أحمد النظيف – تونس بوابة افريقيا للاخبار ( خاص )

بعد سقوط نظام العقيد الليبي،معمر القذافي،خريف العام 2011 و تهاوي سلطة الدولة المركزية في ليبيا،تعاظمت قوة الجماعات و التشكيلات المسلحة الموازية للدولة بقدر كبير،مما أدى الى مصادمات دامية ،في الاونة الاخيرة ،شهدتها العاصمة طرابلس و عاصة الشرق الليبي بنغازي،مخلفة العشرات من الضحايا،الامر الذي دفع الحكومة الليبية الى التلويح بامكانية طلب المساعدة الدولية لظبط الامن و نزع أسلحة التشكيلات المسلحة ،و تكليف شركات أمنية دولية بمراقبة الحدود البرية ومنع تدفق أو خروج الاسلحة التي أصبحت دول الجوار تعاني من تبعات انتشارها في أيدي الجماعات الجهادية الناشطة في منطقة الساحل و الصحراء.

و الى جانب الانتشار المكثف للجماعات المسلحة ،ذات الانتماء القبلي في ليبيا،توجد جماعات أخرى تتحرك على أرضية دينية،جهادية اسلامية بالاساس،منها من يحمل أفكارا سلفية جهادية كأنصار الشريعة و بعض المجاميع الصغيرة الاخرى من بقايا الجماعة الليبية المقاتلة ،و منها جماعات ذات ميول اسلامية اخوانية كقوات "درع ليبيا" و غيرها.

أنصار الشريعة من النشأة الى المواجهة

"نريد تطبيق شرع الله"،ذلك ما صرح به محمد علي الزهاوي قائد "كتيبة أنصار الشريعة"، كبرى الكتائب الإسلامية المسلحة في ليبيا لتلفزيون " بي بي سي"و كانت أنصار الشريعة في بنغازي قد أعلنت عن نفسها للمرة الأولى في شهر فبراير/شباط 2012 ،كما نظمت مؤتمرها التأسيسي في يونيو/حزيران من نفس السنة و حضره ما يقرب من ألف. و تأسست كتيبة أنصار الشريعة بعد الإنفصال عن "سرايا راف الله السحاتي" التي شاركت في تأسيسها.

هذا و اتهمت الجماعة بالهجوم على القنصلية الأمريكية ببنغازي في شهر سبتمبر الماضي التي أدى إلى مقتل السفير الأمريكي كريس ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين و أعلن آنذاك تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية في بيان أن الهجوم جاء انتقاما لمقتل الشيخ أبو يحيى الليبي أحد قادتها في غارة جوية بطائرة بدون طيار في يونيو/حزيران 2012. إلا أن الجماعة قد نفت ذلك و قالت على لسان المتحدث باسمها هاني المنصوري " الجماعة لم تشارك في الهجوم الذي استهدف مقر القنصلية الأميركية في خضم الاحتجاجات على فيلم مسيء للإسلام أنتج في الولايات المتحدة."

و في ذات سياق الاعتداء على البعثات الدبلوماسية الخارجية كانت الجماعة قد هددت بذبح سفير بورما خلال مظاهرة في شهر أغسطس /أب 2012 خلال مظاهرة لمساندة المسلمين في بورما و ما يتعرضون له و قال أحد المتحدثين باسم أنصار الشريعة إن الجماعة "ستذبح السفير البورمي إن لم تتوقف عمليات الإبادة ضد المسلمين".

و في تقرير نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى في سبتمبر /أيلول 2012،قال الباحث هارون زيلين "ان في ليبيا تستخدم عدد من الجماعات مجموعة متنوعة من اسم "أنصار الشريعة". وثمة اثنتان من أبرز الجماعات هما "كتيبة أنصار الشريعة في بنغازي" التي يُنظر إليها على أنها المشتبه بها الرئيسي في الهجوم الأخير على القنصلية وأخرى أقل بروزاً وهي "أنصار الشريعة في درنة" بقيادة سجين غوانتانامو السابق أبو سفيان بن قومو. وكلتا الجماعتين قد تم تأسيسهما عقب موت الزعيم الليبي السابق معمر القذافي لكنهما غير مرتبطتين ببعضهما البعض. وقد أعلنت "أنصار الشريعة في بنغازي" عن نفسها للمرة الأولى في شباط/فبراير 2012 بقيادة محمد الزهاوي الذي كان في السابق سجيناً في سجن سيئ الصيت يدعى "أبو سليم" في زمن القذافي. وقد استضافت الجماعة ما تمنت أن يكون أول مؤتمر سنوي في حزيران/يونيو حضره ما يقرب من ألف شخص من بينهم عدد من الميليشيات الأصغر كلهم يدعون الدولة الليبية إلى تطبيق الشريعة. والأرجح أن بضعة مئات من أولئك المشاركين كانوا من أعضاء "أنصار الشريعة في بنغازي".

