علت المؤرّخة والأستاذة الجامعية الأميركية آن لورا سولير في صلب اهتماماتها محاولة الكشف عمّا تسميه الوجه الخفي للإمبراطوريات الاستعمارية. ومن هنا بالتحديد اعتبرها النقّاد والمؤرخون أحد أقطاب «الدراسات الاستعمارية»، التي غدت مشرباً خاصاً من الدراسات التاريخية. وهي تتابع في نفس المسار بالكتاب الجماعي الأخير الذي يحمل اسمها مع عدد من المساهمين عنوان «الحطام الإمبريالي»، الذي تكرّسه لـ«تأملات حول الخرائب والتخريب»، كما يقول عنوانه الفرعي. والأبحاث التي يحتويها هذا العمل جرى تحديثها، بعد أن كان أصحابها قد قدّموها في إطار ندوة سابقة حول الموضوع.

ثقافة استعمارية

وتشير آن لورا ستولير في المقدمة أن اهتمامات هذا العمل لن تطال فقط الجوانب الاقتصادية من الظاهرة الاستعمارية ولكنها ستتعرّض لجوانب أخرى تعتبرها فائقة الاهتمام وتتمثّل خاصّة في صورة الشعوب والأمم التي عانت من الاستعمار في الثقافة الاستعمارية. تشير هنا بشكل خاص لأهمية المساهمات التي قدّمها المفكر الراحل إدوارد سعيد في كتابه عن «الاستشراق»، الذي بحث فيه عامّة صورة الشرق في الأدب الغربي.

إن آن لورا ستولير تتحدّث عن الخرائب بالمعنى الواسع للكلمة وكل ما تشمل عليه من بقايا الحقبة الاستعمارية لدى الشعوب التي كانت ضحية تلك الحقبة. ويدخل في إطار دراسة الخرائب، وكل ما يتعلّق بتخريب المدن وتخريب البيئة والتلوّث الصناعي وما تطلق عليه المؤلفة «البطالة العرقية»، التي تطال بعض الشرائح بسبب انتماءاتهم لهذا العرق أو ذاك.

أحد أشكال استمرار «بقايا الحطام الإمبريالي يحددها المساهمون في هذا العمل باستخدام صيغ قاموسية» تجد مرجعياتها الأساسية في الحقبة الإمبريالية، وهكذا تمّ في مختلف أشكال التدخّل الذي قامت به القوى الأوروبية والأميركية في العقود الأخيرة تعابير سادت في الخطاب الفكري والسياسي مثل «الأمن» و«حالة الطوارئ» و«الكفاح ضد البرابرة»، وغير ذلك من المقولات «المستبطنة في لا وعي البشر» من الحقبة الاستعمارية.

آثار إمبريالية

ومن الأفكار التي تتكرر في هذا العمل القول هو أن «الآثار الإمبريالية» تبقى حاضرة عبر أزمنة تاريخية طويلة بصورة حطام يجعل المستقبل قليل الوضوح، ذلك الإضافة إلى الآثار النفسية و«الاضطرابات الذهنية» مثل تلك التي تحدّث عنها الكاتب فرانزفانون، صاحب كتاب «المعذّبون في الأرض»، عن الآثار التي خلّفها الاستعمار الفرنسي للجزائر وما مارسه من عمليات تخريب وقتل على «جيل كامل من الجزائريين»، وأن هذا الجيل هو بمثابة «الإرث الإنساني الذي تركته فرنسا في الجزائر».

ويتم التأكيد في هذا الكتاب على أن «التخريب» النفسي هو باستمرار الوجه الآخر للتخريب «المادي»، والوجهان متلازمان باستمرار. حالة الجزائر تتكرر أيضاً في هذا السياق، حيث يتم تقديم «الوجه الجزائري المحطّم» ساعة الاستقلال بكل ما كان يحمله من ندوب وحرائق وتحطيم للبنى التحتية على أنه أحد االنماذج الأكثر بلاغة لما يعنيه «الحطام الإمبريالي»، كما أن نموذج فيتنام يتردد في هذا المجال.

ويُشكّل هذا الكتاب في أحد وجوهه نوعاً من التأمّل في الحقبة الاستعمارية، ليس من وجهة نظر القوّة الاستعمارية، وليس من زاوية الشعوب التي استعمرتها. ولكن بالأحرى من خلال الجمع بين التاريخين في الإطار الإمبراطوري الذي ضمّهما وتداخلاته المتبادلة وترك بالتالي بصماته على تاريخ كل منهما. تلك البصمات تأخذ أحياناً صيغة «حطام إمبريالي».

المؤلف في سطور

آن لورا ستولير، مؤرخة أميركية، وهي إحدى المرجعيات الغربية المعترف بها عالمياً في مجال الدراسات الخاصّة بالحقبة الاستعمارية وبالآثار التي تركتها على الشعوب التي خضعت للاستعمار. تحمل شهادة الدكتوراه من جامعة كولومبيا، وهي أستاذة تطّور المجتمعات الإنسانية في جامعة ويللي برانت. صدر لها عدّة كتب ودراسات من بينها: «إعادة التفكير بالنزعة الاستعمارية»، و«توترات الإمبراطورية: الثقافات الاستعمارية في عالم بورجوازي».

*صحيفة "البيان"