مثلت الفوضى وانعدام الأمن والاستقرار،أبرز ملامح المشهد الليبي منذ العام 2011، حيث عرفت البلاد طيلة السنوات التي أعقبت اندلاع الأزمة فيها انتشار الميليشيات المسلحة المحلية والأجنبية، وانتشار السلاح والعنف نتيجة أسباب عدة،غذتها انقسامات سياسية حادة بين الفرقاء الليبيين.

ونتيجة لذلك،تردت الأوضاع بشكل كبير في البلاد،وخاصة منطقة الجنوب الليبي،التي يعتبر من أكثر المناطق تأثرا بحالة الفوضى السياسية والأمنية، حيث ظلت هذه المنطقة تعاني من انعدام الاستقرار، وترزح تحت وطأة النزاعات الأهلية، ونقص الخدمات الأساسية، وتفشّي التهريب، وانقسام المؤسسات أو انهيارها، نتيجة بقائها على هامش الحياة السياسية.

أزمة المصارف

وفي ظل هذه الظروف القاسية والصعبة،تتصاعد احتجاجات المواطنين تنديدا بسوء الأوضاع وتردي الخدمات.وفي مشهد جديد للغضب الشعبي في المنطقة، أغلق محتجون في سبها عاصمة الجنوب الليبي أبواب المصرف التجاري بالمدينة، الأربعاء، بالحجارة والإسمنت، فضلاً عن وضع سيارة متهالكة أمام أحد مداخله، تنديداً بما وصفوه "انعدام الخدمات المصرفية، وسوء معاملة الموظفين للعملاء.

واصطف عشرات المواطنين من أعمار مختلفة أمام الأبواب الرئيسية للمصرف،رافعين لافتات عبروا فيها عن احتجاجهم على تعامل الموظفين معهم، مطالبين بنقلهم من المصرف إلى مكان آخر.ولم يكتف المحتجون بالاحتشاد أمام منافذ البنك المختلفة، فلجأوا إلى وضع الحجارة والإسمنت أمام الباب المخصص للعاملين، لمنع دخولهم إلى المصرف.

وأرجع محمد سِليمة، الذي ينتمي إلى مدينة سبها،في تصريح لـ"الشرق الأوسط"، سبب غضبة المواطنين، إلى ما وصفه بوجود "فوضى وإهمال في المصرف"، وقال: "توجد عرقلة كبيرة لمعاملات المواطنين، بالإضافة إلى التلاعب في بعض الحسابات مع انتشار الرشوة والمحسوبية"، مشيراً إلى أنهم "لن يُعيدوا فتح المصرف إلاّ بعد الاستجابة لمطلبهم".

ونقلت الصحيفة عن المحامي علي إمليمدي، إن "المواطنين أقدموا على غلق المصرف بسبب تردي الخدمات مثل تحويل الأموال... فالناس لا يستطيعون حتى أخذ صك من أموالهم، أو تنزيل معاشاتهم في حساباتهم". وأضاف إمليمدي، الذي ينتمي إلى مدينة سبها،"لا توجد أجهزة رقابية أو نيابة تعمل في سبها، مما سهّل وجود شبهة فساد في كثير من الأحيان".

وعانت مصارف الجنوب الليبي كغيرها من نقص السيولة، بشكل كبير،مما تسبب في تردي الأوضاع المعيشية للمواطن،الذي بات حائرا في كيفية الحصول على حاجياته الضرورية.

وتعرض القطاع المصرفي في الجنوب الليبي،لعراقيل بسبب تردي الأوضاع الأمنية في المنطقة.واستهدف المسلحون المصارف وتعرض الموظفون لاعتداءات خطيرة،على غرار مدير مصرف الجمهورية بمنطقة غدوة التابعة لبلدية سبها، صالح ابراهيم حميدان،الذي أختطف في الـ26 من أبريل الماضي،على يد مسلحين مجهولين.

ولم تمر أيام حتي تم العثور على جثة إحميدان ملقاة بالقرب من مفترق الطرق بين مدينتي تراغن ومرزق جنوب غرب ليبيا،وعليها آثار تعذيب كبيرة.ونقلت وسائل إعلامية عن ذوي المغدور حينها أن الخاطفين تواصلوا معهم وطلبوا مبلغ مالي كبير مقابل إطلاق سراحه إلا أنهم لم يتمكنوا من تجميع المبلغ نظرا لظروف الراهنة التي يعاني منها الوطن بشكل عام.

قطاع الصحة

على صعيد آخر،يعاني قطاع الصحة من واقع مأساوي، وخاصة في منطقة الجنوب الليبي، وسط حالة التناسي والإهمال التي تعاني منها المنطقة منذ سنوات، وفي ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة الأمنية والخدمية. وكشف مدير إدارة المشروعات بوزارة الصحة بحكومة الوفاق محمد العزومي،الخميس،عن انعدام الخدمات الصحية في المرافق الصحية بمدينة الكفرة.وأوضح العزومي خلال زيارة قام بها رفقة وفد من الوزارة إلى الكفرة بأن " 90% من مباني المرافق الصحية تضررت جراء الحروب التي شهدتها المدينة على مدى السنوات الماضية.

