عرفت تونس خلال السنة الماضية 2013 أحداثًا أمنية و إضطرابات سياسية كبيرة كان لها انعكساتها و تاثيراتها على الإقتصاد التونسي و خاصة القطاع السياحي و هو قطاع حيوي في البلاد حيث يساهم بقرابة 7  في المائة من الناتج الداخلي الخام للبلاد و يساهم كذلك بنسبة كبيرة في التشغيل و الحد من البطالة حيث تُشير الارقام إلى أنّه يشغّل قرابة النصف مليون شخص بصفة مباشرة و غير مباشرة .

و بدأت الأزمة السياسية و الأمنيّة في البلاد بإغتيال المعارض و القيادي في الجبهة الشعبية "شكري بالعيد" في  6 فبراير/شباط رميا بالرصاص أمام منزله بالعاصمة تونس ,عملية تلتها حادثة اغتيال ثانية في 25 يوليو/تموز  من نفس العام للقيادي المعارض و مؤسس التيار الشعبي و عضو المجلس الوطني التأسيسي محمّد البراهمي ,تلت ذلك  يوم 29 يوليو/تموز  الحادثة الاكثر دمويّة في سلسة ما يعرف بأحداث "الشعانبي" المنطق الجبيلية بالوسط التونسي و المتاخمة للحدود الجزائرية و هي العمليّة التي راح ضحيتها 8 عناصر من الجيش التونسي ,ما ولد حالة من الإحتقان السياسي و الشعبي طالبت من خلاله المعارضة باستقالة الحكمومة التي تقودها حركة النهضة الإسلامية و حل المجلس الوطني التأسيسي بعد أن علّقت عضويّة نوّابها فيه ما ادّى إلى تعطّل العمليّة السياسية برمّتها ,الشيء الذي استوجب تدخل الإتحاد العام التونسي للشغل المنطمة النقابية الاعرق في البلاد لتقديم خارطة طريق للخروج من الأزمة و التي انتهت إلى التوافق حول رئيس حكومة جديد "المهدي جمعة" ليشرف على المرحلة الانتقالية الثانية و الاعداد للانتخابات القادمة و الانكباب على معالج الملفات الأمنية و الاقتصادية العاجلة ,هذا و يذكر أنّ سلسلة أحداث الشعانبي كانت قد بدأت منذ شهر افريل بزرع الغام استهدفت عناصر من الجيش الوطني التونسي راح ضحيتها حتى الآن 14 عسكريًا و العمليات لا زالت متواصلة ضد المجموعات المسلحة و المتحصنة بالجبال ,و تبقى أكثر العمليات تأثيرًا على القطاع السياحي حسب الخبراء هي التي استهدفت في 30 اكتوير الماضي أحد الفنادق في مدينة سوسة الساحليّة و التي لم تسفر عن ضحايا بخلاف منفدّها متزامنة مع عمليّة أخرى كانت تستهدف في ذات اليوم ضريح الزّعيم الرّاحل الحبيب بورقيبة في مسقط رأسه بمنطقة المنستير ،و اللافت في العمليتين أنهما قد شكلا تطورا نوعيا في تكتيكات التيار الجهادي في تونس باعتماد نموذج العمليات الانتحارية .

و يرى الخبراء أنّ تعافي السياحة التّونسيّة من تأثيرات هذا الحادثة و الحوادث الأمنية التي سبقته يستوجب كثيرا من الوقت و من العمل الأمني و الدّعائي و الإعلامي إذ رغم ما شهده القطاع من تعافي نسبي في بداية سنة 2013 و النّصف الأوّل من نفس العام و رغم بلوغ عدد السياح الأجانب خلال السنة الماضية الستة ملايين حسب الإحصائيات الرّسميّة ثلثهم من ليبيا و الجزائر فإنّ القطاع يشهد تدهورًا ملحوظًا تجلّى في غلق أكثر من 200 فندق سياحي نتيجة للأزمة الحادة التي يعيشها و ينبّه الخبراء الى أنّ العمليات الإرهابيّة الاخيرة قد تساهم في تعميقها أكثر إذا لم تتخذ الدّولة الإجراءات اللازمة و على راسها معالجة الملف الامني و مكافحة الإرهاب .

