أعرب مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر محمد السني، عن تحفظه على الآلية الحالية المتبعة لاختيار المبعوث الأممي، والتي تعطي مجلس الأمن اليد العليا في حسم الاختيار، أما أصحاب الشأن، الدولة المعنية بالأمر، فيتم تبليغنا باسم المرشح فقط لرفع العتب، ومهما كان رأي الدولة سلباً أو اجاباً يظل رأي لا يرتقي للتنفيذ

وأضاف السني في كلمته أمام مجلس الأمن خلال جلسته المخصصة للنظر في البند المعنون "الحالة في ليبيا" أنه لنجاح عمل أي مبعوث ووسيط دولي يجب أن يبدأ تشاوره بخصوص أي مرشح أولاً مع الليبيين، ويتأكد من التوافق بين الأطراف السياسية المعنية قبل طرح الاسم على مجلس الأمن، لأن من المفترض أنه مبعوث وممثل الأمين العام وليس مبعوث أو ممثل مجلس الأمن، "حينها نؤكد لكم أنه سيكون من الصعب رفض الترشيح من أعضاء المجلس عند علمهم بوجود توافق محلي بالخصوص

وأشار السني إلى "حجم الانقسام داخل هذا المجلس، مما يؤثر سلباً على مصير الشعب الليبي، الذي أصبح للأسف رهينة خلافات أعضاء المجلس وبعض القوى الإقليمية المتدخلة بشكل مباشر في الشأن الليبي،  ويتجلى ذلك مثلاً في عدم القدرة على الوصول إلى توافق حتى الآن على ولاية عمل البعثة الأممية أو على تعيين المبعوث الخاص الجديد للأمين العام ، وهذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك ويبدو أنها لن تكون الأخيرة ، وقد أكدنا سابقاً أن الأزمة في ليبيا ليست مختزلة في شخص المبعوث أو قدراته، من إيماننا أن الصراع الدولي والتدخلات الخارجية، وانقسام مجلس الأمن، هي الأسباب الحقيقية وراء فشل جميع مبادرات البعثات الأممية سابقاً بغض النظر عن من يترأسها، ومن هنا نسجل اعتراضنا"

وأضاف السني "عند حديثنا عن آليات عمل مجلس الأمن، لا يفوتنا تسجيل تحفظنا أيضاً على آليات عمل المجلس عند الإعداد لمشاريع القرارات أو البيانات الرئاسية، لأنه وبنفس الطريقة يتم تجاوز الدولة المعنية ورأيها ، لأن أعضاء المجلس وحامل القلم غير ملزمين باشراك الدولة المعنية في التشاور والنقاش، ويتم الاكتفاء بالتواصل الودي بيننا وبين بعض الأعضاء وكأن الأمر مجاملة ولا يخصنا بالأساس... أعتقد أنه حان الوقت لتغيير هذه الآليات لتكون أكثر شفافية وعادلة ليس مع ليبيا فقط بل مع جميع الدول التي تُنظر في المجلس، لأن هذه الآليات وكما يبدو هي أعراف اتبعها مجلس الأمن عبر العقود وليست مرتبطة بأي لوائح أو قوانين فعلية"

وبين السني "أن الجولة الثالثة من مباحثات المسار الدستوري بين مجلسي النواب والدولة لم يكتمل الاتفاق فيها مؤكدا أن هناك بعض النقاط التي لازالت عالقة ولكنها في واقع الأمر جوهرية وأساسية ، وهذه النقاط هي التي تُعطل حتى الآن استكمال المسار الدستوري أو القاعدة الدستورية ، أياً كانت التسميات ، هذه التسميات والتي في حد ذاتها محل خلاف وجدل أيضاً."

وأردف "رغم ذلك فإننا نتطلع إلى اللقاء الذي سيجمع رئيسي مجلس النواب ومجلس الدولة في جنيف كما تم الإعلان عنه، ونأمل أن يتحقق فيه التوافق على كافة النقاط المتبقية ، حتى نستطيع كسر هذا الجمود السياسي والمضي قدماً لعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية على قاعدة صحيحة وفي أقرب وقتٍ ممكن، وضمان مشاركة واسعة من كافة الأطراف السياسية دون اقصاء متعمد لأحد، ونصل فعلاً وكما نسمع منكم، إلى حل ليبياً خالصاً وبقيادة وملكية ليبية حقيقية. لأن تجاربنا السابقة والاتفاقات السياسية المختلفة مثل اتفاق الصخيرات وجنيف أثبتت أن الأزمة الليبية ليست قانونية أو مرتبطة بنصوص وخارطة طريق ومدد زمنية ، بل الأزمة سياسية بامتياز ، ومرتبطة بأهواء وصراعات عدة قوى اقليمية ودولية متدخلة في بلادي".

