لا يخل بيت تونسي يوم عيد الأضحى المبارك من رائحة هذه المناسبة الدينية التي تفوح من كل مكان لتخلق أجواء خاصة تتميز بها تونس كغيرها من سائر بلاد العرب والمسلمين، فعيد الأضحى ينتظره الصغار أحيانا قبل الكبار وهو موعد تتلاقى فيه العائلات وتتبادل التهاني والتزاور وصلة الرحم، وأكل "الزُغديدة".وتبدأ الاستعدادات لهذه المناسبة أسبوعا قبل موعدها إذ تقتنى كل المستلزمات من "المشوى" (لشواء اللحم) و"الكانون" (يوضع فيه الفحم ويطبخ فوقه اللحم) والسكاكين الخاصة بالذبيحة وتقطيع اللحم وأواني الغسيل فضلا عن شراء "الفاحات" أي توابل العيد من "كمون" و"تابل" و"ملح" و"كركم" وغيرها إضافة إلى البخور الذي لا يهجر أي مناسبة تونسية.

ولا تنسى الأمهات في هذه المناسبة فتيات البيت ولا سيما الصغيرات منهن (من 5 سنوات فما فوق)، فقد جرت العادة أن ترغب الأم التونسية وخاصة تلك التي تعيش داخل أسوار المدينة العتيقة وفي أغلب محافظات البلاد التونسية ابنتها في الأعمال المنزلية.ولعيد الأضحى أو "العيد الكبير" حسبما جرى تسميته في معمظم الدول العربية، خصوصية في ذلك، فقد عمدت النسوة منذ القديم أن تشتري لبناتهن أوان نحاسية أو من الفخار صغيرة الحجم "كالطنجرة" و"المقفول" و"الكانون" و"المشوى" و"الصحن" حتى تعد الطعام بانفسن في ذلك القدر الصغير بهدف تهيئها وتعويدها على الأعمال المنزلية وجعلها تحب المطبخ أكثر فأكثر.

وتقول الحاجة فاطمة لمراسلة الأناضول: "تجلس البنت الصغيرة إلى جانب أمها صبيحة عيد الأضحى وتقلد كل ما تقوم به، فتأخذ حصتها من اللحم المقطع شرائح صغيرة وتقوم بتتبيله حسب ما تأمره به والدتها، وتضعه على كانونها الصغير وتنتظره حتى يطهى ويصبح شهي المذاق وتقوم في الأثناء بتقطيع الخضروات بمساعدة أمها وتضعها فيما بعد في القدر المخصص لها وتضيف له الزيت والخضر وتطبخ غداءها وغداء الأطفال بمفردها، ليتذوقه جميع من في الدار كبارا وصغارا وتتلقى حينها الملاحظات والتقييمات حول ما قدمته، ولكنها في مجملها ملاحظات إيجابية ومشجعة لها حتى ترغب أكثر في الطبخ وتصبح "ربة بيت حاذقة ومتمكنة" عندما تبلغ سن الرشد والزواج".وتسمى الأكلة التي تعدها الفتيات الصغيرات في تونس  بـ"الزغديدة" (مكوناتها الأساسية لحم وخضر مثل البصل وطماطم والفلفل)، ولكنها مع تطور الزمن وتقدم العصر بدأت بالتلاشي والاندثار شيئا فشيئا، وعلى الرغم من ذلك لا تزال بعض العائلات محافظين عليها.

وتصر عواطف "أم إيناس" على أن تتشبث بهذه العادة وعلى أن تكررها سنويا، فمنذ أن أصبح عمر ابنتها 6 سنوات عودتها على أن تكون لها أوانيها الصغيرة التي تجددها كل عيد أضحى بالإضافة إلى منديل طبخ خاص بها وقدرها وصحنها وملاعقها، وهي حريصة على اتباع عادة الأجداد تلك وهو ما يثير الاستغراب لدى صديقاتها اللاتي لا يعرفن الكثير عن "الزغديدة" فهي تكاد تكون منسية أو تجاوزها الزمن بالنسبة إليهن".ولعل أبرز حكمة تستخلص من هذه العادة أي "الزغديدة" هي جعل الفتاة الصغيرة قادرة على الطبخ مستقبلا وترغيبها في اعمال البيت وتعودها على تحمل المسؤولية منذ نعومة أظافرها وإدخال الفرحة والبهجة على قلبها سيما لما يعجب الجميع بما تقدمه من مأكولات، فعلى بساطتها تكون طيبة ولذيذة.