عندما شاهدوه وهو يُغطي حيز واسع من مساحة سوق أثينا القديمة ، بمنتوجه من القمح وزيت الزيتون ، قالوا عنه . بأنه  دائما يأتي بالجديد . فقد كان يحمل فوق ذات ألواح ودُسر ، ما فاض عن حاجته ، مما تنتجه حقول القمح والزيت بأرضه . ويعبر بها إلى الضفة المقابلة ، كان دائما يجدًهم في استقباله بترحاب كبير . هكذا كانت تقول بعض الروايات ، وأحياننا تذهب بعيدا فتقول  ، بأنه في مرًات عديدة ، يتصادف وجوده بأعياد تقام على الضفة المقابلة . كان دائما يلتقي عرضا وعلى نحو عابر هناك . بعرًافة دلفي ، وكان دائما يلمح بريق إعجاب غامض يفيض من عينيها ، ذات مرًة حاول سبًره ، ولأمر غامض فى نفسه , عدل عن ذلك . .  وحدها روما . أتت الى حيت هو . بعدما عبرت اليمّ . الفاصل بينهما  .  تدافعا معا ، سالت دماء ، هُدمت بيوت ومدن . ثم شرعت في تجًريف حقوله باسنة  محاريث . تجرها البغال . بعدما زرعتها ملحا  .   كي لا يعاود عبور  البحر ثانيتا . . 

     اندلق وعاء الزمن المستحًلب من اتداء ذاكرة جغرافية المكان  . المّنشغل به الراوي , والمشّتغل عليها  .  فانطوت مع ما سُفِح منه , احداث فى قرون وعقود من ازمان غابرة .  ولم يتبقًى بالوعاء إلا القليل من مِداد الذاكرة . طفحتْ على سطّحه .  صورة ( الدوديشى ) بهيئته الضخمة ، برفقة جنراله العتيد  ، كانت تتغطى ملامح الجنرال بعبوس ظاهر .  كان اثنانهما منشغلين بكيًفية زيادة تعزيزاتهم العسكرية على الضفة المقابلة .  بعدما عبروا البحر إليه ، يقتفيان بذلك . اثر جيوش روما القديمة . ليجعلوا منه . وساحله . هذه المرًة شاطئهم الرابعة ، وبوابة يتسربون منها . نحو المدارات الاستوائية الحافية القدمين ، الغارقة بلونها الابنوسى . في أشعة الشمس الملتهبة .   

      لقد صادف جنرال الدوديشى ، أتناء تقدمه على الشاطئ  الرابعة  ،  عوائق ومتاعب جمًة ، كان يضعها في طريقه , ليُوقف زحّفة وتقدمه . وبرغم الفارق فى العدًة والعتاد بينهما . لم تتراجع ارادته . ولم توهن عزيمته .  فظهر فى مواجهته وتصدّيه للجنرال , عصّي على التطويع حتى الكسر  . عندما تتلبّسه وفقط . هيئة شيخ يلتحى الوقار . مُتسلح بقلب شجاع . ليس بيده سوى بندقية مع لجام فرس . يدير من فوق صهوته , تدافع خشن يتجلبب الفولاد . يزحف مجنزرا مجمزرا نحوه . وفى احايين كثيرة . كانت هيئة الشيخ الوقورة , تتماوج وتتداخل مع وجهها الاخر . فيظهر فيها وهو يثنى ساقه الى ورّكه , ويشدّهما الى بعض بحبل . عاقلا نفسه ليصد بها موت مدجج . 

     دائما وفى جل المواجهات  ، كان يفعل ذلك  ، شرقا و جنوبا وغربا وفى جميع الاتجاهات والفصول . . . ففي يوما شتائي متجمّد الأطراف ، يغلّفه زمهرير صحراوي قارص ، شاهده الجنرال هناك ، في (موقعة ) الشبً ، وهو يترك عروسه في خدرها للانتظار ،  ويندفع  حاسر الرأس ، نحو الموت ، ليعيق تقدمه ويسدً الطريق في وجهه  ،  ليمنعه ويرده عن محيطه  .  بعدما  عقل نفسه وفخخها بموت  شبه اعزل .   كان ذلك في يوم بطعم الشبً صنو العلقم .  لا يطيق مرارته إلا من كان مثله . 2

    وفى المواجهات . التى تخّلو من ملّمَح وهيئة الشيخ الجليلة . يظهر فيها على نحو مختلف ، رخوا ، ملتبسا ، حائرا ، عاجزا عن التميز بين الحياة والموت .  فتتبدى هشاشته بوضوح ، وهو متراجعا للملمت شتات نفسه ، وتدّفعه حاله هذه أحياننا . إلى التسرّب نحو البعيد ، نحو مفازات القِبّلة المترامية الأطراف ، فتتدخل هذه مع الزمن . في صياغة وتشكيل لونه ولسانه وحتى ذائقته . . 

