صاحبت الأحداث التي شهدتها ليبيا، في فبراير سنة 2011، ردود فعل دولية متسارعة، وصلت إلى إصدار قرارين متتالين من مجلس، قدمتهما كل من فرنسا وبريطانيا، للسماح بالتدخل الخارجي بناء على ثلاث اتهامات رئيسية موجهة للسلطات الليبية، وتم الاعتماد عليهما في استصدار القرارين 1970، و1973 على التوالي، وهو ما أدى إلى التدخل العسكري المباشر.

وكانت الاتهامات تتمثل في استخدام القوات النظامية الليبية للقوة المفرطة وقتل "الألاف من المتظاهرين"، وقصف أحياء محددة من العاصمة طرابلس بالطيران، واستجلاب "مرتزقة" أجانب لمواجهة المتظاهرين، وذلك بالاعتماد على تقارير إعلامية، دون تخصيص لجان أو فرق لتقصي الحقائق، وأثبتت الأحداث فيما بعد بطلان هذه الأسس، ولكنها كانت كافية لبدء حلف الناتو عملية عسكرية استمرت لما يزيد عن سبعة أشهر، استهدفت معسكرات ومواقع ومخازن الأسلحة التابعة للجيش الليبي، علاوة على غيرها من الأهداف المتمثلة في العديد من مؤسسات الدولة، إضافة إلى عدد كبير من الأهداف المدنية الأخرى من بينها مدارس ومستشفيات، وبيوت خاصة بمواطنين، وسقط جراءها عدد كبير من أبناء الشعب الليبي من العسكريين والمدنيين على السواء.

وشهدت عملية استصدار القرار 1973 العديد من المعطيات وشهدت عملية اتخاذه حالة من التسرع تحت ضغط كل من فرنسا وبريطانيا اللتان اعتمدتا على المطلب الذي حمله مندوب لبنان (الدولة العربية) العضو المؤقت في مجلس الأمن حينها، ليصدر قرار بهذه الأهمية مبني في معظم متطلباته على تقارير إعلامية، وهو ما جعل عددا من الدول الأعضاء في المجلس تتردد في الموافقة على القرار الذي أبدته هذه الدول والتي من بينها العضوان الدائمان صاحبتا حق النقض (روسيا والصين)، إلا أن القرار صدر، بل وباشرت فرنسا وبعض حلفائها في تنفيذه قبل الإقرار، بالدخول في تحضيرات العملية العسكرية المباشرة.

وتضمن القرار عدة نقاط جاءت كالتالي:

  • فرض منطقة حظر جوي شاملة فوق أراضي ليبيا تشمل الطائرات الحربية والتجارية،  فيما استثنيت الطائرات التي تحمل المُساعدات الإنسانية.
  • مُناشدة جميع دول الأمم المتحدة بمنع إقلاع أو هبوط أي طائرة عسكرية، أو حتى تجارية قادمة من ليبيا أو متجهة إليها من أراضي الدولة.
  • مُطالبة جميع دول الأمم المتحدة بإجراء كافة الخطوات الضرورية لحماية المدنيين في ليبيا، حتى لو تطلب الأمر تدخلاً عسكريًا من الدولة، ولكن في الوقت ذاته فالقرار يُؤكد على أنه من المُستبعد أن تتدخل قوات الأمم المتحدة العسكرية على الأراضي الليبية لاحتلالها.
  • مُطالبة السلطات الليبية بإيقاف فوري للنزاع ووقف إطلاق النار، والسماح بمرور كافة المساعدات الإنسانية بسهولة ويسر إلى الأراضي الليبية دون مُهاجمتها أو منعها.
  • تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1970المُتعلق بحظر الأسلحة عن الجيش الليبي على نطاق أوسع، إلى جانب إضافة المزيد من أسماء الأشخاص والمُنظمات إلى قائمة حظر السفر وتجميد الأموال. 
  • المُطالبة بتجميد كافة أصول المؤسسة الوطنية للنفط، مصرف ليبيا المركزي.

على الرغم من عدم رفض روسيا وبعض الدول الأخرى للقرار، التي اكتفت بالامتناع عن التصويت وتركت أمر تنفيذه لدول الأمم المتحدة الأخرى، وقد أعرب رئيس وزرائها بوُضوح عن أن بلاده لا تعتبر القرار خاطئاً وهي تسعى لحماية مدنيّي ليبيا، لكنها لن تشارك بقواتها في الحملة العسكرية ضد ليبيا.

وإلى جانب روسيا امتنعت الصين أيضًا عن التصويت، وأعربت عن تخوفها وتحفظها على القرار، معتبرة أن تنفيذه قد يمثل تهديدا لحياة المدنيين بضرب مناطق سكنية حيوية أثناء استهداف قوات الجيش الليبي، وقد دعت إلى الاكتفاء بالتفاوض والحلول الدبلوماسية عوضًا عن التدخل العسكري.

