يعيش الجنوب الليبي منذ أشهر على وقع التوتر الأمني،في ظل إنتشار عصابات تشادية تمتهن السرقة والخطف والحرابة طلباً للفدية إضافة إلى جماعات إرهابية وجدت في الصحراء الجنوبية ملاذاً أكثر أمناً بعد تضييق الخناق عليها.

وأشاع تنظيم داعش الإرهابي،مؤخرا مناخا من الخوف وخلق ظروفا من الرعب والهلع سواء داخليا أو خارجيا بعد أن استطاع تنفيذ هجمات كان آخرها مجزرة دموية في منطقة الفقهاء،حيث أعدم 4 أشخاص واختطف آخرين، بهجوم واسع شنّه، فجر الاثنين 29 أكتوبر 2018، على هذه البلدة الواقعة جنوب مدينة الجفره، وسط ليبيا.

انتقام ومساومة

وهاجم التنظيم الإرهابي،بواسطة 25 سيارة دفع رباعي، مركز شرطة الفقهاء بمنطقة الجفرة، وأسفرت العملية التي دامت لساعات، عن إضرام النار من المنازل والمركز، وقتل 4 مواطنين، وخطف 10 من شباب المنطقة.وتحدثت تقارير إعلامية عن أن الهجوم كان إنتقاميا وذلك بعد سقوط قيادات إرهابية في المنطقة

وهو ما دعمه التنظيم، الذي تبنى العملية الإرهابية،حيث أرجع سبب هجومه على بلدة الفقهاء، للبحث عن مواطنين وعناصر من الشرطة والجيش ممن وصفهم بـ"المطلوبين"، ردًا على إلقاء الكتيبة "128 مشاة" التابعة للجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر، القبض على القياديين في التنظيم القرقعي والفيتوري، منتصف أكتوبر.

وفي تطور جديد،قالت صحيفة "الشرق الأوسط"،إن التنظيم دخل في مساومة مع المواطنين، الخميس، لإطلاق سراح المخطوفين لديه، مقابل الإفراج عن عناصره.ونقلت الصحيفة عن مسؤول محلي بالجفرة،قوله إن التنظيم بدأ يتواصل معهم فيما يشبه صفقة، لحثهم على التدخل لدى القوات المسلحة للإفراج عن اثنين من مسلحيه، وهم جمعة القرقعي، وعبد الغني الفيتوري، مقابل إطلاق سراح المخطوفين لديه من أبناء البلدة، بعضهم من العسكريين.

وأضاف المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، لأنه غير مخول له التحدث إلى الإعلام، أنهم من جانبهم "أخبروا القيادات الأمنية في المنطقة، بالإشارات التي تلقوها من أفراد التنظيم"، لافتًا إلى أن "المواطنين اطمأنوا على أن أبناءهم ما زالوا على قيد الحياة"، لكن "لديهم تخوفات من غدر التنظيم إذا لم يحصل على ما يريد".

وقبضت الكتيبة "128 مشاة" بقيادة الرائد حسن معتوق الزادمة، والنقيب محمد بونوارة، على القرقعي، والفيتوري، من خلال كمين نُصب بالقرب من منطقة الهروج، بالجنوب الليبي.وجاء في اعترافات القرقعي الأولية حينها، أنه كان يشرف على التحضير لعملية إرهابية تستهدف أحد تمركزات الجيش شرق ليبيا، بسيّارة مفخخة.

ويوصف القرقعي بأنه أمير داعش على بلدة النوفلية والمسؤول عن تموين وإمداد التنظيم، وشارك في أغلب الهجمات الإرهابية التي تعرض لها الجيش الليبي عامي 2017 و2018، وطالت تلك الهجمات البوابات الأمنية الموجودة في مناطق النوفلية ووجلة والجفرة والفقهاء وسرت، كما كان قائد الهجوم على الشركة التركية "أوستايل" للإنشاءات في نهاية يناير 2016، وقام بالمشاركة في ذبح 3 من حرّاسها.

وضع خطير

ولم يغادر تنظيم داعش ليبيا بشكل كامل، رغم أنه طُرد من مدن عدة كان يبسط سيطرته عليها خلال الأعوام السابقة، ومن وقت لآخر تحوم عناصره المسلحة بمركباتها وعتادها، التي تتخذ من الصحراء ملاذات آمنة، قبل أن تنقض على البلدات والبوابة الأمنية، فتوقع قتلى وجرحى، وتغادر.

وعلاوة على العناصر الإرهابية،تشهد منطقة الجنوب الليبي إنتشارا كبيرا للعصابات الأجنبية التي تمتهن النهب والخطف والتهريب،وقال عميد بلدية سبها حامد الخيالي،في أكتوبر الماضي،"إن أهالي الجنوب محاصرون من قبل الأفارقة المسلحين الذين يحمل أغلبيتهم الجنسية التشادية، الذين يعتدون على الممتلكات الشخصية لأهالي المنطقة أو السياح بمختلف أنواع الأسلحة.

واستغلت العصابات الأجنبية حالة الفوضى والانقسامات، لإقامة قواعد خلفية لها في جنوب البلاد، تنطلق منها لتنفيذ عمليات تهريب وأنشطة إجراميّة أخرى.وحسب تقرير سابق لخبراء في الأمم المتحدة،تسعى هذه المجموعات إلى "تعزيز وجودها في ليبيا لأهداف تخدم مصالحها". وتستفيد هذه المجموعات من حدود غير مضبوطة ومن دعم مجموعات وقبائل تعيش في المناطق الحدودية بين الدول الثلاث.