       كان جنرال الدوديشى بعسًكره ، يحبّذ ملاقاته في مواجهات خالية من هيئة ذلك الشيخ . ففى هذه  المواجهات  . يبدو الجنرال وعسًكره  ، اقل توترا ، بل تكاد ملامحه  تتغطى بالارتياح ، لولا خُشونة ملّمسه العسكري  .  فيذهب الجنرال وعن طيب خاطر . نحو ترًسيم جغرافيتها المكانية  .  بأنساق متتالية ،  بأشجار الزيتون واللوز و الخوخ والسرو . تظهر فيها متراصة على نحو منتظم على امتداد البصر  .       

        حاول  الجنرال مرارا ، أن يجعل المواجهات معه . خالية من ايحاءات ذلك الشيخ  .  وكان مرارا يتصادف مع العجز والإحباط . . فهذه  .  تجعله وعسكره في توتر دائم ، يلاحقه خلالها الخوف والموت . انً اتجه .  فُيعمد الجنرال . وبحقد بالغ  . إلى ترًسيم جغرافيتها المكانية  .بسلك شائك ، ليطوقها بجوع  . لا  يلًبت  هذا . أن يستدعى قريّنه المرض  ،  وبتكاتفّهما . تصًطبغ الوجوه بصفًرة . تستفز الموت  .  فينهض  هذا ،  ليحصد كل رمق أخير . . امًا هو .  فكانت هيئة الشيخ .  تزين له وتسّتحثه ليتخيّر الحياة  . وغياب إيحاءاتها يفسح الخيار , نحو الانحياز للأدنى . عن الذي هو خير ، فيقعد طلبا للعيش .   

                                                                                              . . . . . . . . 

      وحده فقط (كريكبرايد ) الذي لم يتشيأ و يتعيًن في المكان بعد ، كان يرّصده بالعين والعقل كليّهما ،  ويرصد ويترصًد جنرال الدوديشى في ألان نفسه  ،  وفى ذات المكان  .   كانت الأوراق الرسمية تسمًيه ( كريكبرايد ) ، وان كان يُحب أن يخاطب ( بالكسندر ) بدون توابع كما كانت أمه تناديه  ،  وله أيضا أسماء عديدة  ، وبإحجام مختلفة .   كان أكبرها على الإطلاق ، بحجم جزيرة تستلقي  على ظهرها في عرض الاطلسى وعلى الجانب الشرقي منه ، تغتسل أطرافها بمياهه على نحو دائم  .  وعندما تعترى المحيط نوّبة من نوّبات هيجانه العاصف ، تسًتسلم له كغانية لعوب ، وفى  ذروة عصًفه و هيجانه ، تعّتريه رعّشة . يُفًرغ خلالها فيها كل ما بجوفه ، بعدما يُغلّفها بزبده الأبيض ، فيُدنس بذلك كامل جسدها الخذر  .   وبعد هدوئه  . تلمّلم نفسها , وتنهض للاغتسال . . . 

     تلقى ( كريكبرايد ) كل مراحل تعليمه في بلده الأم .   ثم تنقل منها إلى بلدان كثيرة ، كان أهمها على الإطلاق ، عندما أرسلته بلده الأم إلى ( دوّقية غلوبْ المبجًل ) لاستكمال الشق الميداني من تعليمه في تلك ( الدوقية ) المُتموّضعة  على غرب النهر المقدًس .  التي تعمًدت بمياهه ، عدد من رُسل السماء . . . تتلمذ كريكبرايد هناك على يد ذاك  ( الغلوب العتيد ) ، الذي كان يحب أن يُديَل اسمه ودائما بأحد الاقالب الشرقية  ،  ليخفى وراء إيقاعها المُفخًم ، سحّنته الشمالية الباردة ، وكم تنّضح ملامحه ببالغ الامتنان، عندما يلّصق اللقب ( باشا ) . على مؤخرة اسمه العلم . . 

