أمام صعود تنظيم بوكو حرام وقفت القوات العسكرية النيجرية عاجزة لمدة سنوات، حتى أن الملاحظين ضاعفوا من تقديرهم للقوة القتالية لبوكو حرام، غير أن الانتصارات الأخيرة للجيش التشادي ثم تمكن الجيش النيجري من منع بوكو حرام دخول أراضيها جعلت كل الحسابات تراجع. ولكن قبل ذلك يلتفت الجميع إلى قدرات الجيش النيجيري. فكيف هو جيش أكبر بلد افريقي؟
لم يكن سبب الهزائم المتلاحقة للجيش النيجيري هو قوة بوكو حرام فحسب. فتقريبا كل المثالب التي تخترق الجيوش في العالم موجودة داخل الجيش النيجري: فساد، عدم تجديد المعدات والتفريط فيها للعدو، فرار المجندين، إساءة معاملة الرتب الصغيرة (..) اليوم يبدو ان الجميع قد اقتنع بأن الجيش النيجري لا يمكن أن يكون طرفا يعوّل عليه في صياغة الحل، بل أن أصواتا تذهب أبعد فتعتبر أن الجيش النيجيري هو سبب الأزمة التي تعيشها البلاد أمنيا واقتصاديا.
يعد الجيش النيجري 80 ألف جندي، منهم نسبة عالية من كبار الضباط ومن ناحية العتاد فهو جيش مجهز اذ أنه يمتلك 20 طائرة حربية. رغم ذلك، لماذا لم تستطع القوة العسكرية النيجيرية من التصدي لبوكو حرام؟ فعلى الورق، يملك الجيش ما يقدر بأضعاف قوة بوكو حرام اللوجستية والعددية، كما أن بوكو حرام لازال إلى الآن يعتمد على موارده الخاصة ولم يتحالف مع تنظيمات ارهابية دولية ولم يجد دعما من أي دولة.
كل هذه الحسابات النظرية تنقلب رأسا على عقب حين تنزل إلى الأرض. ولعل ملاحظة بسيطة ستدلنا عن سبب الهزائم المتلاحقة للجيش النيجري، فأغلب الجنود الهاربين يلتحقون ببوكو حرام بالذات، وعدد من حرس القواعد العسكرية يبيع معدات الجيش النيجيري لبوكو حرام، وهو ما يكشف الجيش من الداخل لصالح التنظيم الارهابي.
عامل آخر يصب في صالح بوكو حرام، وهو أن المنطقة الشمالية من نيجيريا، التي تدور فيها المعارك، تعرف كرها شعبيا متأصلا تجاه الجيش والدولة النيجيرية عموما، المتلفتة دائما باتجاه البحر. كما أن الجيش ارتكب في السابق الكثر من الانتهاكات في حق سكان إقليمي بورنو وكانو مما جعلهم عدوانيين تجاهه، وبالتالي حتى إذا لم يدعموا الجهاديين فهم لا يكونون في صف الجيش.
صعود بوكو حرام، لم يزد سكان الشمال الا حقدا على الجيش، فهو عاجر تماما عن تأمين حياتهم. 11 ألف قتيل هي حصيلة 6 سنوات منذ تحول تنظيم بوكو حرام من التوجه الدعوي إلى التوجه الارهابي، وكان ذلك بسبب تعسف الدولة واغتيال الشرطة لزعيم التنظيم الأول داخل مخفر. في سنة 2014 وحدها، تم قتل 4000 مواطنا نيجيريا حسب أرقام منظمة العفو الدولية، والتي تشير إلى أن الجيش هو الآخر متورط في القتل وليس بوكو جرام وحدها.
خطأ فادح آخر، هو تشجيع الجيش النيجري لبعث وحدات الأمن الشعبي والتي عوض أن تكون مجهزة لصد هجومات بوكو حرام في المدن والقرى، أصبحت عيونا للجيش غير مسيطر عليها. ويرى المواطنون أن هذه الوحدات هي سبب توجه بوكو حرام أكثر فأكثر لإيذاء السكان المحليين الأبرياء.
يشير الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس، صاميول نغيبوك أنه "أن صعود بوكو حرام فضح فساد وتفكك الجيش في نيجيريا" لكنه يلاحظ ان بوكو حرام "كانت سببا في مزيد من الفساد، وأنه خلال السنين الأخيرة لم يعد هناك احترام للهرمية العسكرية".
ويرى مارك انطوان بيروز الباحث المتخصص في الشأن النجيري في معهد بحوث التنمية في باريس أن "الرئيس الحالي غودلوك جوناتان لا يملك سلطة قوية على رئيس أركان الجيش النيجيري، ورئيس الأركان لا يملك سلطة على الوحدات العسكرية التي تتحرك فوق الأرض".
وهو يشير إلى شهادات العديد من كبار ضباط الجيش النيجيري الذين فروا من القتال وكشفوا جزءا مما يدور في ميادين المعارك. كلهم اكدوا على أن مصدر التجهيز الأول لتنظيم بوكو حرام هو مخازن أسلحة الجيش النيجيري. كما تشير تقارير ديبلوماسية بأنه لا يستبعد أن يكون ثمة مسؤولون سامون في الجيش النيجيري يزوّدون بوكو حرام بتحركات ومخططات القوات العسكرية. كما جاء في هذه التقارير أن المعلومات التي تصل إلى قاعة العمليات في أبودجا لا تقدم للضباط الميدانيين وانما يستعملها الكبار المسؤولون لصالحهم.
وكانت الولايات المتحدة ثد دخلت مع نيجريا في اتفاقيات تدريب لوحدات من الجيش النيجيري على قتال الارهابيين، غير ان إرادة الرئيس باراك أوباما قررت ابطال الاتفاق بنهاية السنة المنقضية نظرا لشبهات الفساد وعدم امكانية دخول قوات أممية في ظل الوضع داخل الجيش النيجيري.
وبالنسبة لفرنسا، مثلها مثل بريطانيا، فإن التعاون مع الجيش النيجيري يتم أساسا عبر تبادل المعلومات الاستخباراتية. ولم تشر فرنسا لأي نية لدخول قواتها التراب النيجيري رغم أن قواتها منتشرة في كل الدول المجاورة لنيجيريا في إطار عملية برخان.