امتدت العمليات الإرهابية إلى مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر، وأدت إلى توقف بث القنوات الفضائية الموجودة فيها لبعض الوقت، وهو ما يشير إلى تنفيذ الجماعات الإرهابية لتهديداتها باستهداف وسائل الإعلام بشكل مباشر.

أكد خبراء أمنيون أن تفجير برجي الكهرباء المغذيين لمدينة الإنتاج الإعلامي، التي تنطلق منها الفضائيات الخاصة في مصر، يعد تحولا استراتيجيا في خطط الجماعات الإرهابية، نحو استهداف الإعلام، ويفرض على الدولة تغيير طريقة مواجهة تلك الجماعات، مطالبين بمزيد من الدقة في متابعة عمليات التأمين الشامل للمؤسسات الحيوية خصوصا الإعلامية منها.

وكان بث الفضائيات الموجودة في مدينة الإنتاج قد انقطع بشكل مفاجئ مساء أمس الأول لمدة ساعة تقريبا، تأثرا بانفجار برجي الكهرباء. وما لبث أن عاد البث تدريجيا فجر الثلاثاء.

ولجأت أغلب القنوات الفضائية إلى “المولدات” الكهربائية للعودة للبث الفضائي، وفقا لما صرّح به أسامة هيكل، رئيس مدينة الإنتاج الإعلامي.

وكشفت أجهزة أمنية أن مجهولين زرعوا 8 قنابل في البرجين اللذين يبعدان حوالي 4 كيلو متر عن المدينة الواقعة بمنطقة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة) بمعدل 4 عبوات ناسفة أسفل كل برج، انفجرت 6 منها، فيما قام خبراء المفرقعات بإبطال مفعول العبوتين المتبقيتين. ما أدى إلى انهيار تام لأحد البرجين، وجزئي للبرج الآخر، وانقطاع الكهرباء داخل المدينة، وبالتالي توقف بث الفضائيات.

 

ورجح مصدر أمني أن الانفجار وراءه عمل إرهابي نفذه شخص لديه علاقة بمدينة الإنتاج الإعلامي، أو الشركة المسؤولة عن الأبراج، لأن “من زرع القنبلة عرّف مكان البرجين المغذين بشكل دقيق على الرغم أنهما يوجدان وسط أكثر من 60 برجا آخر، مسؤولون عن تغذية أماكن أخرى”.

وأوضح هيكل أن سبب تسويد شاشات القنوات الفضائية، يعود إلى انتهاء شحن جهاز "يو بي أس"، والذي يعمل كمولد مؤقت عقب انقطاع التيار الكهربائي.

وتوصلت التحقيقات الأولية، إلى ما اعتبرته أدلة مؤكدة على تورط تنظيم "أجناد مصر" في التفجيرات ردا على مقتل زعيم التنظيم همام محمد عطية، مطلع الشهر الجاري.

وما عزز هذه النتيجة أنها تمت بالطريقة نفسها التي ينتهجها التنظيم في كل عملياته من خلال زرع القنابل وتفجيرها عن بُعد بواسطة الهواتف النقالة، كما أن الهجوم وقع في محافظة الجيزة (المجاورة للقاهرة) وكانت مسرحا لعدد كبير من عمليات التنظيم الإرهابي التي تجاوزت 25 هجوما وتفجيرا، كان أبرزها تفجيرات جامعة القاهرة، بحسب خبراء محليين.

وأكد الخبير الأمني اللواء محمود زاهر لـ“العرب”، أن الأوضاع الأمنية الحالية تتطلب المزيد من الدقة من الشرطة في عمليات التأمين.

ولم يكن التفجير الإرهابي مفاجئا، في ظل حالة العداء الواضحة بين الجماعات الإسلامية والإعلام، التي بلغت حد التهديد بالقتل أحيانا، وهو ما يؤكده ماهر فرغلي الخبير في شؤون الحركات الإسلامية، موضحا أن منفذي العملية يدركون حجم وأهمية مدينة الإنتاج.

وقال فرغلي لـ“العرب” أن جماعة الإخوان استهدفت المدينة من قبل وحاولت عناصر تابعة أو متحالفة معها حصارها أكثر من مرة، كان أبرزها حصار جماعة حازم صلاح أبوإسماعيل للمدينة لعدة أيام إبان حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي، الأمر الذي يشير إلى أن الجماعات المتشددة لن يهدأ لها بال، أملا في أن تربح معركتها مع الفضائيات.

وأشارت وسائل إعلام محلية أن هذه الهجمات الإرهابية تستهدف الأمن القومي المصري من خلال مدينة الإنتاج الإعلامي، لكن اللواء سامح سيف اليزل، الخبير الاستراتيجي، أكد إن استهداف مدينة الإنتاج الإعلامي لا يعني بالضرورة استهداف الإرهابيين للأمن القومي المصري، مشددا على أن ما حدث لن يهدد أمننا القومي.

 

وأشار اليزل، إلى أن مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون هو الأهم بالنسبة للأمن القومي، مؤكدا أن القنوات التلفزيونية المصرية الواقعة في مبنى ماسبيرو هي إحدى القنوات الداعمة لمظهر مصر في العالم.

 

من جهته قال عادل عبدالمنعم، رئيس مجموعة تأمين المعلومات بغرفة صناعة تكنولوجيا المعلومات، في تصريحات صحفية إن ما حدث من استهداف لأبراج الضغط العالي بمدينة الإنتاج الإعلامي ما هو إلا محاولة لهز هيبة الدولة أمام العالم، مشيرا إلى أن استهداف ذلك البرج كان إحدى الرسائل التي يبثها الإرهابيون للعالم في عدم تمكن الأجهزة الأمنية بالدولة من حماية المؤسسات والمنافذ الإعلامية في مصر.

وتابع خبير المعلومات، أن التفجير هدفه ترهيب القائمين في ذلك المكان من الذهاب إلى أعمالهم، مشيرا إلى أن قوات الجيش كانت تحمي مبنى الإذاعة والتلفزيون لأنها الآلة الوحيدة التي تعول عليها الدولة، وتمكن الإرهابيون منها يعني تمكنهم من الدولة بمؤسساتها وأجهزتها الأمنية.

وعن تأثير هذا الهجوم على القنوات التلفزيونية العاملة في المدينة، صرح ألبرت شفيق، رئيس قنوات “ONTv” أن انقطاع البث سيتسبب في خسائر عدة ستدخل القناة فيها وأهمها عدم الإحاطة بالأخبار ومتابعتها بالصورة المثلى التي ينتظرها الجماهير، موضحا أن القناة يعمل بها العديد من البرامج المباشرة، ما يستوجب وجود تيار كهربائي ثابت.

فيما أوضح إيهاب جلال، رئيس قناة النهار، أن القناة ستخسر كثيرا وتتمحور أبرز الخسائر في البرامج المباشرة والمعدات التي تعمل القناة بها، مضيفا أن القناة تنتظر عودة التيار بصورة مستمرة، ومن ثم سيتم الوقوف على آخر الأوضاع بالخسائر.

 

 

*نقلا عن "العرب" اللندنية