   لقد تعلم كريكبرايد ، كما تسميه الأوراق الرسمية الكثير على يد هذا ( الغلوب ) الذائع الصيت . لقد كان يرافقه كظله . . . . ففي احد مسامراته له في ليلة من ليالي الصيف الحارة ، سئل كريكبرايد معلًمه قائلا :- لمادا اخترت أن تُرسًم حدود دوقيتك على هذا النحو ؟ . فهي تتمدد بكامل جسدها في جوف الصحراء الملتهبة  ، تكتوي برمًضائها ، في حين كانت أطرافها الغربية ، بالكاد تلامس الماء الفرات ، الذي لا يكفى لإرواء ظمؤها ، واليسير من الماء الأجاج ، الذي لا يفلح حتى في حمايتها عند الهاجرة .   . لم يلّتفت ( غلوب المبجل ) إلى تساءل تلميذه  ، بل رد يسّأله  :-  عن مدى استيعابه كل ما يتعلق بالمادة التي يُحاك منها ( حذاء العرضات )** ، وعن الطرق والأساليب والزمن المناسب  ،  التي يجب على الصانع . توسّلها واستدعائها  أتناء فعل الحياكة ؟ . لم يفاجأ ( كريكبرايد ) بتساؤل معلًمه .  فقد كان يعلم  بان من أولويات السُلّم التعليمي بدوقية (غلوب المبجل)  ،  هي التعرًف على المواد والأساليب والطرق والوقت المناسب . التي يحتاجها الحائك . لصناعة حداء مميز . يحاكى فى تميّزه  , تلك الاحدية  الشهيرة  ، ذات  الماركة العالمية المسجلة ( z ) ، التي اكتسبت شهرة واسعة . عندما اظهرت كفاءة عالية على  ارض اليونان وعدد من بلدان العالم الثالث   . . 

   لم يصادف كريكبرايد صعوبة ، أتناء تحصيله التعليمي ، وتخطى كل الفحوصات بتفوّق ظاهر ، رغم اهتمامه برصد وترصًد ومراقبة  الدوديشى وجنراله من هناك وعن بُعد . . ومع الزمن اقتربا من بعضهما  كثيرا حتى التماس . فقد كانا اثنينهما , الجنرال وكريكبرايد يشكّلان  . وجهين لحرب ثانية .  كانا تماما كوجهان لقطعة نقد معدنية قذفت في الهواء ، ما أن يهوى احد وجهيها ، ويترنًح بجسده الضخم أرضا ، ويجرجر على وجهه , مسّحولا في شوارع روما ، وتنغرز أقدام جنرالاته في رمال الصحراء ، ويطويّه الزمن . حتى ينهض كريكبرايد في وجهها الأخر على أنقاض غريمه ، متشيّأ ومُتعينا في المكان . 

    أما هو ، فكان يحتاج ما مقداره عقد من الزمان ، كي يلتقط أنفاسه ، ليُرميم ما هدمته ، ايادى الدوديشى و جنرالاته ، ويسّتعيد  مأسسة نفسه  ، في هياكل وبني ، يستطيع بها تسًير حياته على نحو لائق ومنًتظم .   ويتمكن خلالها ايضا . من لمّلمة ( مناقب ) ذلك الشيخ الجليل  ، ذو القلب الشجاع ، ليجعله حاضرا في ألان ، داخل دائرة الحواس الخمسة .  فى  مقام مُشيد ، أبّتناه له احتراما وإجلالا .  و ليسّتلهمه ايضا . و يستنّطقه أثناء الشدائد والمحن ، ويتكئ عليه لصدً الموت وردًه إلى البحر ،  إن تقيأت أمواجه ذات يوم ، عسكر مدجج ، كجيوش روما الغائبة الحاضرة . 

      عقد و نصف من الزمان ، لينصرف منّشغل بحقول الزيت القابعة تحت أقدامه ، حتى تدخل بواكير إنتاجها ، وليرمم خلالها بوابته الجنوبية ، التي ينفتح بها على المدارات الاستوائية ، الحافية القدمين ، والغارقة بلونها الابنوسى في أشعة الشمس الملتهبة . . . . . في الوقت الذي كان فيه منّشغلا بكل هذا ،  كانت نوايا ( كريكبرايد ) الخفيًة ، تراقبه وترصده عن قُرب .  ثم همسة تلك النوايا ذات يوم ، في أذن وعقل ( كريكبرايد ) قائلتا له :- بأن الوقت قد حان ، لحِياكة  ( حذاء عرضات ) تتمكن به من خوض هذه العوالم التي تتشكل و تتشيأ إمامك . 

