بعد اندلاع الأزمة في العام 2011، سيطر قادة التنظيمات المتشددة على مقاليد الحكم بالبلاد وعلى رأسهم قادة الجماعة الليبية المقاتلة الذين سيطروا على العاصمة سيطرة تامة ونشروا أذرعهم العسكرية في عدة مدن ليبية وذلك تمهيدا للسيطرة على كامل البلاد ضمن مخطط مسبق وبدعم من أطراف خارجية.

وتحت مسمى "المجلس العسكري لطرابلس"، ظهر أمير الجماعة المقاتلة عبدالحكيم بلحاج في محاولة للتغطية على نوايا جماعته الساعية للوصول الى السلطة.وعقب ذلك ارتدى بلحاج ثوب السياسي زعيماً لحزب "الوطن".فيما كانت أذرع جماعته تتمدد لتعلن عن نفسها كشخصيات سياسية كان أبرزها سامي الساعدي مؤسس حزب الأمة الوسط ومعه عبدالوهاب القايد شقيق أبويحيى الليبي، أبرز مساعدي أسامة بن لادن، وعلي السباعي مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة الممثل للمفتي المعزول الصادق الغرياني.

ومع فشلها في أول انتخابات برلمانية عام 2012، سارعت أحزاب المقاتلة، للتحالف مع جماعة الإخوان المسلمين الممثلة في حزب العدالة والبناء.وكانت المقاعد الـ 17 التي تحصل عليها حزب الإخوان المسلمين وخمسة مقاعد لــ"المقاتلة" الممر الآمن لشخصيات جهادية لتولي مناصب رفيعة، كان أبرزها "وكيل وزارة الدفاع" التي تولاها خالد الشريف الذي تدرج في المناصب حتى منصبه "رئيسا لجهاز الحرس الوطني"، محتفظا بذات المهمة وهي الإشراف على "سجن الهضبة" الذي الذي كان مقراً سابقاً للكلية العسكرية.ويعتبر سجن الهضبة ، أحد أكثر السجون سيئة السمعة في العاصمة طرابلس، يقبع خلف أسواره أكثر من ألفين من المعتقلين، جلهم من رموز النظام السابق.

كما تولت زعامات الجماعة المقاتلة مناصب أخرى، كانت أبرزها اللجان الأمنية في الجنوب وفي سرت وفي أجدابيا.وعلى خلاف ما زعمت في 2007 تخليها عن السلاح، فقد بادرت بتنظيم نفسها ضمن مليشيات مسلحة تولاها إسماعيل الصلابي في بنغازي شقيق علي الصلابي المنظر الأول للجماعة والمقيم في العاصمة القطرية الدوحة، وسالم دربي آمر كتيبة شهداء بوسليم في درنة، وعلي التير رئيس اللجنة الأمنية في سرت وغيرهم.

وفي عام 2012، اتخذت الجماعة بشكل غير مباشر تواجدا مسلحا جديدا ممثلا في "جماعة أنصار الشريعة" التي أعلنت رسميا في ابريل عام 2012 في بنغازي بإمرة محمد الزهاوي وعمر المختار المدهوني في صبراتة غرب البلاد، وعلي التير في سرت.ورغم نفي قادة المقاتلة صلتها بجماعة أنصار الشريعة إلا أن الصلة بدت واضحة، فالمدهوني والتير والزهاوي هم من أبرز عناصر "المقاتلة" بلا شك.

وفي سبتمبر من ذات العام، أعلن مجلس الأمن أنصار الشريعة جماعة إرهابية على خلفية تورطها بمقتل السفير الأميركي في بنغازي، ودفع ذلك الجماعة المقاتلة للظهور ضمن أجسام جديدة واتخذت هذه المرة مسمى مجالس شورى المجاهدين في بنغازي ودرنة وصبراتة وسرت وأجدابيا يقودها ذات الأشخاص.

من جهة أخرى، لم تفلح الجماعة في نفي الصلة بداعش، فالعضو والقيادي البازر فيها محمد بوسدرة الذي كان عضوا بالمؤتمر الوطني العام، أعلن لقاءه بــ"شباب الجهاد في سرت" وتفاوضه معه، مقرا بأنه "على صلة طيبة بهم" من أجل التهدئة والانخراط في حوار مع هياكل الدولة، بل برأ بوسدرة، مؤسسي داعش في سرت من تهمة الإرهاب.

وإثر الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش في بنغازي، فرت عناصر الجماعة من بنغازي لتعلن في يونيو من العام الماضي عن تشكيل مسلح جديد تحت اسم "سرايا الدفاع عن بنغازي" وتبعيته الشرعية للمفتي المعزول، وبدا واضحا خروج شخصيات الجماعة في البيان التأسيسي المتلفز كــ"الساعدي النوفلي" الذي ظهر في تسجيل مرئي لاحقا صحبة بلمختار الأعور في أجدابيا، وأحمد الحسناوي القيادي البارز في الجماعة والمعروف بنشاطه في تجنيد المقاتلين ونقلهم إلى سوريا.

ومع نجاح الجيش الليبي في السيطرة لموانئ النفطية في منطقة الهلال النفطي، تغيرت موازين القوى في البلاد، لاسيما وسط الانقسامات التي ضربت ميليشيات "فجر ليبيا"، والتي أشارت إلى بداية نهاية "الجماعة الليبية المقاتلة".وفجر ليبيا تشكلت عام 2014 من تحالف ميليشيات مدينة مصراتة، بعضها موالية لتنظيم الإخوان، والجماعة الليبية المقاتلة وفصائل أخرى.

لكن التحالف الهش الذي جمع هذه الميليشيات بدأ في التفكك إثر إعلان مصراتة انسحابها من عملية "فجر ليبيا" وقبولها بالحوار السياسي في فبراير من عام 2015. وبعد وصول حكومة الوفاق الوطني في العام 2016، والتي تدعمها الأمم المتحدة، اصطفت بعض الميليشيات بالولاء لحكومة الوفاق الوطني، وبقي البعض موالين للمؤتمر المنحل، وكذلك الأفراد والجماعات المتطرفة.

وبعد انتصارات الجيش في بنغازي وأجدابيا وسيطرته على الهلال النفطي، ارتفعت وتيرة الخوف لدى المتشددين في العاصمة طرابلس، فحاولوا تشكيل قوة مشابهة لـ"فجر ليبيا" لتأمين العاصمة التي تعتبر ورقتهم الأخيرة في أي مساومة سياسية.إلا أن محاولتهم باءت بالفشل، فخرج المفتي المعزول، الصادق الغرياني، في لقاءات تلفزيونية، مطالبا بـ"رص الصفوف" لمواجهة الجيش الليبي، إلا أن أغلب الميليشيات رفضت ذلك.

وعقب دخول المجلس الرئاسي طرابلس، في 30 مارس/آذار2016، حيث تحصن في قاعدة أبو ستة البحرية، ظهرت تحالفات وعداوات جديدة في العاصمة، واعتمد المجلس على مجموعة من الجماعات المسلحة في العاصمة بسطت سيطرتها على الأجزاء الوسطى والجنوبية وأجزاء واسعة من غرب طرابلس، وقامت بتهجير الجماعات المسلحة المتنافسة معها تدريجيا خلال سلسلة من الاشتباكات.

وتسارع سقوط مواقع المقاتلة في العاصمة بعد إشتباكات متفرقة، ففي أغسطس 2016، تمكنت كتيبة "ثوار طرابلس"، من السيطرة على مقر الاستخبارات العامة بحي الفرناج، وطردت الكتيبة التي يقودها هيثم التاجوري جميع الموجودين بالمقر، كما سيطرت على مقر البعثات الدراسية المجاور لمقر جهاز الاستخبارات الذي يقوده مصطفى نوح المحسوب على الجماعة الليبيّة المقاتلة.

وفي ديسمبر 2016، سقط مقر ميليشيا ماتسمي "الفرقة السادسة" والتى يقودها المدعو "نعيم الذويبي"، وفرار أغلب عناصرها، وهي القوة التابعة للجماعة الليبية المقاتلة، بيد كتيبة ثوار طرابلس والتى يترأسها "هيثم التاجوري" فى منطقة الظهرة بعد مواجهات عنيفة سقط خلالها عدد من القتلى والجرحى، وسط العاصمة طرابلس.

