تناولت دراسة لبرنامج "سمال ارم سيرفاي"، صدرت في شهر فبراير 2014، الوضع في الجنوب الليبي ومختلف التجاذبات القبلية والاثنية التي تؤسس للعلاقات بين مختلف الجماعات المسلحة في المنطقة.

وأبرزت الدراسة أنه توجد العديد من الجماعات المسلحة وشبكات التهريب التي تسيطر على المنطقة الجنوبية لليبيا، وخلافا لما  يروج له ، يبقى التطرف ظاهرة هامشية في الجنوب الغربي لليبيا، على الأقل مقارنة بالصراعات السياسية، حيث أن العداوات بخصوص السيطرة على الحدود وطرق التهريب وحقول النفط والمدن لها أهمية أكبر بكثير.

وتسلط الدراسة الضوء على الجهات الفاعلة الحالية في منطقة جنوب ليبيا، من خلال مقابلات مع شخصيات سياسية وعسكرية في سبها وأوباري ومرزق خلال شهر سبتمبر 2013 وممثلين عن المجتمعات الليبية الجنوبية في طرابلس وبنغازي ونيامي وأغاديز خلال سنوات 2012، 2013 و2014.

إرث النظام السابق والحرب الأهلية

يظهر إرث القذافي بقوة في جنوب ليبيا، الذي كان أحد معاقل النظام السابق إلى جانب سرت وبني وليد وترهونة، وكانت المجتمعات في المنطقة إحدى مصادر التجنيد الرئيسية لكتائب النظام الأمنية والاستخباراتية، وقد استندت هذه الوحدات بالخصوص على :

-       كتيبة المغاوير، المتمركزة في أوباري وتتكون من مجندين من قبائل الطوارق من أصل مالي ونيجيري.

-       كتيبة طارق بن زياد وتتمركز أيضا في أوباري ويسيطر عليها القذاذفة وأولاد سليمان.

-       كتيبة الفارس متمركزة في أوباري وتتكون من القذاذفة وورفلة وأولاد سليمان والتبو.

-       كتيبة سحبان متمركزة في الغريان ويقودها المقارحة.

وتتكون الكتيبة 32 التي يقودها خميس القذافي من نفس هذه القبائل، ولكن التبو كانوا الاستثناء، فرغم أنهم متواجدون في كتيبة الفارس ، إلا أنهم كانوا مهمشين في الجهاز الأمني والجيش النظامي، حيث كانوا يتمتعون بمناصب ثانوية.

وبينت الدراسة أنه كان لهذا المشهد تبعات هامة. أولا، لأن الجماعات المسيطرة على الجهاز الأمني كانت تسيطر أيضا على تدفق السلع المهربة في جنوب ليبيا والهجرة غير الشرعية وأيضا على بعض الأنشطة الحساسية مثل تهريب المخدرات والأسلحة.

ثانيا، كان الانتداب في الجهاز الأمني يتم بالتوازي مع التلاعب في استخدام المواطنة الليبية ومشاعر الولاء، فمعظم جنود الطوارق من أصل مالي ونيجري قدموا إلى ليبيا في السبعينات والثمانينات، أو ولدوا هناك، وقد وعدت عائلاتهم عدة مرات بالمواطنة الليبية، ولكن منهم لم تكتمل الإجراءات اللازمة.

كما أن أفراد القبائل العربية من مالي والنيجر، بما في ذلك برابيش وترشان ومحاميد تم أيضا انتدابهم كجنود، ولكن على خلاف الطوارق، فقد تم "تبنيهم" كأفراد من قبيلة القذاذفة، وفي نفس الوقت، شجع القذافي أفراد قبائل أولاد سليمان وورفلة والقذاذفة الذين هربوا من ليبيا للجوء إلى النيجر والتشاد خلال الحكم العثماني أو الاستعمار الايطالي للانضمام إلى جهازه الأمني، وقد وعد هؤلاء الرجال بمنحهم مواطنة أو جنسية من الدرجة الثانية كــ"عائدين".

