق المعبدة والصناعات المتطورة والإتصالات, بالإضافة لإمتلاك السودان لموارد طبيعية ضخمة, وأراضى زراعية شاسعة ووفرة فى المياه الجوفية ومياه الأمطار والأنهار, وفى شتى المجالات الأخرى وبالأخص فى مجال النفط حيث يوجد بالسودان عدد من الشركات النفطية المؤهلة, وبنية تحتية نفطية متطورة, وعدد من خطوط نقل البترول من جميع مناطق جمهورية السودان, ودولة جنوب السودان, لموانىء التصدير فى البحر الأحمر, وعليه جمهورية السودان تعتبر رقماً أفريقيا لا يمكن تجاوزه فى تحقيق النمو الإقتصادى الأفريقى, وقاعدة مهمة لجميع الإستثمارات القارية والدولية, ودولة محورية تلعب أدواراً ذات معنى فى تحقيق الأمن والسلم الإقليمى والقارىء والعالمى, وعليه جمهورية السودان تشكل محوراً مهماً فى انطلاق وتحقيق الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا.
ومن منظور إستراتيجى أيضاً  تعد الولايات المتحدة الأمريكية من أقوى دول العالم, بالرغم من كثرة الأزمات الاقتصادية التى تمر بها فى المرحلة الحالية، والولايات المتحدة الأمريكية تحتل مكان الصدارة من حيث القوة بين جميع دول العالم حتى الآن، وهى دولة تزخر بالعديد من الموارد البشرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية التى تمنحها القدرة على الدفاع عن مصالحها فى كافة أرجاء العالم، ويقدر حجم الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة الأمريكية فى عام 2008 م بحوالى 14.5 تريليون دولار، بينما وصل حجم الناتج المحلى الإجمالى فى نفس العام  في جمهورية الصين الشعبية إلى ما يقدر بحوالى 7.8 تريليون  ودولار, بينما وصل الناتج المحلى الإجمالى فى أوربا فى نفس العام إلى حوالى 1.5 تريليون دولار, وبالرغم من تقلص حجم الناتج المحلى الإجمالى للولايات المتحدة فى عام 2010 م, وأن تداعياته أثرت بشكل ملحوظ على التجمعات الإقتصادية العالمية الأخرى، لكن لا زال التوازن الاقتصادى العالمى الحالى يصب فى صالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وتعتبر الولايات المتحدة الأمريكية من الدول الغنية بالمصادر الطبيعية، حيث تنتج ما يعادل 1/10 من الإنتاج العالمى للنفط الخام, وإن كانت هذه الكمية المنتجة من خام النفط لا تكفى إلا  لسد نصف طلب السوق الداخلى للولايات المتحدة الأمريكية الآن, وأيضاً تستحوذ الولايات المتحدة الأمريكية على أكبر احتياطى عالمى من الفحم الحجرى، وهى أيضاً من أكبر منتجى الغذاء, وأكبر مصدرى المنتجات الزراعية والصناعية فى العالم, حتى فى ظل ضغط ظروف الأزمة الاقتصادية التى تعانى منها حالياً، كما تعتبر الشركات الأميركية متعددة الجنسيات, ومؤسساتها المالية, من أهم القطاعات المستثمرة فى العديد من دول العالم, ومناطق التجمعات الإقتصادية الإقليمية والدولية، وبالنظر لعلاقات الولايات المتحدة الأمريكية التجارية الخارجية نجدها حتى الآن تمتلك قوة التأثير سلباً وإيجاباً على اقتصادات معظم دول العالم الأخرى, وقوة الولايات المتحدة الأمريكية الاقتصادية تؤثر تأثيراً كبيراً على العلاقات السياسية الدولية, فهى تمتلك قوة الضغط على سياسات صندوق النقد والبنك الدوليين، كما أنها تساهم بأكبر حصة في ميزانية الأمم المتحدة.
أما ميزانية وزارة الدفاع للولايات المتحدة الأمريكية فقدرت بحوالى 515 مليار دولار خلال السنة المالية 2009 م, كما أن هنالك قابلية لإضافة ما بين 70 و100 مليار دولار عند الضرورة لتغطية العمليات فى مناطق النزاعات, وميزانية الولايات المتحدة الأمريكية العسكرية تعادل ميزانية ما تخصصه بقية دول العالم أجمع لنفقاتها وأعمالها العسكرية, وعليه من المهم لجمهورية السودان وضع أعتبار كبير لإستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية الجديدة تجاه أفريقيا, والإستفادة منها عبر تفعيل المصالح المشتركة بين الدولتين, وازالة العوائق التى تعترض مسار العلاقات عبر الحوار الهادف والبناء,  مع الوضع فى الإعتبار أن الولايات المتحدة الأمريكية هى المستفيد الأكبر من الإستقرار فى السودان, لأنه يسهم فى استقرار المنطقة, وتحقيق المصالح الأمريكية فى أفريقيا, عبر تطوير شراكات اقتصادية فعالة مع دولها, تسهم فى تنمية اقتصاديات كل الدول الأفريقية, وتحقيق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية فى القارة الأفريقية.
خاتمة:
إجراء تفاوض جاد بين جمهورية السودان والولايات المتحدة الأمريكية, لبحث فرص تطوير العلاقات بينهما, وإنهاء الخلافات التى تقف عائقاً أمام تطوير العلاقة بين البلدين, من شأنه أن يسهم بفعالية فى تحقيق مصالح كل من جمهورية السودان والولايات المتحدة الأمريكية, وسوف يمكن الدولتين فى الإستفادة من مواردهما فى تحقيق مصالح شعوبهم, بدلاً من إهدارها فى الصراعات التى لا يمكن التنبؤ بما تفضى اليه من أوضاع, وعليه يقع على عاتق الدبلوماسية الرسمية والشعبية ومنظمات المجتمع المدنى ومراكز البحوث فى كل من البلدين, القيام بدور فعال يسهم فى تطوير العلاقات السودانية الأمريكية, وايجاد فرص تعمل على تسوية الخلافات بينهما, والإنتقال بالعلاقة لمرحلة التعاون الفعال, الذى حتماً سوف يعالج مسألة الإستقرار الإقليمى, وبالتالى المحافظة على الأمن والسلم الأفريقى والعالمى, الذى يمهد الطريق لتحقيق انتعاش أفريقى اقتصادى, يساهم بدوره فى تحقيق نهضة اقتصادية عالمية تستفيد منها كل شعوب ودول العالم.