سلط أستاذ التاريخ البروفيسور محمد الذويب الضوء على مدينة سرت مستذكرا تاريخها في عهد الاحتلال الإيطالي وما آلت إليه الأوضاع في هذه المرحلة.

وقال الذويب في تدوينة له بموقع "فيسبوك" بعنوان "خواطر سرت وسارة!" كنتُ عائداً من بنغازي إلى طرابلس ظهيرة الأمس 12 من ديسمبر فتوقفتُ لأداء صلاة الظهر والعصر جمعاً في مدينة هراوة وبعد أن غادرتها بربع ساعة أدرت زِر المذياع على مؤشر البحث وانتظرتُ أن يجد إذاعة سرت المحلية متمنياً رفقتها سويعة من الزمن لاسيما وأنها كانت منذ نشأتها تمنح متابعيها فرصة سماع برامج تراثية وتسجيلات لشعراء شعبيين من بوادي وحواضر ليبيا كلها لكنّ المذياع فاجأني بأغنية  Sara Perche ti amo (لماذا أحبك يا سارة؟) للفنّان الإيطالي لوتشو دالّلا التي سمعتها أول مرّة في مدرسة بيروجيا للغة الإيطالية عام 1980م. فظننتُ أن الطليان قد عادوا إلى سرت التي أخذت اسمها هي وخليجها من الفعل اليوناني(سيرو) Συρω,Syrw بمعني يجر، يسحب، يجرف. وربما لهذا السبب منح السكّان تسمية جارف للوادي الذي روته دماء الشهداء ضد الطليان وأحفادهم فخشيتُ أن أجد استيقافاً لجنود طليان يرتدون بزّات سوداء قاتمة وهو اللون الذي يرمز للفاشية فبدأت أرتبُ أفكاري للإجابة عن أسئلة متوقعة عن الجهة القادم منها وسبب الزيارة والجهة الذاهب إليها والمهنة التي امتهنها وسيرة أجدادي وخمّنتُ أن إجابتي بلغة السائل ستجعله يظن أنني من أحفاد (المطلينين)، وأحمدُ الله أن أجدادي كانوا من المجاهدين وأن تعلّمي لمباديء اللغة الإيطالية كان بجامعة قاريونس وفي عهد الجماهيرية   قبل أن أسافر إلى إيطاليا لدراسة لغتها وما هي إلا دقائق وتغلّب بثُ إذاعة سرت المحلية على بثُ المحطة الإيطالية مثلما تغلّب الليبيون على الغزاة في معركة القرضابية التي خجلت حكومات ليبيا خلال العشر العجاف من الاحتفال بها ولها الحق في ذلك لأن الشرف والعمالة لا يلتقيان، فشعرتُ بإطمئنان لاسيما عندما استمعتُ لأغاني الشعراء عن موسم الحصاد وسكّان النجع".

وأضاف الذويب "زادت فرحتي عندما رحّب بي العسكري الواقف  في البوابة بقوله (تفضّل يا حاج) فشعرتُ أنه دعاني لدخول مدينة سرت فاتجهتُ يميناً ودخلناه بسلام آمنين وترحّمتُ على أرواح جميع شهدائها وتذكّرتُ زملاء أعزّاء بجامعتها العامرة ورفاق كرام من ربوع ليبيا جلستُ وإياهم في قاعات أمانة التعليم وقاعة واجادوجو الشامخة وفندق قصر المؤتمرات الفسيح ثم اتجهت يميناً نحو طريق الشط فرأيت دماراً كبيراً، وسألتُ صبية صغاراً هل هذا هو الحي رقم 2 فأجابني أحدهم: لا هذه عمارات الـ 600، الحي 2 مازال قدام على طول، فهالني حجم الحقد الذي صبّه أعداء الوطن على هذا الحي فحسبنتُ على من كان سبباً في ذلك أو شارك فيه ولو بالكلمة ورأيت أطفالاً كثيرين يعودون من مدارسهم ويمرّون أمام ركام هذا الحي فتساءلتُ: ما هي الذكريات التي سيحملها هؤلاء لطفولتهم وأماكن سكناهم؟ وما هي البرامج التي أعدّتها الحكومات المتعاقبة  لمثل هؤلاء أم أن الهم الوحيد لساسة العمالة هو صرف الأموال والدعاية الكاذبة بإسعاد الشباب أو تزويج القليل منهم؟ وعندما تغنّى أحد الشعراء في الإذاعة : نحنا ضنا الأجواد ماشي فينا دم الكرم والجود/ما يوم ريح اتجي وتواطينا مرفوع راسنا شامخ وما ينهان. أيقنتُ أن سرت ومدن ليبيا وقراها التي حاول الأعداء مرّات عديدة احتلالها قد نهضت في كل مرّة بفعل شيم أبنائها وتوّحد الليبيون في معارك الشرف وطردوا الغزاة وحرّروا تراب الوطن الغالي، وحتماً سيُكرر شرفاء الوطن ذلك وعندها سيُغنّي شعراؤهم وفنانوهم Syrte perche ti amo/ Libya perche ti amo : لماذا أحبك يا سرت ولماذا أحبك يا ليبيا؟".

وتابع الذويب "قد لا نعيش نحن لنصفق لمن يغنّيها، لكنّ هذا الفرح المقرون بترحّم الأبناء والأحفاد على ما قدّمه أباؤهم وأجدادهم سينالنا نصيب منه فهو من قبيل (ولد صالح يدعو له)".