خلال الاحتلال الليبي لمقاطعة أوزو شمال التشاد، تم تجنيد التبو في الجيش الليبي وآلاف الناس من المقاطعة كمواطنين ليبيين، وعندما تخلت ليبيا عن المقاطعة، قررت الحكومة في 1998 أن تجرد هؤلاء التبو من المواطنة الليبية.

ثالثا، ونظرا للاعتماد الكبير للجهاز الأمني على المجتمعات المحلية، بقي معظم إقليم الفزان في أيدي النظام حتى سقوط طرابلس في أغسطس 2011، ومع فقدان سيطرة النظام على البلاد، تحولت الانقسامات القبلية والاثنية التي اعتمد عليها للسيطرة على المنطقة إلى صراع مفتوح، و خلال "تحرير" سبها، قام أولاد سليمان الذين قاتلوا مع القذافي بنهب مقرات القذاذفة، قاطعين بذلك تحالفا قبليا قديما، وقامت جماعات جديدة بالسيطرة على تجارة التهريب، على الحدود الجنوبية.

وبذلك تغيرت التحالفات ، حيث توقف التعاون المبدئي بين قبائل أولاد سليمان والتبو في ما يتعلق بالتهريب بعد فشل صفقة حول الأسلحة، وقد أدى ذلك إلى قتال عنيف في سبها خلال مارس 2012، تسبب في مقتل 147 شخصا، وكان هذا القتال تحولا كبيرا للتحالفات بين الجماعات القبلية المسلحة، حيث تحالفت جماعات التبو مع القذاذفة والطوارق للصمود أمام هجمات أولاد سليمان.

الجماعات المسلحة وعلاقاتها العابرة للحدود

وبينت الدراسة أن العديد من الجماعات المسلحة التي تريد السيطرة على جنوب ليبيا لها تركيبة عابرة للحدود، ورغم ذلك يتركز اهتمامها على السيطرة على مدن أو مناطق معينة، فقط الأكثر القوة منها هي التي تسعى إلى نفوذ على المستوى الوطني

فصائل الطوارق

تم انتداب الطوارق في البداية من قبل القذافي للــ "كتيبة الإسلامية" من مالي والنيجر في أواخر السبعينات، وتم إرسالهم للقتال في لبنان (1981-1982) والتشاد (1986-1987). ورغم أن العديد منهم انضموا إلى حركات التمرد في النيجر ومالي في التسعينات ، إلا أن عددا لا بأس به عاد إلى ليبيا بعد ذلك.

وقد استمر التجنيد في صفوف الطوارق المهاجرين في ليبيا، وكانوا منتشرين في عدة وحدات عسكرية الى حدود سنة 2004، عندما تم تأسيس كتيبة المغاوير في أوباري، وكانت الكتيبة تحت قيادة الجنرال علي كنّا، وهو من الطوارق ومقرب من القذافي، وكان أفراد الكتيبة (3 آلاف) من أصل مالي، وقد انضم معظم الطوارق من الساحل إلى الكتيبة 32، وكانت هاتان الكتيبتان مهمتين بالنسبة للنظام، حيث ساعدتا على قمع الاحتجاجات في طرابلس والقتال على جبهات مصراتة والزنتان.

خلال الأشهر الأخيرة للحرب، انسحب المئات من الطوارق وعادوا إلى مناطقهم الأصلية، متخوفين من انتقام قوات الثورة أو الإقصاء، نظرا لدعواتهم للحصول على المواطنة الليبية، و في أواخر أغسطس 2011، انسحب بضع مئات منهم بقيادة الكولونيل محمد ناجم إلى مالي، وفي شهر أكتوبر الذي يليه، وصل 400 آخرون إلى شمال مالي، وتحت قيادة محمد ناجم، تنظموا لتكوين "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، التي بدأت التمرد في شمال مالي آخرون إلى شمال مالي، وتحت قيادة محمد ناجم، تنظموا لتكوين "الحركة الوطنية لتحرير أزواد"، التي بدأت التمرد في شمال مالي.