وبات الوضع في الجنوب واحداً من أصعب الملفات المعقدة في ليبيا في ظل حالة الانفلات الأمني التي تهدد كامل البلاد.ودفع هذا المشهد المتأزم بالمبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة،إلى إعتبار أن الوضع الأمني في الجنوب الليبي أصبح أكثر خطورة من أي وقت مضى.

وبين سلامة خلال إحاطته أمام مجلس الأمن،الخميس 08 نوفمبر 2018، أن الجنوب الليبي يعاني من انهيار تام للخدمات المقدمة للسكان، وارتفاع في مستويات الإرهاب والجريمة، واستشراء للفوضى، إلى جانب استهداف الحقول النفطية ومرافق المياه الأساسية التي تعتمد عليها البلاد، وخطورة الجماعات المسلحة الأجنبية الموجودة على الأراضي الليبية، حاثاً الدول الأعضاء على دعم السلطات الليبية للتصدي للتواجد الأجنبي.

وبين سلامة إن الاستياء يزداد عمقاً في الجنوب الذي طالما تم تجاهله وتهميشه، ويستخدم الآن كمسرح للغرباء، مؤكداً تقديم إحاطة محددة إلى المجتمع الدولي لاستعراض الوضع في الجنوب بكل تعقيداته خلال شهر نوفمبر الجاري.

قوات أمنية

وفي تطور جديد،أعلنت وزارة الداخلية في الحكومة الليبية المؤقتة، شرقي البلاد،الخميس 08 نوفمبر 2018، الانتهاء من تجهيز قوات أمنية من أجل بسط الأمن في الجنوب الليبي، مشيرة إلى وجود،عصابات للاتجار بالبشر والهجرة غير المشروعة والسرقة والجريمة المنظمة وتجارة المخدرات، إضافة إلى الإرهاب.

وقال بيان صحفي لوزارة الداخلية في الحكومة الليبية المؤقتة،بأن "هاتين القوتين تم التجهيز لهما بتعليمات من دولة رئيس مجلس وزراء الحكومة الليبية المؤقتة عبد الله الثني، وبالتنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية.

وقال وزير الداخلية الليبي، إبراهيم أبو شناف، إن "مجلس الوزراء قرر تخصيص 100 مليون دينار ليبي لاستتباب الأمن في الجنوب، جرى بها تجهيز أكثر من 100 سيارة دفع رباعي محملة بأحد أنواع الأسلحة المتوسطة وأجهزة الاتصال ذات المدى القصير والطويل"، مضيفا أن "هذه العربات المسلحة زودت بدعم لوجستي متمثل في الأسلحة الخفيفة للأفراد، إضافة إلى سيارات الإسعاف وسيارات نقل الوقود والتموين والذخائر.

ولفت إلى أن "التنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية أثمر في انتداب ضابطين من الجيش من أهل مناطق الجنوب ليكونا على رأس هاتين القوتين، وهما العميد حامد البركولي والمقدم أسامة عثمونة".وأوضح أن هاتين القوتين ستنتشران على طول الحدود الدولية لليبيا مع تشاد والنيجر والسودان ومصر والجزائر، بما لا يسمح بمرور العصابات الوافدة أي كان مصدرها،وكذلك ستحارب مع القوات المسلحة المتواجدة في تلك المنطقة المجموعات الإرهابية وكافة العصابات الإجرامية لأجل فرض الأمن وهيبة الدولة وإحلال القانون.

وأوضح البيان أن "هذه القوات ستتولى البوابات والتمركزات الأمنية على طول الطريق من الجفرة وحتى كامل مناطق ومدن الجنوب لتأمينها ومنع أية اختراقات".وشدد وزير الداخلية الليبي للحكومة المؤقتة على "كافة الأجهزة الأمنية وهاتين القوتين بالاضطلاع بالمهام المنوطة بهم خاصة وأن مسؤولية الأمن تقع على عاتق وزارة الداخلية التي تعمل على حماية ظهر القوات المسلحة".

من جهتها،أعلنت الغرفة الأمنية بالمنطقة الجنوبية عن فتح باب التطوع والالتحاق بالأجهزة الأمنية لبسط الأمن في الجنوب، ومحاربة عصابات الحرابة والاتجار بالبشر والجماعات الإرهابية.وأكد عميد بلدية سبها "حامد الخيالي"، بعد هذا التحرك الأمني، سعيه لتقديم الدعم لمكتب الأهداف الحيوية التابع للإدارة العامة للأمن المركزي، الذي تم تفعيله أخيراً بكل قوة ليساهم هو الآخر في فرض الأمن في المدينة.

ويتحرك أهالي الجنوب لحماية مناطقهم ومدنهم،حيث سبق أن نفذوا نفذوا هجوم مسلح على مقر الشركة الصينية بمنطقة ام الارانب الذي تتواجد فيه العصابات التشادية في 15 سبتمبر الماضي.وافادت مصادر الغرفة الامنية المشتركة سبها، ان الهجوم اسفر عن تحرير عدد كبير من الاشخاص تعرضوا للخطف من قبل هذه العصابات فيما جرح عدة افراد من العصابات التشادية المسلحة.