  مند ذلك اليوم ، شرع كريكبرايد  كما  تُسميه الأوراق الرسمية ، في حياكة حذائه العتيد   ، عمل ما في وسًعه ، أن يجعل منه حذاء متميز ، يبزً به ، كل أحذية العرضات ذات  الماركة العالمية المسجًلة ( z ) التي اكتسبت شهرتها بكفاءتها العالية على ارض اليونان وبلاد البرتغال . وجابت بشهرتها الافاق . مع اول خطوة لها على أراضي بلدان امريكا اللاتينية  . . سعى كريكبرايد إلى إدخال تحويرات مهمة على تصاميم حذائه هذا  ،   ليجعل منه يرّتقي بكفاءته وجودته إلى ملامسة الظواهر التي تتخطى المألوف    ،  ليجعله يقف على درجة واحده مع ( قبعة الإخفاء )  ،   التي ما أن يضعها الإنسان فوق رأسه ،  حتى يكون وفى طرفة عين , خارج نطاق الحواس الخمسة ، ولا يقل إدهاشا عن ( عُصى سحرة فرعون ) ، التي ما أن تلامس الأرض ، حتى تنقلب إلى حيات تسعى في كل الاتجاهات  .   أما حذاء كربكبرايد فقد اُختار له  ،  بعد إتمامه والانتهاء من حياكته  ،  ليصير  ،  ما أن ينتعله كريكبرايد ويدس  قدميًه بداخله ، حتى تتحول سحنة ولسان وهيئة كريكبرايد  ،  لتتحد سحنة ولسان وهيئة المحيط الذي يتحرك ويقف عليه بحذائه   . . لقد احتاج  ( كريكبرليد ) كما تسميه الأوراق الرسمية  ، ما يقارب عقد ونصف من الزمان  ، لينتهي مما يُحيك .  وما أن فرغ من صناعة حذائه ، ودس قدميه في النعل ، حتى اتخذت سحنة وملامح وهيئة ولسان ( كريكبرايد ) ، شكل وسحنة وهيئة ولسان الوسط والمحيط ، الذي يقف عليه بحذائه  .  لم ينتظر كريكبرايد سوى بضعة أيام تزيد عن العشرة بقليل  ،  تم توجه إلى مقام الشيخ الجليل   ،  تطوًف بالمقام ثلاثة ، ثم اقترب منه حتى الملامسة ، وهمس في أذن المقام ، بعبارته الشهيرة ، التي قالها ذات يوم  ، عند مقام أخر على ارض الشام  ،  مع تحوير طفيف اقتضاه الحال  ، قال هامسا في أذن المقام :-  ها قد عدنا ثانيتا أيها الشيخ .  . 

                                                                                                       . . . . . . . . 

 أقام كريكبرايد عند المقام ثلاثة أيام  ،  زينها بمهرجان احتفالي صاخب ، ثم غادره , يجوب جغرافيات المكان . بدأ من تلك التى طوقها (جنرال الدوديشى) بسلك شائك وجوع وموت . فى محاولة منه لترويض , هيئة ذلك الشيخ ذو القلب الشجاع  . الى  تلك .التى تغطّت باّنساق متتالية من اشجار ( الدوديشى) المتنوعة من زيتون للوز وخوخ  . وصار يجُسًها ويتحسّسها ويحدثها بلسانها ولهجاتها ، وعندما أيقن بأنه قد تمكّن منها  ، وصارت حواس تلك الجغرافيات  ملّتبسة ومُغيبة  . ايقن , بانه قد استطاع من حلّحلة  كل ما قد يعيق أو يعترض طريقه  .  ثم عاود إلى مقام الشيخ ثانيتا ، وكان يحمل فى يديه هذه المرة ، معاول هدم . لم يغادر المكان حتى سوّى  المقام أرضا ، وبهذا أزال ( كربكبرايد ) بحذائه كل العقبات التي قد تعترضه . . ومند ذلك اليوم .  وضع كريكبرايد حذاءه  ويده  على كل شي . . 

                                                                                                     . . . . . . . . 

  لقد أتبت حذاء كريكبرايد قدرة عالية على التكيًف مع جميع الظروف والأجواء ، التي صادفته . فمن مناخات جنوب المتوسط وأجواء الصحراء الحارة ، إلى انسياب منقطع النظير ، خلف البغال المحملة بالذخيرة والسلاح . عبر المسارب الضيقة .  بجبال طوروس  التى تنتهى فى حضن  سهول كردستان . ومن الأزقة الخلفية ببلفاست الايرلندية ، حيث الضباب والصقيع   ،  إلى متاهات ( تورا بورا ) بدون ملاحظات  . ومن مستنقعات اعالى النيل . إلى التباسات ( دار فور ) فى برْ العبّد بدون كلل .  لقد أذهلت قُدرات الحذاء الاستثنائية , حتى كريكبرايد نفسه ، لقد كان حذاء فوق العادة . مما دفع كريكبرايد كما تسميه الأوراق الرسمية . إلى التقاط  صور لحذائه في جميع الأوضاع ، ومن زوايا مختلفة ، قائما وقاعدا ومستلقيا ، صور أمامية وخلفية ، كاملة ونصفية ، وعزم على وضعها في اطر مذهًبة ، وتعليقها بالميادين العامة ، وعلى جنبات الطرق الرئيسية ، وداخل الدوائر الرسمية  ، بل حتى على جدران محطات بيع الوقود . 

