أكد المتخصص التونسي في التنمية والتصرف في الموارد حسين الرحيلي أن انخفاض قيمة الدينار التونسي أمام الدولار الأمريكي سيكون له تداعيات مباشرة على مستوى ارتفاع أسعار المواد الأساسية والطاقة إضافة إلى ارتفاع خدمات الدين على المستوى القريب والمتوسط مما سيزيد من أزمة المالية العمومية واستبعد في مقابلة مع بوابة إفريقيا الإخبارية انهيار العملة الوطنية نظرا لكون البلاد مازالت قادرة على سداد ديونها.

إلى نص الحوار:

ما أسباب هبوط قيمة الدينار التونسي إلى مستويات قياسية؟ 

تراجع قيمة الدينار التونسي خلال الفترة الأخيرة خاصة أمام الدولار يرجع بالأساس إلى رفع الفيدرالي الأمريكي لنسبة الفائدة الرئيسية لمقاومة التضخم مما دفع جل المتعاملين الماليين للتخلي عن سلات العملات الأخرى لشراء الدولار كملاذ آمن وبالتالي ارتفاع عام للدولار أمام جل العملات العالمية الأخرى بما فيها الدينار التونسي

أما السبب الثاني فهو ارتفاع الواردات خاصة المرتبطة بالمواد الطاقية والحبوب التي ارتفعت أسعارها منذ شهر مارس بشكل قياسي بسبب الحرب الروسية الأكرانية مما عمق أزمة الميزان التجاري وجعل نسبة العملات الأجنبية وخاصة الدولار المحولة أكبر بكثير من قيمة هذه العملة الداخلة إلى تونس بسبب تراجع التصدير والقطاع السياحي.

ما آثار هذا الهبوط على المدي القريب والبعيد؟ 

سيكون لهذا الانخفاض للدينار أمام الدولار تداعيات مباشرة على مستوى ارتفاع أسعار المواد الأساسية والطاقة إضافة إلى ارتفاع خدمات الدين على المستوى القريب والمتوسط مما سيزيد  من أزمة المالية العمومية المازومة أصلا.

هل يمكن القول إن هذا التخفيض مقصود للرفع من تنافسية السلع التونسية في الأسواق العالمية؟

استبعد إمكانية الاستفادة من هذا الانخفاض لصالح كلفة الاستثمارات الأجنبية إذ انخفض الدينار التونسي منذ 2011 إلى اليوم بحوالي 40% ولكن لم يتطور الاستثمار الأجنبي الذي لا يرتبط بضعف العملة الأجنبية بل بمناخ الاستثمار والاستقرار السياسي ووضوح الرؤية على المدى المتوسط والبعيد.

والاستفادة من انخفاض الدينار ترتبط بالإنتاج ومحركاته التي لازالت تراوح مكانها خاصة بالنسبة للمواد الاستراتيجية والقطاعات الصناعية المنتجة كالفسفاط والطاقة والنسيج والصناعات المحلية المرتبطة بالقطاع الفلاحي المترنح أصلا بسبب نقص مكملات الإنتاج من بذور والاسمدة.

هل من المنصف القول إن الدينار التونسي على وشك الانهيار؟ ولماذا؟

لا يمكننا الحديث عن انهيار العملة الوطنية نظرا لكون البلاد مازالت قادرة على خلاص ديونها وما زال الظرف صعب على كل البلدان.

هل ترى أن الإجراءات التي اتخذتها الحكومة التونسية ناجعة؟

الإجراءات التي ياخذها البنك المركزي لازالت إلى الآن إيجابية وقادرة على حماية الدينار ولو بشكل آني، إلا أن هذه الإجراءات لا تتبعها إصلاحات هيكلة وعميقة للاقتصاد لافتقاد السلطة السابقة والحالية لمشروع اقتصادي وطني متكامل، فكل الحلول المقدمة خاصة في ميزانيات الدولة تبقى ترقيعية وذات مردودات اقتصادية ضعيفة.

 ما هي شروط الخروج من الأزمة؟ 

الخروج من الأزمة يتطلب مشروع متوسط المدى يحمل نمط تنمية جديد له أبعاد وطنية ومنفتح على جيران تونس وخاصة الجزائركما يجب إصلاح المنظومة الإدارية البيروقراطية الفاسدة والتي تسعى دوما إلى حماية مصالحها برفض أي إصلاح إداري كما يجب تحرير الاقتصاد من منظومة التراخيص الضعيفة الإدارية في المجال الاقتصادي وتحرير البلاد من اقتصاد العائلات أو ما يعبر عليه بالاقتصاد الريعي إضافة إلى إعادة النظر في طرق حوكمة وتسيير المؤسسات العمومية الناشئة في قطاعات المنافسين الإنتاجية والخدمات وتحريره من هيمنة سلط الإشراف إلى جانب إعادة الثروة الوطنية للشعب عبر آليات جديدة محوكمة ومجددة ومتوافقة مع ثورة الاتصالات والمعلوماتية.

أزمة انخفاض قيمة الدينار التونسي بدأت مع العام 2011 واستمرت في خلال السنوات العشر الماضية فما السيناريوهات الاقتصادية المقبلة في تونس برأيك؟

الواقع في تونس لازال غامضا ومتأزم ما لم يقع الانتقال من المرحلة الاستثنائية المسيطر عليها من قبل شخص واحد إلى مرحلة سياسية ديمقراطية فعلية تعبر عن إرادة الشعب وتقطع مع منظومة العشرية السوداء الأخيرة