تعيش ليبيا منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي في 2011 ،على وقع طبول الحرب التي تقرع على أعتابها باستمرار إذا غرقت البلاد في صراع متعدد الجبهات أججه التواجد المتزايد للجهات الخارجية ما جعل الوضع أكثر تعقيدا خاصة مع وجود احتياطيات النفط الأكثر وفرة في إفريقيا . هذا الصراع على النفوذ بين العديد من القوى ، محليا ودوليا ظل يمزق ليبيا  و يوسع رقعة الصراع فيها .
 في  2014 ، تنامى الصراع بين الفرقاء الليبيين و انقسمت البلاد إلى أطراف متنازعة ما وسع رقعة الإختلافات و أجج نار حروب أهلية جعلت من البلد الغني فريسة سهلة لمزيد من التدخلات بلغت حد انخراط بعض الأطراف في مفاصل المشهد الليبي ما فاقم الأزمة و جعل الطريق نحو الحل السياسي صعبا و شائكا.  
 ومنذ 2015 ، اشتبك الفرقاء الليبيين في صراع وحرب مهدت لمزيد من الإنقسامات والتدخلات.
 تواصل الصراع
 
عقدت عدة اجتماعات دولية لإيجاد حل لوقف دوامة العنف و الحد من التعقيدات التي لفت المشهد الليبي أمام ظهور العديد من الأطراف الخارجية فتباينت بذلك المصالح وتعددت من الموارد الطبيعية  إلى الهجرة الغير الشرعية وصولا إلى تنامي الإرهاب ما جعل الوصول إلى حل دائم "مستحيلا".
 في 21 أغسطس 2020، أعلن بيانان منفصلان ، من فايز السراج وعقيلة صالح ،عن  وقف دائم لإطلاق النار وتنظيم انتخابات عاجلة. ومن الواضح أن المجتمع الدولي والأطراف الفاعلة في الصراع قد رحبوا بذلك. لكن لا يزال على جميع الأطراف المتداخلة محليا و دوليا تأكيد ذلك بأفعال ملموسة ، فغالبا ما انتهت فترات وقف إطلاق النار السابقة بالفشل.
 ويعيش الإتفاق الأخير في هذه الأيام اهتزازات قوية تنذر بخطر"خرقه" حسب الخبراء و المحللين.
 التدخل التركي
 
تتفاقم الأزمة الليبية الداخلية بسبب الدعم الذي تتلقاه من الخارج، حيث وجد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على وجه الخصوص في الصراع الليبي فرصة لتحقيق مكاسب اقتصادية ، و إيديولجية أيضا بدعم  الإخوان المسلمين. فبقدر ما يبدو ذلك بالنسبة له سياسة خارجية بقدر ما هو سياسة داخلية للجمع بين ناخبيه الوطنيين.
 في نوفمبر 2019 ، وقعت أنقرة وطرابلس اتفاقية "تعاون عسكري وأمني" ، إلى جانب اتفاقية ترسيم الحدود البحرية  ليسمح بذلك لتركيا بتأكيد حقوقها في مناطق شاسعة في شرق البحر الأبيض المتوسط  الغنية بالمواد الهيدروكربونية و التي تطالب بها دول أخرى مثل اليونان وقبرص.وقد  تم الحصول على هذه الاتفاقية مقابل الدعم العسكري .
 وبالفعل ، في يناير 2020 ، حصل الرئيس أردوغان على الضوء الأخضر من نوابه لنشر جيشه في ليبيا. فوفقًا للمرصد السوري لحقوق الإنسان ، فإن أنقرة سهلت نقل المرتزقة والمليشيات من سوريا ، وخاصة من صفوف الجيش السوري الحر ، التابع لتنظيم الدولة الإسلامية والجماعات الجهادية الأخرى. ومن بين هؤلاء 17 ألف مقاتل سوري ، و 2500 تونسي قاتلوا في صفوف داعش في إدلب وحلب ، وجنسيات أخرى ، بينهم سودانيون.
 كما أرسلت تركيا ما بين 2500 و 3000 ضابط وخبير عسكري لقيادة غرف عمليات قوات الوفاق  وتسيير طائرات بدون طيار. وقال خبراء و محللون أيضًا أن أنقرة سلمت شحنات جوية من الأسلحة ومعدات الدفاع الجوي.  بالنسبة للجنة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن ليبيا ، أصبحت البلاد سوقا رئيسيا للسلاح بعد انتهاكات الحظر المفروض في عام 2011.
 و بعد مصادقة  البرلمان التركي على المذكرة المقدمة من الرئيس رجب طيب أردوغان، التي طلب فيها تمديد المهمات العسكرية لقواته الموجودة في ليبيا 18 شهرا إضافيا، بداية من يناير 2021 تتجدد المخاوف من مدى نجاح وصمود المسار السياسي الذي انتهجه الفرقاء بعد سلسلة "مضنية" من اللقاءات و الحوارات ما أفرز اتفاق وقف دائم لإطلاق النار و خروج فوري للمرتزقة و المليشيات لكن التمادي التركي ينذر بإجهاض عاجل لهذا الإتفاق.
 انهيار اقتصادي و اجتماعي حاد
 