                                                                                                    . . . . . . . 

         غير انه كانت تلاحق كريكبرايد من حين لأخر ، هواجس تملأ عليه رأسه حتى حافته قلقا ، هواجس كانت تحذره وتندره ، بان لا يغيب عن باله ، قد يحدث ذات يوم ، بان تستفيق كل جغرافيات المكان  باستعادة كل حواسها المغيًبة ، فتتحسس ذاتها ، وتكتشف مقدار الضرر الذي لحق بها  . . كان الهاجس يقلقه كثيرا  ،  فحزم أمره ذات يوم  ،  وتسلل عبر ممراته السرًية إلى بلده الأم  ،  ليستفتيها في الأمر  .  كان يفعل ذلك دائما ، عندما يستعصى عليه أمر ، أو تعترضه عقبات لا يجد السبل إلى تفككها . . . ففي داخل حلقة نقاش مصغًرة ، عُقدت في مسقط رأسه  ، للنظر في هواجسه واحتمالاتها  ،  توصلت حلقت النقاش بعد أخد ورد ، إلى إن العلاج يكمن في اتخاذ خطوة استباقية ، تأتى على تلك الجغرافيات . التى كانت براح  وملاد وحاضنة لهيئة ذلك الشيخ الجليل ذو القلب الشجاع . لتشلّها  قبل أن تستفيق وتستعيد ذاتها ، باستعادة حواسها المغيًبة . . . وبعد قراءة موضوعية لحيثيات تلك الجغرافيات  .  استقرً التوجه داخل حلقة النقاش ، إلى تحّضير ( موت ملوّث ) قابل للحقن ، بعدما تبين من الدراسة والاستقراء ، بان تلك الجغرافيات  لا تخشى الموت في صوره العنيفة جهًرتا . ولكنها تنّفر منه ملوثا . وتتحاشاه ، ولا تهرع حتى لنجدت من يفّترسه  .   

     توقفت حلقة النقاش طويلا عند آلية الحقن وموّضعه ومراحله ، هل يثم الحقن عند ولادة الحياة ، أو عند حبًوها ، أو عند المشي والاكتمال ، وانشغلت حلقة النقاش كثيرا ، عند مناقشة إجراءات الحقن ، وما قد يصاحبها من أخطاء ، تؤدى إلى نتائج عكسية ، فينقلب الخطاء إلى خطيئة . قد يضجْ بها العالم .  لم تطمأن حلقة النقاش إلى جميع الاجتهادات التي توصلت لها ، رغم تنبًهها . إلى حقيقة مفادها . بان حقول الزيت هناك حيت موّطنه . تنتج  سائل شفاف ذهبي اللون  ، له قدرة استثنائية على غسل وتنظيف كل الأخطاء والخطايا ، بل وشل الالسن وتكميم الأفواه ، التي قد تسعى فى يوم ما . الى تعكر صفوً هذا العالم المُعوًلم. . . 

      ولأمر طارئ توقفت حلقة النقاش ، عن الالتئام وجُمًدت ، ولم تتخذ قرارا ، بل فوضت لكريكبرايد الأمر كله ، أو هكذا بداء الأمر أمام الجميع . . . الخاتمة تقول ، بان كريكبرايد لم يخلع حذائه مند اليوم الذي انتعله فيه ، حتى في أوقات راحته ومنامه ، ويعتقد المقرّبين منه ، بأنه لن يخلعه ألبته ، إلا إذا اضطر للعودة إلى بلده الأم ، أو للرحيل إلى للعالم الأخر . بفعل القدير . . .

*الشًلاكة : - مفردة من مفردات العاميًة الليبية ، بلسان أهل الجنوب .  تعنى الحذاء في اسواء حالاته اهترائنا .  قذارتنا . انحطاطا . 

**حذاء العرضات :- حذاء ضخم ثقيل ، يتداوله العسًكر ، صارت الحاجة إليه في تناقص كبير  ، فاقتصر حضوره على الاستعراضات و المهرجانات الاحتفالية ، ويعتبر ملمح من ملامح العسكرية الانجليزية . 

                                                         الجنوب الليبيى كُتبت فى : 7- 6- 2008 م .