تتواصل حالة التردي الأمني في مدن جنوب ليبيا، في ظل إستمرار المخاطر التي تشكلها العصابات الأجنية والتنظيمات الإرهابية التي تستمر في هجماتها الدموية والتي كان آخرها هجوم تبناه تنظيم داعش الإرهابي على مركز للشرطة في بلدة تازربو النائية شمالي الكُفرة، أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى وخطف آخرين. 

وعلاوة على العناصر الإرهابية، تشهد منطقة الجنوب الليبي إنتشارا كبيرا للعصابات الأجنبية التي تمتهن النهب والخطف والتهريب، مستغلة حالة الفوضى والانقسامات، لإقامة قواعد خلفية لها في جنوب البلاد، تنطلق منها لتنفيذ عمليات تهريب وأنشطة إجراميّة أخرى. وحسب تقرير سابق لخبراء في الأمم المتحدة، تسعى هذه المجموعات إلى "تعزيز وجودها في ليبيا لأهداف تخدم مصالحها". وتستفيد هذه المجموعات من حدود غير مضبوطة ومن دعم مجموعات وقبائل تعيش في المناطق الحدودية بين الدول الثلاث. 

تحرك الجيش

ويتحرك الجيش الليبي لتطهير جنوب ليبيا من العصابات والجماعات المسلحة الوافدة من خارج البلاد، وقال المتحدث باسم القيادة العامة للجيش الليبي العميد أحمد المسماري، الثلاثاء 27 نوفمبر، إن الجيش تمكن من الوصول إلى المركز الرئيسي الذي تنطلق منه العصابات الإرهابية في جنوب البلاد. 

وأضاف خلال حديثه لبرنامج 150 دقيقه الذي بثته قناة ليبيا، أن القوات المسلحة اكتشفت ظاهرة إجرامية جديدة على الساحة الليبية ، تتمثل بتأمين طرق التهريب للجماعات والعصابات الإجرمية ، حيث تم القضاء على تلك الطرق، وتعزيز التواجد الأمني والعسكري فيها. وأشار إلى أن العصابات والقوى المهاجمة المتواجدة في الجنوب ووسط الصحراء الليبية تمتلك قرابة 10 فصائل مسلحة، مستأجرة مستعدة لتنفيذ ما يملى عليهم مقابل دفع الأموال لهم، ومعظمهم من تشاد والسودان والنيجر. 

وبيّن الناطق المسماري، أن القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ضبطت خلال الاشتباكات التي تمت عقب هجوم تازربو صهاريج لتهريب الوقود ، وأعلن أن الجيش أوقع العديد من القتلى في صفوف الإرهابيين، مضيفا أنهم قاموا بتشكيل كتيبة خاصة لحماية تازربو والمناطق المحيطة بها. 

وأطلق قائد الجيش الليبي، خليفة حفتر، عملية عسكرية جديدة، لتطهير جنوب ليبيا من العصابات والجماعات المسلحة الوافدة من خارج البلاد، بعد أن أصبحت تسيطر على أغلب منافذ التهريب وتختطف المواطنين وتبتز أهاليهم، لكن المهمة مازالت صعبة في ظل نقص الإمكانيات. 

وسبق للعميد أحمد المسماري، المتحدث الرسمي باسم الجيش، أن شدد على ضرورة رفع الحظر عن تسليح الجيش الليبي حتى يتمكن من الإسراع في مهمته للقضاء على العصابات المسلحة التي تخترق الحدود، وتثير الفوضى في الجنوب. وقال إن "الجنوب بات عرضة لعدد من المجموعات المسلحة القادمة من وراء الحدود، ولعصابات إجرامية أخرى. . . دخلوا حين وجدوا أرضاً مفتوحة ومستباحة. وانتشر خطف المواطنين، والابتزاز، وطلب الفدى". 

المصالحة

وفي غضون ذلك، قال وكيل ديوان وزارة الداخلية الليبية فى مدن الجنوب، العميد أحمد بركة، أن الجنوب الليبى بحاجة إلى مصالحة وطنية بين القبائل القاطنة فيه. وأكد بركة فى كلمة ألقاها خلال حفل اجتماعى فى مدينة بنغازى الليبية ان المصالحة الوطنية بين قبائل الجنوب هى وحدها التى تمكن اللليبيين من القضاء على الارهاب الموجود فيه، مشيرا إلى استمرار الصراع القبلي في مدن الجنوب الليبي. 