و يضيف التقرير :"ومثل "أنصار الشريعة التونسيين" كان "أنصار الشريعة في بنغازي" يقدمون أيضاً خدمات اجتماعية حيث قام أفرادها بتنظيف الطرق وإصلاحها وقدموا صدقات خلال شهر رمضان وكانوا مؤخراً يساعدون في توفير الأمن في مستشفى بنغازي. ورغم أن الجماعة تقر بأنها هدمت الأضرحة والمقابر الصوفية في بنغازي إلا أنها حاولت أن تصوغ لنفسها توصيفاً محلياً بأنها مدافعة عن تفسير صارم للإسلام مع المساعدة في ذات الوقت على توفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع. وبناءاً على تصريحاتها - التي تطورت من تأكيدات أن أفراداً منها كانوا متورطين بشكل فردي في الهجوم إلى إنكار صريح لأي تورط - يبدو أن تنظيم "أنصار الشريعة في بنغازي" قد فهم أنه تخطى الحدود ولذا فهو يحاول إنقاذ سمعته".

و يعتقد خبراء أن جماعة أنصار الشريعة الليبية هي الوجه الجديد للقاعدة، و يشير الباحث التونسي توفيق المديني الى "أن الشك نشأ بعد اكتشاف وثائق جمعتها القوات الخاصة الأمريكية في أبوت آباد شمال باكستان (المكان الأخير الذي كان يسكن فيه زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن) رسائل البريد الإلكتروني لزعيم "القاعدة"، يتساءل فيها عن إمكان تبديل اسم منظمته. وفي القائمة الطويلة التي وضعها اسامة بن لادن اسما "أنصار الشريعة" و "أنصار الدين"، فهناك شواهد تؤكد الروابط بين "أنصار الشريعة" وتنظيم "القاعدة".

و أشارت تقارير اعلامية محلية الى "وجود فرعين لأنصار الشريعة خارج مدينة بنغازي هما "أنصار الشريعة في سرت" و"أنصار الشريعة في اجدابيا". تأسس فرع سرت في 28 يونيو 2013 في مدينة سرت بعد إلغاء اللجنه الأمنية وانضمامها لأنصار الشريعة وتغيير إسمها إلى (أنصار الشريعه سرت) وكان آمر الفرع وقتها أحمد علي التير المكنى "أبو علي". فيما الشيخ فوزي العياط هو المتحدث الرسمي باسم أنصار الشريعة - سرت وهو أيضا عضو في مكتب أوقاف سرت. فيما تأسس فرع أنصار الشريعة - اجدابيا في 4 أغسطس 2013."

و في الاونة الاخيرة شهدت العلاقة بين السلطة المركزية و جماعة أنصار الشريعة في بنغازي توترا أدى الى سقوط قتلى في مواجهات مسلحة بين الجيش الليبي و عناصر أنصار الشريعة بعد قرار الحكومة اخراج المليشيات المسلحة خارج المدن،الامر الذي اعتبرته الجماعة محاولة لاستئصالها.

بقايا الجماعة الليبية المقاتلة

تأسست "الجماعة المقاتلة" سنة 1995، و تعود نشأتها الحقيقية الى سنة 1982 بقيادة  عوض الزواوي ،معتمدة منهج الجهاد المسلح ضد نظام القذافي بهدف إسقاطه، كما خططت أيضاً للقيام باغتيالات ضد شخصيات بارزة في النظام. كما نفذت عدة محاولات انقلابية فاشلة لإسقاط النظام ( 1986 و1987 و1989)

و في تقرير خاص،نشره معهد واشنطن لسياسات الشرق الادنى العام الماضي،أشار الى أن "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلةنقد اعتمدت خطة طويلة المدى للإعداد لحملتها العسكرية، كما اقتنص الكثير من أعضائها فرصة الحرب ضد السوفييت في أفغانستان في الثمانينيات بهدف تعزيز مهاراتهم القتالية. وهناك خضعوا لتدريبات عسكرية، وقد نفذت الجماعة طوال فترة التسعينيات عمليات عسكرية ضد النظام الليبي، منها محاولات عديدة لاغتيال القذافي نفسه غير أنها باءت جميعها بالفشل،وقد توقف تمرد «الجماعة المقاتلة» داخل ليبيا بحلول عام 1998. غير أنه لم يعلن عن وقف إطلاق النار الرسمي حتى عام 2000. وبدأت «الجماعة المقاتلة» في العام 2005عملية المصالحة مع النظام الليبي".

 و يضيف التقرير"لكن بحلول عام 2004، تم اعتقال غالبية قادة الحركة وأعضائها أو حبسهم أو كانوا قد اختبؤوا أو ذهبوا إلى المنفى.وفي العام التالي بدأ النظام الليبي عملية المصالحة ونبذ التطرف بمبادرة من سيف الإسلام القذافي. واستغرقت المفاوضات بضع سنوات، لكن في أيلول/سبتمبر 2009، أصدر قادة «الجماعة المقاتلة» في ليبيا "مراجعات" جديدة للجهاد في شكل وثيقة دينية من 417 صفحة بعنوان "الدراسات التصحيحية". وأوضحت المراجعات الجديدة أن الكفاح المسلح ضد نظام القذافي غير شرعي من منظور الشريعة الإسلامية ،وفي النهاية تم حل «الجماعة المقاتلة» بشكل فعال عندما تم الانتهاء من المراجعات. وفي أعقاب الثورة، قرر العديد من القادة وأعضاء الجماعة إنشاء أحزاب سياسية والمشاركة في العمليات السياسية للنظام الليبي الجديد".

