تعين على الأمم المتحدة الكف عن محاولة التوسط لوقف إطلاق النار في ليبيا، أو التوصل لحلول سياسية توفّق بين الليبيين، إذ إن ذلك يؤدي إلى تفاقم الوضع هناك وليس العكس، حيث إن الحلّ يكمن في يد الشعب الليبي دون سواه.

جلّ ما توصل إليه تدخّل الأمم المتحدة وبريطانيا في الشؤون الليبية، على الصعيد السياسي هو المساهمة في تعقيد الوضع ميدانياً، من خلال مواصلة الدعم غير المباشر لجماعة الإخوان المسلمين، والاعتراف الضمني بها بهدف المقايضة، علماً أنها تسعى إلى استكمال إحكام قبضتها على غربي ليبيا بواسطة تحالف «فجر ليبيا».

نظرة ضبابية

وقد بدا عدم كفاءة الأمم المتحدة جلياً، خلال حوار أجرته محطة «سي إن إن» الأميركية مع مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا، برنادينو ليون، حيث وصف وجود «داعش في ليبيا »بالمحدود عددياً، والقابل للسيطرة«، لكنه تراجع عن كلامه بتصريح مناقض وضعيف، ذكر فيه أنه ليس خبيراً بشؤون الإرهاب، وأن مهمة بعثة الأمم المتحدة في ليبيا تقتصر على تعزيز الحوار السياسي فقط.

وجاء في أحد تعليقات ليون قوله: » كان ينبغي على المجتمع الدولي العمل مع الليبيين أنفسهم في معالجة قضية الإرهاب.« وتتمثل إحدى طرق المعالجة تلك في مساعدة »ناتو« العسكرية العملية، التي ساهمت يوماً في تغيير النظام في ليبيا عام 2011.

إنه بالتأكيد الوقت المناسب لوجود خبير في شؤون الإرهاب في ليبيا، وليس لشخص يمعن في الإصرار على بذل جهود تضيع سدىً في وجه الأدلة المتزايدة على رفض حكومة ليبيا المعترف بها دولياً، والحكومة المضللة الأخرى في طرابلس، محاولات الأمم المتحدة والغرب عموماً التوسط لإحلال السلام في البلاد.

صمت مريب

إن المحاولات الضعيفة للأمم المتحدة في إقامة الحوار، وصمت القوى الأساسية المستمر حيال الأوضاع في ليبيا، ينطويان على خطورة تفسير البعض له على أنه عجز عن تقديم الدعم لكفاح ليبيا نحو الديمقراطية والتصدي لحركات التشدد.

وفي الإطار عينه، أوضح المندوب الليبي في الأمم المتحدة إبراهيم دبشي، أن هذا الصمت الغربي، سيما حيال تراجع جهود الحكومة والبرلمان الليبيين، يقوض مصداقية مزاعمها المتعلقة بالالتزام بالصراع العالمي ضد الإرهاب عموماً و»داعش« على وجه أخص.

لقد أثار الموقف المتردد لكل من الولايات المتحدة وبريطانيا حفيظة البرلمان الليبي المنتخب ديمقراطياً، الذي أصدر بياناً كرر فيه أن »عملية الكرامة« العسكرية، التي تقاتل لاستعادة السيطرة على بنغازي من أيدي المتشددين، كانت تعمل تحت إمرة لواء الجيش الليبي الوطني.

الاستقرار أولاً

سبق لمجلس النواب الليبي أن حظي بدعم دول عربية عديدة من بينها مصر، حيث دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، أخيراً، أميركا وأوروبا لمساعدة الجيش الليبي في حربه ضد الميليشيات المتشددة.

وحتى لو كانت الأم المتحدة تعتبر الوجود »الداعشي« في ليبيا »قابلاً للسيطرة«، فإن دولاً أخرى تدرك تماماً مدى تهديد مثل تلك التنظيمات. وتشارك كل من تونس والجزائر، من منطلق إيمانهما بضرورة استقرار ليبيا، في الأعمال المناهضة للتشدد هناك.

لعله حان الوقت اليوم لإعادة تقديم اللاعبين الأساسيين لحقبة الثورة الليبية إلى الواجهة، كالدكتور محمود جبريل ومصطفى عبد الجليل. وقد شكل جبريل القوة الأساسية، التي كانت وراء انتزاع الشرعية الدولية للمجلس الوطني الانتقالي، مع بداية الأحداث في ليبيا، كما أنه شخصية هامة، رغم إثارتها للجدل في معظم أوساط الليبيين، بسبب إعلانه الاستعداد للتعاون مع اسرائيل.

ولايزال مجلس النواب الليبي يحظى بكتلة داعمة تتألف من الأعضاء السابقين لتحالف القوى الوطنية، الذي يمثل حوالي 20 في المئة من البرلمان الليبي، والذي يمكن أن يكون الخيار الأمثل لإيجاد حلّ توافقي يرضي كافة الأطراف.

المشكلات الليبية تستدعي حلولاً ليبية الطابع، لا تحمل أي صبغة أممية أو غربية، على الرغم من عدم إمكانية إغفال الدور الذي يقوم به »ناتو« في المساعدة على القضاء على التشدد، تماماً كما يفعل في كل من سوريا والعراق.

قبل فوات الأوان

ينصب تركيز أميركا وأوروبا الخطابي والعسكري اليوم على القضاء على تنظيم »داعش« في كل من سوريا والعراق، فلماذا يرفض هؤلاء الساسة والدبلوماسيون الغربيون أنفسهم الاعتراف، على نحو مماثل، بوجود تهديد كبير يحدق بشواطئ المتوسط، ومواجهته؟ وقد تعهدت إحدى الجماعات الموجودة في درنة بشرقي ليبيا تقديم الولاء لـ »داعش"، في سابقة تمنح التنظيم امتيازاَ في شمال إفريقيا، وفي ظل وجود تقارير تفيد عن جماعات أخرى ستتبنى المسار عينه في طرابلس.

في هذه المرحلة، التي تشكل مفصلاً أساسياً في صراع ليبيا عقب الثورة للحفاظ على ديمقراطية سعت جاهدةً لتحقيقها، يشكل تحفظ الغرب في الإعلان عن دعمه للعمليات العسكرية في شرق ليبيا، ولمجلس النواب الليبي نفسه، انهياراً لمصداقية بريطانيا، والولايات المتحدة، والأمم المتحدة على حدٍّ سواء.