وأوضح بركة أن القيادة العامة للجيش الليبي قد شكلت ست مناطق عسكرية فقط بالجنوب الليبي وكذلك رئيس مجلس النواب الليبي الذي أرسل أكثر من وفد للجنوب الليبي أما رئيس الحكومة الليبية المؤقتة فقد خصص 200 مليون دينار ليبي للمصالحة في الجنوب الليبي. 

ونوه بركة خلال كلمته"أن الخلل في الجنوب لا يتمثل في الحكومات بل هو في تناحر قبائل الجنوب الأربعة والتي يعد هو السبب الرئيسي في المشاكل الدائرة فيه وسببا رئيسيا لدخول الارهاب إلى هذه المنطقة وما جرى في مناطق الجنوب الليبي من اعمال اجرامية". 

وناشد وكيل ديوان وزارة الداخلية بالجنوب الليبي حكماء وأعيان ومشائخ القبائل الليبية بضرورة عمل مصالحة بين قبائل الجنوب الليبي لحل هذه الازمات والتخلص من المشاكل. 

ويشهد الجنوب الليبي بين الحين والآخر اشتباكات قبلية، لا سيما أن المنطقة تضم قبائل عربية وغير عربية كالطوارق وأمازيغ الصحراء، بالإضافة إلى التبو الذين يعيشون في جنوب شرق ليبيا وشمال النيجر وشمال تشاد. 

وكانت إيطاليا، قد رعت في أبريل 2017، توقيع اتفاق مصالحة بين قبيلتي التبو وأولاد سليمان في روما، ونص الاتفاق على الصلح الشامل والدائم، وتعويض المتضررين من الطرفين، على أن تتكفل إيطاليا بدفع قيمته. كما نص الاتفاق على "معاملة الذين سقطوا من الطرفين معاملة متساوية واعتبارهم شهداء" إضافة إلى رفع الغطاء عن المجرمين". ورغم توقيع الاتفاق، فإن الإشتباكات لم تتوقف بين الطرفين. 

دعم دولي

معاناة سكان الجنوب لا تنتهي عند انعدام الأمن وانتشار العصابات، وإنما أيضا انعدام الخدمات وغياب أدني متطلباتهم، وذلك رغم كون إقليم فزان أغنى أقاليم ليبيا، حيث يحتوي على كميات كبيرة من المياه والذهب والمعادن النفيسة والغاز وغيرها. ودفعت هذه المعاناة إلى ظهور حراك يسمى بـ "غضب فزان"، الذي لوح بإيقاف ضخ النفط في محاولة للفت انتباه السلطات التي تتجاهل مطالبهم برفع التهميش والإقصاء عنهم، وبعد مناشدات عدة من قبل أبناء المنطقة الجنوبية بأن يلتفت المسؤولون إلى الوضع الذي يعيشونه. 

هذه الأوضاع المتردية في الجنوب الليبي، جعلته في الفترة الأخيرة محط اهتمام من عدة أطراف دولية. وآخرها ما جء على لسان نائب المبعوث الأممي في ليبيا للشؤون السياسية ستيفاني وليامز، التي قالت إن الوضع الأمني في الجنوب الليبي متردٍّ ويحتاج إلى دعم دولي. وبينت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في تغريدة لها بموقع تويتر أن ويليامز، أكدت أن سكان الجنوب يعانون من نقص في الخدمات الأساسية وأن هشاشة المنطقة قد تزعزع استقرار ليبيا بكاملها، حسب تعبيرها. 

جاء ذلك في إحاطة للمجتمع الدولي والسفارات في مقري البعثة الأممية في طرابلس وتونس بهدف بحث الوضع في جنوب ليبيا ومناقشة الديناميكيات السياسية والاجتماعية والأمنية وتردي مستوى الخدمات الأساسية والوضع الإنساني في المنطقة ودعم الأمم المتحدة. 

وكان المبعوث الاممي إلى ليبيا غسان سلامة، حث خلال إحاطته أمام مجلس الأمن بداية الشهر الجاري، الدول الأعضاء على دعم السلطات الليبية للتصدي للتواجد الأجنبي. 

وحذر سلامة، من إن الوضع الأمني في الجنوب الليبي أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى مبينا أن الجنوب الليبي يعاني من انهيار تام للخدمات المقدمة للسكان، وارتفاع في مستويات الإرهاب والجريمة، واستشراء للفوضى، إلى جانب استهداف الحقول النفطية ومرافق المياه الأساسية التي تعتمد عليها البلاد، وخطورة الجماعات المسلحة الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية.