يعيش الجنوب الليبي منذ سنوات أزمات متتالية، وغيابا شبه تام لمؤسسات الدولة، ناهيك عن الوضع الأمني المتردي، والنقص في كافة مقومات الحياة، حيث ألقت الأزمات بكل ثقلها على سكان المناطق الجنوبية، من عجز عن توفير السيولة وتوقف دائم للكهرباء وخاصة غياب كل مقومات الظروف الصحية الملائمة، تنضاف إلى أزمة انقطاع البنزين وغلاء الأسعار.

أزمة صحيّة


يعاني قطاع الصحة في منطقة الجنوب الليبي من واقع مأساوي، وسط حالة التناسي والإهمال التي تعاني منها منذ سنوات، وفي ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة الأمنية والخدمية. فالفوضى الأمنية هي صاحبة الكلمة العليا في الجنوب، حيث يتصاعد بين حين وآخر توتر أمني بين الجماعات المسلحة في صراع متكرر يهدد حياة المواطنين، علاوة على انتشار العصابات والتنظيمات الارهابية.

وقال مدير المركز الطبي سبها عبد الرحمن عريش في تصريحات صحفية، إن إشكالية الكهرباء أثرت بشكل كبير على أداء المركز، نافيا أي تجاوب من المسؤولين ووزارة الصحة بحكومة الوفاق. وأشار عريش   إلى أن المستشفى يعاني نقصا حادا في الوقود منذ عدة أيام، مبينا أنه اضطر لتوفير الوقود من السوق السوداء بعد تعطل المولد الخاص بمستودع سبها النفطي ، ناهيك عن عطل محطة التحلية التي تعد المحرك الرئيسي لمشغلات غسيل الكلى.

وفضلا عن نقص الأدوية والمستلزمات الطبية، يعاني الجنوب من مغادرة الكوادر الطبية الأجنبية نتيجة الظروف الأمنية والإدارية في الدولة، كما لم تسلم المستشفيات من الاعتداءات، كغيرها من مؤسسات الدولة، سواء على مبانيها أم العاملين بها. ففي الفترة بين 1 أيار/ مايو 2017 و1 أيار/ مايو 2018، سجلت الأمم المتحدة 36 اعتداء على المرافق الطبية أو العاملين في المجال الطبي أو المرضى، رغم أنه من المرجح أن يكون العدد الفعلي أعلى من ذلك بكثير.ومن بين الحوادث التي تذكرها الوثيقة، تعرض مركز سبها الطبي في جنوب ليبيا للقصف أو الإصابة بالرصاص الطائش 15 مرة وذلك بين شهري شباط/ فبراير وأيار/ مايو 2018.

تدهور أمني


ما يزال الجنوب الليبي يعاني تدهورا أمنيا في ظل بطء التحركات الرسمية في الدولة ليزيد  وضع المواطن تعقيدا. ومؤخرًا،أكد رئيس مجلس إدارة منتدى ارتقاء ليبيا للتوعية والتثقيف احمد الفرجاني مقتل مواطن في سبها على يد مجهولين. وقال الفرجاني في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية إن المواطن عبد العظيم صالح امبية قتل،الخميس 13 سبتمبر من هذه السنة، في حي الجديد بمدينة سبها على يد أشخاص ملثمين. وأوضح الفرجاني أنه لا تُعرف إلى الآن أسباب الجريمة والمتورطين فيها. كما اختطف قبل أسابيع من جهاز النهر الصناعي في جنوب ليبيا، أربعة عاملين أجانب بينهم كوري جنوبي وثلاثة فلبينيين، ونشرت صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويرجع متابعون للشأن الليبي تنامي عمليات الاختطاف في بلادهم إلى انتشار المجموعات المسلحة وغياب سلطة القانون هناك، خاصة في الجنوب الليبي حيت تنتشر الميليشيات التشادية والسودانية والنيجيرية والمالية هناك، وتفرض سلطتها على الجميع دون تدخل سلطات البلاد الشرعية.

من أبرز الجبهات التشادية والسودانية والمالية المسلحة الموجودة في الجنوب الليبي: الحركة من أجل الديمقراطية والعدالة في تشاد والقوات الثورية المسلحة من أجل الصحراء وجبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد والمجلس العسكري لإنقاذ الجمهورية وتجمع القوى من أجل التغيير في تشاد، إضافة إلى حركة العدل والمساواة السودانية وحركة تحرير السودان وحركة العدل والتحرير، وحركات المعارضة المالية والنيجرية. ويؤكد الخبير العسكري أحمد باني لأصوات مغاربية، أنه "في حالة انهيار الأنظمة تجد ثقافة الإجرام مكانا لها"، مشيرا إلى أن الجريمة الأكبر الآن في ظل هذه الأوضاع الأمنية "هي التسيب وغياب المسؤول الوطني الشجاع".

إلى جانب الاتجار بالبشر، ازدهرت تجارة الأسلحة والمخدرات والهجرة السرية في الجنوب الليبي، وتدر هذه النشاطات غير القانونية التي تقوم بها الجماعات المسلحة في المنطقة مبالغ مالية معتبرة في منطقة فقيرة لا تملك فيها الدولة القدرات والموارد اللازمة لمكافحتها وحماية سكانها من الأخطار التي تشكلها هذه الأخيرة على أمنها واستقرارها وآمالها المشروعة في التنمية والرفاه.

أطماع خارجية


حذر الجيش الليبي، اليوم الجمعة 29 يونيو/ حزيران، من نية أطراف دولية الوجود عسكريا جنوبي البلاد تحت ذريعة التصدي للهجرة غير الشرعية. وقالت القيادة العامة للجيش، إنه "في الوقت الذي تحرص فيه على إنشاء علاقات وشراكات استراتيجية متوازنة مع كل الأطراف الدولية، بما يحقق المصالح المشتركة بين ليبيا وغيرها من الدول، ترد معلومات عن رغبة بعض الأطراف الدولية بإنشاء وجود عسكري لها في بعض مناطق الجنوب بحجة التصدي للهجرة غير الشرعية". واعتبرت القيادة أن هذا العمل ينتهك بشكل صارخ قواعد القانون الدولي ويمثل اعتداء سافرا على الدولة الليبية وسيادة أراضيها.

في ظل عدم إعلان الجيش بشكل واضح اسم الدولة أو الجهة التي تسعى للوجود عسكريا في الجنوب، بقيت احتمالات مختلفة، بحسب آراء المصادر، التي رجحت مساعي أكثر من جهة على رأسها قوات القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا "الأفريكوم"، وكذلك القوات التابعة للاتحاد الأوربي.