ولكن معظم الطوارق من أصل ساحلي بقوا في جنوب ليبيا، وشكل المنسحبون من كتيبة المغاوير أول جماعة مسلحة "ثورية" بعد سقوط طرابلس "كتيبة تاناري"، واعتبر دخول الكتيبة إلى أوباري في سبتمبر 2011 كتحرير لها وأصبحت الكتيبة إحدى أكبر الوحدات في المدينة، وكان أكبرها كتيبة المغاوير- التي أصبح اسمها "كتيبة تاندي"-، التي حافظت على تركيبتها وهيكلتها كوحدة رسمية للجيش الليبي، ووفقا لقائد الكتيبة فإن أغلبية المغاوير الذين هربوا إلى مالي في 2011 عادوا إلى الوحدة، وذكر عدة أسباب لذلك : العائلات التي بقيت في ليبيا، الوضع السياسي في مالي واختفاء التهديدات ضد الطوارق من الساحل.

ويبرز هذا الحركية بين الجماعات المسلحة في أوباري والساحل، فقد سافر الكولونيل ناجم،  بشكل منتظم إلى أوباري في سنوات 2012 و2013، كما أن هناك أيضا علاقات جيدة مع شمال مالي، و في أوائل 2013، سمحت الحكومة النيجرية للجنرال علي كنّا بالعودة إلى جنوب ليبيا، أين كان تحت حماية كتيبته السابقة، وللجنرال كنّا علاقات مقربة بقائد الثوار النيجري السابق اغالي الامبو، الذي جند مقاتلين طوارق لحرب القذافي سنة 2011.

ورغم أن كتائب صغيرة بقيادة طوارق ليبيين تسيطر على مدينة الغات، إلا أن كتائب الطوارق من أصل مالي أو نيجري كونت القوات العسكرية الكبرى بين اوباري وممر سالفادور في النيجر، وخلال العام الأول من سقوط النظام، ضعفت هذه الجماعات بسبب التهميش السياسي والانسحاب المؤقت لإفرادها والحضور المكثف في المنطقة لكتائب من الزنتان، ولكن في سنة 2013، عززت كتائب الطوارق حضورها وسيطرتها على الحدود الجنوبية الغربية.

فصائل التبو

ظهرت جماعات التبو لتصبح إحدى اللاعبين الأساسيين في جنوب ليبيا، غداة "التطهير" السياسي في أوائل التسعينات، حيث كان التبو ممثلين بصفة ضعيفة في الجيش والجهاز الأمني، ولكن نظام القذافي واصل تطوير علاقاته مع جماعات التبو المتمردة في شمال التشاد والنيجر، حتى بعد أن انسحبت قوات القذافي من قطاع اوزو سنة 1994، ورغم أن القذافي عرض الدعم لهذه الجماعات ، إلا أنه أمر أيضا باتفاقات وساطة مع الحكومات التي كانوا يقاتلونها، وخلال فبراير 2011، فعّل النظام علاقاته مع التبو، في محاولة للحصول على قائدين سابقين من القوات الثورية المسلحة للصحراء، فصيلة التبو النيجرية. وقد انسحب أحد هؤلاء وهو بركا سيديمي بعد أن تحصل على سيارات وأسلحة من القذافي. أما باركا وارغو، فقد رفض عرض القذافي، وأصبح في ما بعد أقوى قائد عسكري للتبو في جنوب ليبيا وقائد المجلس العسكري بالمرزوق.

خلال الثورة، اظهر القتال انقسامات اثنية : تعاون التبو مع مدينة الزاوية ومع جماعة صغيرة من أولاد سليمان، وقد تحصل مقاتلو التبو على أسلحتهم بدعم سوداني وعبر السيطرة على قواعد عسكرية ليبيا، ومع سقوط الفزان على يد الثوار، تجمعت الجماعات المسلحة خلف الخطوط الاثنية والقبلية.

بعد سقوط فزان، كان هناك أربع فصائل من التبو في المنطقة:

-       كتيبة الشهيد احمد الشريف، بقياد علي رمضان سيدا

-       كتيبة في منطقة الكفرة، بقيادة عيسى عبد المجيد

-       كتيبة درع الصحراء، بقيادة باركا وارغو

-       كتيبة شهداء أم الأرانب، الناشطة في منطقتي كارتون ومرزوق، بقيادة رمضان لاكي.

وكان سيدا ولاكي ضابطين في الجيش الليبي، في حين خدم وارغو في الجيش الليبي في لبنان والتشاد، أما عبد المجيد فقد خدم الجهاز الأمني الليبي قبل أن يتحول ضد النظام لتأسيس جبهة التبو للتحرير سنة

2007.

منذ أوائل 2012، وسّعت فصائل التبو نفوذها في الفزان وانقسمت إلى جماعات مسلحة صغيرة، وهناك على الأقل أربعة وحدات متمركزة في سبها، وهي تمارس سيطرة على الطرقات المؤدية إلى الحدود التشادية، وغداة الاشتباكات التي اندلعت في مارس 2012 بين التبو وأولاد سليمان، أصبحت المدينة تحت رحمة هدنة ضعيفة، وخلال مارس 2013، فشل اتفاق للسلام في الحصول على دعم من قبل التبو، وفي يناير 2014، اندلعت اشتباكات بين التبو والجماعات المسلحة لأولاد سليمان، وقد قتل خلال الأسبوع الأول فقط 31 شخصا.

من ناحية أخرى، تسيطر جماعات التبو على معظم الحدود الجنوبية وحقول النفط ابتداء من "سرير" إلى "حقل الفيل"، جنوب اوباري، وقد دخلت شركات النفط العالمية في اتفاقات معها لحماية الحقول النفطية، وبالنسبة للعديد من وحدات حرس الحدود، السيطرة على الحدود تعني احتكار تدفق السلع المهربة عبر الحدود، وليستطيع القادة العسكريون الليبيون في الشمال من نشر نفوذهم قاموا بتحالفات مع فصائل التبو عبر مدهم بالسيارات

الكتائب القبلية

وذكرت الدراسة أن "عسكرة" المجتمعات المحلية في الفزان قد تكثفت منذ سقوط نظام القذافي، حيث قام أفراد سابقون في القوات الحكومية بتنظيم أنفسهم في كتائب مسلحة بضوابط قبلية، فقد تم نهب العديد من مستودعات الأسلحة، وظهرت عشرات الجماعات المسلحة في سبها، ومن بين أقواها كتائب قبيلة أولاد سليمان، بقيادة بحر الدين الريفي الشاريدي، الذي مارس تهريب المخدرات تحت سلطة النظام السابق، وهو الآن يسيطر على أكبر مستودعات الأسلحة.

هذا وأصبح العدو الأكبر لأولاد سليمان هم كتائب التبو، كما ظهرت جماعات مسلحة أخرى في منطقة سبها، وهي كتائب لها علاقة بقبائل القذاذفة وورفلة وحزاونة ومحاميد، وقد تحصلت بعض من هذه الجماعات على اعتراف رسمي كحرس للحدود أو وحدات عسكرية، ولكن العديد منها يبقى غير مسيطر عليه، وتسيطر هذه الكتائب على المقرات العمومية والمتاجر والبنوك وبعض الضواحي، وينخرط البعض منها في النشاط الإجرامي.

وعلى غرار التبو والطوارق، للعديد من الكتائب القبلية علاقات بمنطقة الساحل، فقد ركز التجنيد من قبل نظام القذافي على الحساونة وأولاد سليمان من العائدين، وتعتمد قدرة هذه الجماعات على الانخراط في النشاطات الحدودية الآن على الاتفاقات مع الطوارق والتبو الذين يسيطرون على المنطقة الحدودية.

ظهور التطرف

وبينت الدراسة أن تقييم مدى انتشار التطرف في الفزان صعب، فمنذ بداية التدخل الفرنسي في شمال مالي خلال يناير 2013، تحدثت وسائل الإعلام الدولية أن الجنوب الليبي أصبح ملاذا آمنا للمتطرفين الذين هربوا من شمال مالي، وتحدثت أيضا عن مخيمات تدريب و أن المنطقة كلها تقع تحت سيطرة تنظيم "القاعدة"، ولكن هذا الحضور مبالغ فيه من قبل التقارير الإعلامية، حسب الدراسة.

وأضافت أن قدرة الجماعات المتطرفة على التحرك في الفزان بالاعتماد على التحالفات المحلية أمر غير مشكوك فيه، ففي أوائل 2012، أرسلت جماعة "أنصار الشريعة" وحدة من المقاتلين والأسلحة إلى شمال مالي، وكان على الوحدة أن تتحصل على تصريحات بالعبور على نقاط التفتيش في هون وتاما هانت، كما أن الجماعة المسؤولة عن هجوم عين آميناس في الجزائر، قد تجمعت في العوينات (شمال الغات) في ليبيا، وقد تزوج رئيس المجموعة، لمين بن شنب من عائلة من المدينة.

ويؤكد مسؤولون محليون وعسكريون أن المتطرفين من شمال مالي قد استقروا في منطقة اوباري، ويقول قادة كتائب الطوارق انهم لا يستطيعون مواجهة هذه الجماعات دون دعم الحكومة ، نظرا للتهديدات التي تطال عائلاتهم، ويقول قادة من الطوارق الليبيين أنهم لا يستطيعون القيام بأية عمل ضد هذه الجماعات بسبب العلاقات القبلية والعائلية.

واعتبرت الدراسة أن هناك سببا للشك في الحضور الكبير للمتطرفين في الفزان، ويؤكد بعض القادة المحليين أنه لا يوجد مخيمات للتدريب أو عمليات تجنيد، وتخضع هذه العمليات للعلاقات القبلية والاثنية، فمعقل الجهاد السلفي في ليبيا ليس في الفزان وإنما في المدن الساحلية كدرنة وبنغازي وسرت ومصراتة.

كما أن الفاعلين المحليين يحاولون دائما المس من أعدائهم عبر نعتهم بالمتطرفين، وهو ما يقوم به قادة التبو مستعملين "القاعدة" لاتهام أعدائهم من الكتائب المسلحة وإظهار أنفسهم على أنهم الجماعة التي تكافح الجهاديين.

السيطرة على الأراضي

وكمعظم المناطق في ليبيا، انقسمت الفزان إلى عدة مراكز محلية للنفوذ، وتبقى البعض منها تحت سيطرة جماعة مسلحة واحدة، في حين تتصارع على الأخرى عدة جماعات، وبما أن الكتائب المسلحة التي تطالب بالسيطرة مكونة بصفة عامة من قبيلة واحدة أو جماعة اثنية واحدة، فان هذه المطالب تثير دائما الصراعات. على سبيل المثال، في منطقة مرزوق، تظهر هذه الصراعات بين التبو والقبائل العربية، وقد أدت العداوة حول السيطرة على طرق التهريب الى نشاط مسلح يصل الى المناطق الحدودية مع شمال النيجر، علما وأن الطرقات من القترون إلى النيجر والتشاد تسيطر عليها فصائل التبو، في حين تسيطر جماعات الطوارق في اوباري على ممر سالفادور.

وتعد هذه المناطق الأكثر قيمة في الحدود والطرقات ونقاط التفتيش وحقول النفط والقواعد العسكرية ومستودعات الأسلحة، وقد استغلت بعض الجماعات ذلك للضغط من اجل مطالبها، وخلال يونيو 2013، قام حرس المنشآت النفطية المنتمين إلى التبو بإيقاف الإنتاج في حقل الفيل للمطالبة بفرص اكبر للتشغيل للجماعات المحلية، وقد حاول حرس من الزنتان كسر الحصار ولكن تم صدهم من قبل التبو، وهو ما أدى إلى دعم تمركزهم في الحقل النفطي.

وبينت الدراسة أن المصالح التي طورتها هذه الجماعات المسلحة تمثل عائقا أساسيا لمحاولات الدولة فرض سيطرتها على المنطقة، ويؤكد قادة الكتائب المسلحة في المناطق الحدودية أن مراقبة الحدود لن تكون فاعلة إلا إذا تم دعم انخراط الجماعات المحلية في ذلك، وهه يشتكون من عدم الحصول على أية دعم مادي أو غيره من قبل الحكومة، ولكن من غير المؤكد أيضا، حسب الدراسة، أن تغير هذه الجماعات تصرفاتها إذا حصلت على هذا الدعم.