وتابع السني "على الرغم من أن المفوضية العليا للانتخابات قد أعلنت أنها مستعدة لإجراء الانتخابات في أكثر من مناسبة، حال تم التوافق على القوانين وزوال ما اعتبرته القوة القاهرة ، فأننا ندعو من جديد مجلس الأمن بتفويض الأمم المتحدة وأجهزتها المختلفة لدعم العملية الانتخابية وإرسال فرق تقييم الاحتياجات فوراً، ودعم المفوضية العليا للانتخابات مبكراً ومساعدتها في الاستعداد للانتخابات المرتقبة في جميع مراحلها، بمجرد التوافق على القوانين والجدول الزمني الخاص بها، وهنا نتحدث عن دعم فني ولوجستي وتقني، ومراقبة دولية وإقليمية، حتى لا يضيع الزخم الحالي، ولضمان أن تكون العملية الانتخابية شفافة ونزيهة يقبل بها جميع الأطراف، ونتفادى أي محاولات للتزوير أو التلاعب أو التشكيك في النتائج كما يخشى البعض".

وشدد السني على أنه "رغم كل التحديات والظروف الصعبة ، لكن لازال يحذونا الأمل للخروج من الأزمة الراهنة ، وعلينا الالتفاف حول كل مبادرة وحل من شأنه جمع الليبيين وإنهاء الصراع ، ومن هذا المنطلق نطالبكم بدعم الرؤية الاستراتيجية لمشروع المصالحة الوطنية التي أطلقها المجلس الرئاسي منذ أيام ، هذه الرؤية التي شهد في يوم الاعلان عنها مشاركة المؤسسات السيادية والمنظمات الدولية والاقليمية المختلفة" وذلك "لأن عملية المصالحة الوطنية لا تقل أهمية عن العملية السياسية ، بل لا نبالغ إن قلنا إنها لو طُبقت بشكل صحيح، ستكون السبب الرئيسي في إنجاز طموحات الشعب الليبي في الاستقرار والسلام، لأننا بحاجة إلى نضج الضمائر وإلى تهدئة النفوس وتصفية القلوب للوصول إلى توافقات حقيقية".

ولفت السني إلى أن "الخلاف الحاد بين الفرقاء الليبيين وزيادة تعقيد المشهد السياسي مع غياب الإرادة الدولية لحل المشكلة، تبعث في نفوس أبناء الوطن الخوف من الحاضر والمستقبل، لأننا قد نجد حلولاً تلفيقية لمشكلات اليوم، ولكن هذه المشكلات حتماً ستعود وستتكرر بشكل أكثر ايلاماً، لأن أسس الاختلاف موجودة ما لم يكن هناك حلولا جذرية لها لذا فإننا نتطلع إلى أن تحقق الرؤية الاستراتيجية للمصالحة الوطنية أهدافها المعلنة وهي مصالحة جامعة، شاملة، تؤَمّن بيئة مجتمعية مستقرة، ينعم أفرادها بعيشٍ آمن دون تمييز أو إقصاء".

وأضاف السني "علينا التذكير بأن بالرغم من جميع المبادرات الدولية والاتفاقيات المختلفة على مدار السنوات الماضية افتقدت الى حوار خاص بالمصالحة الوطنية، كل الحوارات كانت إما سياسية، عسكرية ، أو اقتصادية ، يمكن أن نسميها حوارات تقنية ، ومنذ 2011 دخلنا حلقة مفرغة وجميع الاتفاقيات كانت هشة ولم يمكن استدامتها ، كل الحلول المقدمة اتبعت أسلوب فوقي وتناست القاعدة الأساسية وهم الناس، لذا ندعو الجميع وبالأخص الاتحاد الافريقي والأمم المتحدة لدعم مسار المصالحة الوطنية ، وأن تكون هذه الجهود مكملة للتوافق حول القاعدة الدستورية".

ودعا السني أنباء الشعب الليبي أن "يلتفوا حول كل المبادرات والمقترحات التي من شأنها تعزيز بناء الثقة ونبذ العنف وخطاب الكراهية وانهاء جذري للأزمة، وعدم الارتهان للأجنبي".