السياحة تدفع ثمن الإرهاب

 عرفت عديد المناطق في العالم هجمات إرهابية استهدفت الفضاءات السياحيّة ,بل تكاد تكون السياحة هي الهدف الابرز للعمليات الإرهابيّة ,نظرًا لتأثيرها الإعلامي و كلفتها الإقتصاديّة الباهضة على البلد المستهدف ,فأيتما ضرب الإرهاب كانت التبعات الإقتصاديّة و كانت السّمعة السياحيّة هي الأكثر تضرّرا ,لأنّ الجانب الإعلامي يكون أضخم من خلال التغطيات الصحافيّة و التلفزيّة الشيء الذي يؤثّر سلبًا على السمعة الأمنيّة للبلد المستهدف و هي السّمعة التي يحرص كل بلد على تحسينها في سوق السياح الدّوليّة باعتبارها العامل الأوّل الذي يحدّد وجهة السيّاح و الزوّار, فتونس مثلا لم تتعافى من تأثيرات عمليّة جربة عام 2002  إلاّ بعد أكثر من عامين خاصة في سوق السياحة الألمانية  ,كما عانت دول أخرى كثيرة من تأثيرات العمليات الإرهابية على الإقتصاد و على السياحة بصفة خاصة فمصر عانت كثيرا من تبعات الهجمات التي استهدفت العديد من المواقع السياحيّة كأحداث الأقصر في نوفمبر 1997 و التي دفع ثمنها باهضًا الإقتصاد المصري أو كذلك هجمات شرم الشيخ سنة 2005,كما عرفت المغرب أيضًا عمليات مماثلة في الدار البيضاء سنة 2003 و الهجوم الذي استهدف "مقهى أركانة" في مراكش سنة 2011 و هي أحداث كانت لها تأثيراتها الموجعة على الإقتصاد المغربي ,و في علاقة الأمن و الإٍرهاب بالسياحة أيضًأ لا زلت الجزائر الى اليوم تدفع ثمن العشريّة السّوداء التي مرّت بها و التي أثّرت بشكل كبير على سمعتها السياحيّة في السّوق العالميّة و لم تبدأ السياحة الجزائرية تعافيها التدريجي من مخلفات تلك الحقبة إلاّ منذ سنوات قليلة .

و يذهب الخبراء الى أنّ اصرار الحركات الجهاديّة خاصة على توجيه ضرباتهم الى القطاع السياحي ,يصدر من رؤية عقائديّة و فقهيّة بالأساس مفادها إستهداف "الكفّار" و أنّ السياحة تساعد على تفشّي المفاسد الأخلاقيّة و ارتكاب المحظورات الدّينيّة في نظرهم و تفتح الباب أمام استيراد قيم غريبة عن تصوّرهم للمجتمع .

لذلك يوصي خبراء السياحة دوما بوضع الملف الأمني و مكافحة الإرهاب على رأس أولويات أي مشروع يهدف الى تطوير السياحة في بلد ما ,على أنّ مسألة الإرهاب لا تتوقّف مكافحتها عند الحل الأمني بقدر ما هي معالج اقتصادية اجتماعية و تربوي و توعية ثقافية شاملة تقطع الطّريق أمام ايّ محاولات لتوظيف الفقر و الجهل و الأميّة في المشاريع ذات أهداف إٍرهابية ,و من هنا كان لزاما على تونس و من أجل معالجة جذريّة لأزمة السياحة في البلاد أن تنكبّ على ملف الإٍرهاب بشكل سريع و فوري لإنقاذ ما أمكن انقاذه و لترميم الصّورة و إسترجاع علامة جودة السياحيّة التونسيّة .