وفي 26 مايو 2017، سيطرت كتيبة "ثوار طرابلس" على سجن الهضبة، بعد اشتباكات مسلحة مع القوات التابعة للقيادي في الجماعة الليبية المقاتلة المسؤول عن السجن خالد الشريف.وأعقب ذلك، أصدار القائم بأعمال النائب العام في طرابلس الصديق الصور أوامر بالقبض على خالد الشريف وعدد من أعضاء الجبهة الليبية المقاتلة، في ما أعتبرأول إجراء رسمي، ضد أعضاء من الجماعة الإسلامية.

وبحسب المراقبين، فقد جاء هجوم التاجوري على مقار تتبع ميليشيات محسوبة على الجماعة الليبية المقاتلة، في إطار خطوة استباقية لصد محاولة ميليشيات المقاتلة المدعومة من المفتي المقال الصادق الغرياني، للانقلاب على المجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاقية الصخيرات الموقعة في 17 من ديسمبر 2015.

وبالتوازي مع خسارة ميليشيات "الجماعة الليبية المقاتلة" مواقعها في طرابلس، تصاعد الضغط داخليا وخارجيا عليها، ففي يونيو 2017، وضعت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب الليبي قائمة تضم 75 شخصا إرهابيا في ليبيا على علاقة بدولة قطر، طلبت وضعهم على قائمة الإرهاب العربية، من بينهم خالد الشريف، بالإضافة لعدد من أعضاء المؤتمر الوطني السابق البارزين كقيادات وأعضاء بالجماعة الليبية المقاتلة وتنظيم الإخوان المسلمين المقيمين في قطر.إضافة إلى عدد من الكيانات والشركات الليبية المرتبطة بقيادات تنظيمات إرهابية كشركة الأجنحة للطيران التي يملكها أمير الجماعة المقاتلة عبد الحكيم بلحاج.

وسبق ذلك إدراج كل من السعودية ومصر والإمارات و البحرين، لعبد الحكيم بلحاج أمير الجماعة الليبية المقاتلة، في قوائم الإرهاب المحظورة لديها، وذلك في إطار جهود مكافحة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله ونشره.وهو ما إعتبره مراقبون ضربة موجعة لتنظيم المقاتلة تزيد من خسائرها.

وتصاعدت الاتهامات للجاعة بالوقوف وراء اعتداءات ارهابية خارج ليبيا، ومنها تفجير مانشستر.وفي تقرير نشرته جريدة "ذا غارديان" البريطانية ، الأحد 28 مايو 2017، تحدثت فيه عن "الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة" وأفكارها والأيديولوجيات التي تتبعها، وقالت إنها "المرجع الذي اعتمد عليه سلمان العبيدي لتنفيذ هجومه".وتحدثت الجريدة عن شبكة العلاقات بين سلمان العبيدي وعائلته وأعضاء في "الجماعة الليبية المقاتلة"، خاصة أن عددًا كبيرًا من أعضاء الجماعة فروا إلى مدينة مانشستر البريطانية.

من جهة أخرى خسرت الجماعة الليبية المقاتلة أذرعها العسكرية في بنغازي ودرنة وأجدابيا، إثر الانتصارات العسكرية التي حققها الجيش الليبي وتحريره لعدة مناطق في شرق البلاد وجنوبها، وسيطرته على الهلال النفطي، في إطار حربه على التنظيمات الارهابية ودك معاقلها.وأبرز هذه الهزائم جاء مع إعلان تنظيم "أنصارالشريعة"، التابع "للمقاتلة"، حل نفسه بعد أن أقر بشكل غير مباشر بأن الحرب التي شنها ضده الجيش الليبي، في شرق ليبيا، قد أضعفته.

ومع إنحسار تواجدها في عدة مناطق ليبية، علاوة على تشديد الخناق عليها من عدة أطراف داخلية وخارجية، باتت الجماعة الليبية المقاتلة فى وضع صعب.وبعد أن كانت ترنو الى السيطرة على البلاد لم يتبق لها إلا وجود هش في ليبيا، وهو ما يبدو بحسب مراقبين نهاية وشيكة للجماعة التابعة لتنظيم القاعدة.