وأكد العزومي على "عجز المرافق عن تقديم خدمات صحية هامة كالنساء والولادة والكلى والأسنان والطوارئ والإسعاف نظراً لـتهالك  المباني وحاجة بعض الأقسام فيها إلى عمليات صيانة جذرية و شاملة إلى جانب نقص التجهيزات والأمصال والمعدات والأدوية".مشيرا إلى أن الزيارة جاءت للوقوف على حجم الأضرار التي لحقت بالمرافق الصحية وحصر الإحتياجات من تجهيزات ومعدات  تمهيداً للبدء في أعمال صيانة عاجلة ستنفذ قبل نهاية العام الحالي ،وأعمال صيانة أخرى شاملة ستنفذ خلال العام القادم.

وبالإظافة إلى نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، يعاني الجنوب من الطواقم الطبية وشبه الطبية من المراكز الصحية الموجودة في المنطقة، ومغادرة الكوادر الطبية الأجنبية نتيجة الظروف الأمنية والإدارية في الدولة.كما لم تسلم المستشفيات من الاعتداءات، كغيرها من مؤسسات الدولة، سواء على مبانيها أم العاملين بها.

ويشكل استمرار الفوضى،أزمة حقيقية لهذا القطاع الحيوي خاصة في ظل الاعتداءات التي يتعرض لها الموظفون،حيث هددت العناصر الطبية المساعدة بمركز سبها الطبي، بإيقاف خدمات التمريض بالمركز إذا استمرت الاعتداءات على عناصر التمريض، بحسب ما نشرت إدارة الإعلام بمركز سبها الطبي.

وأكدت إدارة الإعلام، على صفحتها في "فيسبوك"، وقوع عمليات اعتداء بشكل متكرر خلال الأيام الماضية من قبل مرافقات المرضى على العناصر الطبية المساعدة داخل مركز سبها الطبي.وأشارت إدارة الإعلام، إلى أن آخر تلك الاعتداءات وقعت يوم الأربعاء الماضي، عندما تعرضت ممرضة للضرب المبرح من قبل ثلاث نساء ورجل في العيادة الخارجية للطوارئ. وكانت مجموعة من المرافقات قد اعتدت بالضرب على ممرضة بقسم الولادة يوم الجمعة الماضية، أدى إلى كسر ذراع الممرضة، وفي عملية اعتداء أخرى قامت مرافقة بضرب إحدى ممرضات قسم الحضانة الثلاثاء الماضي، وفقا لإدارة الإعلام بمركز سبها الطبي.

وضع صعب

وتعاني منطقة جنوب ليبيا من انعدام الاستقرار المُستوطن، وترزح تحت وطأة النزاعات الأهلية، وانتشار العصابات الإجرامية،والتنظيمات المسلحة،التي أسهم أنشطتها في تعميق الانقسام وإذكاء الصراعات بين القبائل، وزيادة الفوضى الأمنية في ظل الفراغ الذي يضرب مفاصل الحياة في ليبيا،وغياب دولة قوية.

وتتصاعد يوما بعد يوم موجة الاحتجاجات على الظروف الصعبة والأوضاع المعيشية القاسية الغير الإنسانية التي يعيشها الليبيون في الجنوب الليبي.ومطلع أكتوبر الجاري،نظم حراك غضب فزان والذي يضم مجموعة من شباب مناطق مرزق و اوباري وسبها والشاطي وغات وقفة احتجاجية امام حقل شركة ريبسول النفطية،حيث طالب حراك شباب فزان خلال هذه الوقفة الاحتجاجية ، الحكومتين في ليبيا من اجل الالتفاف لاحتياجات منطقة فزان من خدمات وأمن وغيرها.

وأكدوا ان هذه الوقفة تعتبر بمثابة انذار ورسالة واضحة هدفها ايصال صوتهم لتلك الحكومات للنظر في الظروف المعيشية التي يعانيها سكان الجنوب.وطالب الحراك بتوفير السيولة النقدية بالمصارف ، وكذلك المحروقات والسلع التموينية المدعومة لسكان المنطقة، وتفعيل قرار مصفاة ومستودع فزان ، وتوفير وظائف  لأبناء فزان العاطلين عن العمل في قطاع النفط على غرار باقي المناطق. 

وأعلن حراك شباب فزان خلال وقفتهم الاحتجاجية ، انه اذا لم يتم العمل والنظر الى هذه المطالب ، فسيكون يوم 25 اكتوبر 2018 يوم تصعيد والبدء في اعتصام مفتوح امام الحقول النفطية من اجل ايقاف العمل بحقل الشركة.

وفي سبتمبر الماضي، أعلن عدد من سكان مدينة سبها سحب الثقة من كافة ممثلي المدينة سواء كانوا في السلطات التشريعية أو التنفيذية، بعد فشلهم في تلبية إرادة واحتياجات ناخبيهم ومدينتهم، وفق وصفهم.وندد السكان في بيان لهم،بالوضع السيئ الذي وصلت إليه الخدمات بالمدينة، ابتداء من تردي الأمن ونقص السيولة ومياه الشرب وارتفاع الأسعار، إضافة إلى تدني الخدمات الصحية، مطالبين المنظمات الإنسانية والحقوقية بتقديم يد العون والمساعدة.

وفي انتظار الخروج بالبلاد من وضعها لصعب، وبعد أكثر من 7 سنوات من الأزمة التي أرهقت الليبيين، يجد الجنوب الليبي نفسه ملاحق بشبح الصراعات المسلحة المتجددة،والأوضاع المعيشية الصعبة جدًا،التي تظل رهينة الوضع السياسي والأمني الهش في ليبيا. ويبقى طريق المصالحة وإرساء تسوية شاملة الحل الأمثل لإنهاء المعاناة في منطقة الجنوب وكامل ربوع ليبيا.