كما أن ألمانيا كانت ممن امتنعوا عن التصويت إلى جانب روسيا والصين، وأبدت تخوفًا من فرض القرار على ليبيا، فقد امتنعت 5 من دول مجلس الأمن الدولي الـ 15 عن التصويت، وهيَ روسيا والصين وألمانيا، والهند والبرازيل.

بالنظر إلى موقف روسيا باعتبارها كانت قادرة على منع القرار من أساسه، لأحقيتها في استخدام حق النقض "فيتو"، فقد تولدت على ذلك العديد من ردات الفعل، حيث نشب خلاف حاد بين الرئيس وقتها  دميتري ميدفيديف، ورئيس وزرائه الرئيس الحالي، فلاديمير بوتين، الذي انتقد الحملة العسكرية على ليبيا بشكل حاد، وصل إلى تشبيهها بـ"الحملة الصليبية" الجديدة، وهو ما ترتب عليه خلاف داخلي روسي.

 وإلى جانب بوتين، انتقد السفير الروسي في ليبيا حينها فلاديمير تشاموف، موقف بلاده هو الآخر، بل إنه ذهب إلى وصف عدم رفض مندوب روسيا بمجلس الأمن للقرار 1973 بالخيانة العظمى لمصالح بلاده، وهو ما أدى إلى إصدار قرار بإقالته، وتجريده من كل الرتب والألقاب والأوسمة الحكومية، منذ شهر مارس 2011، وجاء في قرار الإقالة أن "السفير لم يقدم مصالح روسيا بشكل ملائم في النزاع الليبي".

ومع بدء العملية العسكرية برزت معارضة الرأي العام الروسي بأوسع شرائحه لها، وانعكس هذا الموقف في مقالات تناولت فيها الصحف الوضع في ليبيا وأدانت بصور مختلفة ما اعتبرته "تدخلاً خارجياً بشؤون داخلية" و"عملية عسكرية غير واضحة المعالم". وكان الساسة الروس يعتبرون أن موقف بلادهم من الأحداث في ليبيا لا يثير أي جدل أو يشوبه غموض، على عكس مواقف الدول الغربية التي كانت أكثر جدلا وغموضا، بل وتضاربا وخلافات في ما بينهم.

وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، وقتها أكد أن المهمة الرئيسية التي يجب أن تطرح لتسوية الوضع في ليبيا، هي وقف إطلاق النار وبدء المفاوضات بين الأطراف المتنازعة، وليس المشاركة في العمليات القتالية ودعم طرف من الأطراف، كما أعلن عن دعم موسكو لمبادرة الاتحاد الإفريقي لإيجاد حل سلمي.

وعبر لافروف صراحة عن رفض بلاده لما  تقوم قوات التحالف بتزويد المعارضة بالأسلحة، مؤكدا أن لدى موسكو شكوكا كثيرة حول مسألة دعم الجماعات المسلحة، وهو ما يفاقم الوضع ويزيد من أعداد الضحايا، في الوقت الذي كان يجب أن يقتصر الدور الدولي في القيام بما يلزم لتجنب وقوع ضحايا بين المدنيين.

وإلى جانب لافروف، فقد حذر مندوب روسيا الدائم لدى حلف الناتو، دميتري روغوزين، من تحول المواجهة المحلية في ليبيا إلى معركة أقليمية، إثر تصاعد النزاع وإشراك لاعبين خارجيين فيه عن طريق اللجوء إلى عملية برية في ليبيا، كما حدث في تجربتي العراق وأفغانستان، وطالب حلف الناتو بالتزام الحياد في النزاع الدائر في ليبيا.

ويرى مراقبون أن الموقف الروسي من الوضع في ليبيا، وما دار فيها من أحداث، وما ترتب على الدخل الخارجي من مشاكل، يعتمد على عدة منطلقات، من بينها العلاقات المميزة التي كانت تجمع البلدين لاسيما خلال فترة الاتحاد السوفييتي الذي كان المورد الرئيسي للأسلحة إلى ليبيا، والتبادل التجاري الذي نشط بشكل كبير خلال فترة تولي الرئيس بوتين الذي أعاد العلاقات التجارية مع ليبيا بشكل كبير، إضافة للدور الذي تلعبه روسيا في التوازنات الدولية، ودخولها في منافسة مفتوحة مع الدول الغربية لاسيما الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي التي شاركت في العمليات القتالية في ليبيا، وبقي الدور الروسي رافضا لنتائج ما ترتب على ذلك التدخل، لاسيما بعد عودة فلاديمير بوتين إلى سدة الحكم مرة ثالثة، الذي جدد انتقاده في أكثر من مناسبة للدور الذي لعبه "الناتو" في ليبيا، حتى أن بعض المحللين ذهبوا إلى أنه لو كان بوتين رئيسا خلال فترة الأحداث سنة 2011 لما تردد في استخدام حق النقض ومنع صدور القرار 1973، الذي تحولت نتائجه إلى ما تعيشه ليبيا اليوم من أوضاع كارثية.