يعتمد الاقتصاد الليبي بنسبة 95 بالمائة على إيرادات النفط، و تنتج ليبيا حاليا ما يعادل مليون و 200 ألف برميل يوميا بعدما انخفض الإنتاج إلى أدنى مستوياته بسبب الإغلاق، كما تعاني منذ سنوات العجز في الميزانية وصل إلى 48 بالمائة أي ما يعادل 7.5 مليار ات دولار ، هذا  دون الحديث عن العائدات الهامة التي تم إنفاقها على المليشيات ما أجهض  كل المحاولات لتعافي الاقتصاد الليبي.
 هذا الوضع السياسي و الإقتصادي  "المعتم" يلقي بظلاله الثقيلة على الوضع المعيشي للمواطن الليبي الذي فقد أبسط حقوقه في العيش الكريم فلا كهرباء ولا ماء ولا سيولة، إضافة إلى الاعتداءات و التقتيل والترويع والاستيلاء على الممتلكات و الإختطاف وشتى أنواع الإنتهاكات التي تتنافى مع المواثيق الدولية.فاتورة باهضة الثمن يدفعها الليبيون جراء صراعات وانقسامات قادت البلاد  إلى حواف انهيار حاد.
 وتناشد العديد من المنظمات و الجمعيات المحلية و الدولية، الفرقاء الليبيين والمجتمع الدولي إلى تقديم المصلحة العامة على المصالح الخاصة الضيقة خاصة مع تضرر المواطن الليبي و تحول الوضع إلى" إنساني كارثي" فقد فيه الليبيون كل أسس الإستقرار الإجتماعي والمادي والاقتصادي والأمني.
 تتوالى السنوات بين راحل و آت و الوضع في ليبيا على حاله فما يكاد يمضى اتفاق حتى يجهض إما عاجلا أو آجلا.فرغم أن العام 2020 توج باتفاقات عدة وتميز بماراطون من اللقاءات والحورات التي جابت العديد من الدول لتتوج بإجماع على اتفاق وقف دائم لإطلاق النار وإجراء انتخابات تشريعية في ديسمبر 2021 و تحييد المؤسسات السيادية و إخراج المرتزقة والمليشيات من ليبيا في أقل من 90 يوم،هنا تجدر الإشارة إلى انقضاء المدة مقابل المذكرة التركية لتمديد تواجدها العسكري لـ18 شهرا إضافيا، إلا أن الأيام الأخيرة من هذا العام تشهد "مخاضا" مقلقا و تصريحات "مباشرة" تهدد السلام الجزئي الذي تنعم به ليبيا منذ شهور مع  توقف الحرب و اللجوء إلى طاولات الحوار.
 تمثل هذه الحرب "المعلقة" إلى حدود اليوم ،"تهديدا عاما" يتجاوز الحدود المحلية لليبيا إلى الإقليمية و الدولية و يفتح بذلك أبوابا كثيرة على جبهات عدة.ما يبرر المخاوف الكثيرة التي تحوم حول مدى صمود الاتفاقات الليبية في بلد أنهكته الصراعات و أثرت على أوضاع مواطنيه و زلزلت المنطقة الإقليمية بأكملها.