المواطنة

وأبرزت الدراسة أن ارث سياسات القذافي حول منح المواطنة الليبية تمثل إحدى أكبر محاور الصراع في الفزان، فقد أدى ذلك إلى تأجيج الصراعات بين مختلف المجتمعات المحلية، على سبيل المثال، خلال التفاوض حول اتفاق سلام بين التبو في سبها، رفض أولاد سليمان دفع تعويضات مالية للخسائر التي تعرض لها التبو، معتبرين أنهم ليسوا مواطنين ليبيين. وهي مسألة ذات أهمية كبرى، خاصة  وأن الحكومة الانتقالية لعلي زيدان قد بدأت في تطبيق خطة تتعلق ببطاقات الهوية الوطنية من أجل "تنظيف" القطاع العمومي في ما يتعلق بدفع الرواتب.

واعتبرت الدراسة أنه في غياب مقاربة واضحة لمسألة منح المواطنة الليبية، قد يحرم المسار العديد من الناس من حقوقهم، وقد اندلعت الصراعات في أغسطس 2013، عندما أعلنت اللجنة المكلفة بذلك أنها ألغت مليون بطاقة هوية أعطيت للـ "عائدين" التشاديين، الطوارق والتبو. وكرد فعل لذلك، قام قادة كتائب التبو والطوارق بإصدار إعلان مشترك هددوا فيه بالمطالبة بالحكم الذاتي للفزان، وخلال أكتوبر 2013، قام محتجون مسلحون بحصار حقل "الصحراء"، من اجل المطالبة بتسوية وضعية العائلات من الطوارق، وبعد شهرين، تحصلت الحكومة على رفع مؤقت للحصار مع وعود بالنظر في مطالب المحتجين. 

أما قانون العدالة الانتقالية، الذي صدر في ديسمبر 2013، قد يكون مصدرا أهم لمزيد من الصراعات، حسب الدراسة، و تنص المادة 29 من القانون على إلغاء المواطنة الليبية لأية أحد تحصل عليها من اجل أهداف عسكرية أو سياسية، ويشكل هذا تحديا مباشرا للطوارق في اوباري وكذلك "العائدون" العرب في الجيش.

مطالب الحكم الذاتي

 أصبحت مطالب الحكم الذاتي في فزان أعلى خلال سنة 2013، وهي مطالب تحركها صراعات من أجل السيطرة على الأراضي، فبالنسبة لكل جماعة، تعني الفدرالية سيطرتها الذاتية على المنطقة، وهو ما لن يسمح به أعداؤها.

كما أن هذه المطالب بالفدرالية أو بالحكم الذاتي دائما ما تتصل بعناصر من النظام السابق تسعى إلى فصل الجنوب عن النظام السياسي الجديد، وخلال فبراير 2013، طالبت بعض هذه الجماعات علي كنّا بتعيين محافظ عسكري للفزان، وفي سبتمبر 2013،  أعلن ممثلون عن القذاذفة والمقارحة والطوارق واهالي متصلون بالنظام السابق بإعلان الفزان منطقة فدرالية، وقد تم هذا الإعلان دون أي استشارة هذه المجتمعات، وقد تم رفضها بصفة عامة في الجنوب، وقد سعى بعض السياسيين الذين كانوا نافذين تحت نظام القذافي إلى حشد الطوارق من أصل ساحلي للقضية الفدرالية مع وعود بالضغط من اجل حقوقهم في المواطنة الليبية، ولكنها لم تؤت أكلها إلى الآن.

وأوضحت الدراسة أن الفزان هي الآن مسرح لصراعات كبيرة حول أراضيها ومواردها، وتمثل الامتداد المباشر لهذه الصراعات إلى المناطق المجاورة في الهجوم الإرهابي في عين آميناس، إضافة إلى اشتباكات منتظمة حول طرق التهريب على الحدود مع النيجر، ولكن الطابع المتنوع للجماعات يعني أن تأثيرها سيدوم كثيرا في المنطقة.

كما  تبدو الحكومة الليبية مشغولة أكثر بالتطورات في شمال غرب البلاد وشرقها، وهو ما يعكس السلطة المحدودة للحكومة في الجنوب،  وهو ما يعني أن جنوب ليبيا سيبقى مصدرا لعدم الاستقرار في المستقبل الطويل وخطرا متزايدا على الدولة الليبية.