و نسجا على منوال الحركات الجهادية المصرية،توجهت الجماعة المقاتلة مباشرة بعد سقوط النظام خريف العام 2011نحو العمل السياسي ،لينبثق عنها حزبان سياسيان،وهما "حزب الوطن" بقيادة زعيم الجماعة السابق ،عبد الحكيم بالحاج، و "حزب الأمة الوسط" الأكثر محافظة وذو الصبغة الأكثر إسلامية، والذي انضم إليه أغلب أعضاء "الجماعة المقاتلة" بقيادة المنظر الشرعي السابق للجماعة سامي الساعدي،وكلا الحزبين لم يجني أية نتائج ايجابية في الانتخابات التشريعية التي أقيمت في البلاد،صيف العام 2012.

مجاميع مسلحة ذات ميول اسلامية

الى جانب الجماعة المقاتلة جماعة أنصار الشريعة،تنتشر في ليبيا مجاميع مسلحة أخرى ذات ميولات اسلاميةنمن بينها قوات درع ليبيا ،و هي ذات التوجهات الاخوانية ،بحسب مراقبين، و بحسب تقرير نشرتها وكالة رويترز للانباء في أكتوبر/تشرين أول الماضي فان درع ليبيا " في معظمها تحالف ميليشيات من مدن ساحلية إلىالغرب والشرق من طرابلس، واساسا الزاوية في الغرب ومصراتة في الشرق. كان المؤتمر الوطني العام قد نقل درع ليبيا إلى طرابلس في اغسطس اب2013 لتعزيز الأمن عقب ازدياد التوتر وانتشار المخاوف من احتمال اتحاد فصائل تؤيد القذافي مع قبائل معادية للإسلاميين لخلع الحكومة".

و يضيف التقرير "وتشكلت قوات درع ليبيا كجيش احتياطي العام الماضي وله ميزانية. ويرى معارضوها أنها إسلامية التوجه لكن مؤيديها يقولون إنها نواة جيش جديد. ويعارض قادتها تنامي هيمنة قبائل بدوية عربية تتقدمها قبائل الزنتان على قوات الامن. والجماعة التي احتجزت زيدان -وهي غرفة عمليات ثوار ليبيا- تابعة لدرع ليبيا،المتحالفة مع اللجنة الأمنية العليا،والتي تحضى تحظى بنفوذ في شرق ليبيا وتعمل كقوة شرطة من الناحية الفعلية".

و كان تقرير أمريكي نشر في "مجلس السياسة الخارجية الأمريكية" في نيسان/أبريل 2013،أشار فيه صاحبه هارون زيلين،المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية بشمال افريقيا ،قد أشار الى وجود تنظيم جديد تحت اسم  "كتائب السجين الشيخ عمر عبد الرحمن" و قد اعتبرها التقرير "لاعباً آخراً جديداً غير معروف على الساحة وسميت تيمناً باسم الزعيم الروحي لـ "الجماعة الإسلامية المصرية" والذي يقضى حالياً عقوبة بالسجن مدى الحياة في الولايات المتحدة لضلوعه في أحداث الهجوم على "مركز التجارة العالمي" عام 1993، بين مجموعة أخرى من المتآمرين. ولا يعرف الكثير عن قيادة الجماعة أو حتى حجمها، غير أنها كانت مسؤولة عن سلسلة من الهجمات في بنغازي في شهري أيار/مايو وحزيران/يونيو عام 2012، بما فيهم هجومين ضد "اللجنة الدولية للصليب الأحمر" وهجوم بالقنابل على القنصلية الأمريكية وتنفيذ هجوم على موكب السفير البريطاني."

و كانت مكتبة الكونغرس الأمريكي قد نشرت في آب/أغسطس 2012، تقريراً غير سري يشير إلى تزايد أعداد خلايا تنظيم "القاعدة" في ليبيا،ويشير التقرير إلى أن أبو أنس الليبي هو "مؤسس شبكة تنظيم القاعدة في ليبيا" وأشار إليه على أنه الوسيط بين القيادة العليا لـ تنظيم القاعدة في باكستان وقادة الجماعة على الأرض في ليبيا.

يشار الى أن أبو أنس الليبي (49 عاماً)، واسمه الحقيقي نزيه عبدالحميد الريغي،قد تم اعتقاله في طرابلس يوم 5 أكتوبر 2013 من قبل القوات الأمريكية الخاصة ، حيث كانت واشنطن قد رصدت مكافأة قيمتها خمسة ملايين دولار للقبض عليه،متهمة اياه بالتورط في الهجوم الانتحاري الذي استهدف السفارة الامريكية في نيروبي و دار السلام العام 1998، وبالتآمر لارتكاب عمليات قتل وخطف وتشويه أميركيين والتخطيط لإلحاق الأضرار أو تدمير ممتلكات أميركية ومهاجمة مبان دفاعية أميركية.