رغم أن الأفافاس يبعد عن نفسه شبهة أداء دور “المناول” للسلطة، في إطلاقه مبادرة “الإجماع الوطني” في الجزائر، إلا أن “التقسيم العرفي” غير المعلن، الذي رافق إطلاق الحزب مشاورات ندوة الإجماع، لم يخرج عن وجود مبادرة لمعارضة تقترب من الراديكالية، تحت عنوان “الانتقال الديمقراطي”، وتبنتها “تنسيقية الحريات”، ومبادرة “الإجماع الوطني” القريبة، في الأذهان، من طروحات السلطة، أو هذا ما تتخذه أحزاب سياسية وشخصيات وطنية معنية بالحراك السياسي، كمرجعية في تحديد منقلبها، في: “هل تشارك مع الأفافاس أم مع أحزاب تنسيقية الانتقال الديمقراطي، أم أنها تقف على الحياد؟ بينما تعتبر هذه الأحزاب أن الموقف الذي سترسو عليه، سيعتبر المحدد لموقعها مستقبلا، في وقت صار استشراف الطبقة السياسية، لمستقبلها القريب، ضمن “خارطة جديدة”، يحتمل أن تنتجها التنسيقية أو الأفافاس، أو الفصيلان معا (بالتضاد) عصيا على الذكاء الحزبي.

صعوبة الحسم في أي من المبادرتين أقرب إلى النجاح وأضمن للمستقبل السياسي لأي فصيل، أربكت مواقف بعض الأحزاب السياسية التي لازالت لم تحسم مواقفها، فلما كانت تنسيقية الحريات طارحة لوحدها مبادرة خاصة بها، تعاملت معها الكثير من الأحزاب بأريحية، طالما أنه ليس هناك ما يقابلها من مبادرات مضادة، تضعها في حيرة من أمرها، لكن ميلاد مبادرة “ندوة الإجماع الوطني” أضاف إلى كاهل هذه التشكيلات عبء ضرورة الفصل، وفي أقرب الآجال، في مواقفها، والاختيار بين مبادرة لمعارضة راديكالية تبتغي تغيير النظام، ومبادرة قريبة من السلطة تبتغي التغيير مع النظام، دون الحديث عن قراءات خارج مبدأ “التغيير” فيما يتصل بمبادرة الإجماع الوطني، وأهمها تلك التي قدمها الأرسيدي، أول أمس، من أن المبادرة، المراد منها “ربح الوقت لإعادة بناء توافق داخل النظام”.

وإن كان الحكم على مبادرة الأفافاس بأنها “مبادرة سلطة”، يظل في الوقت الراهن حبيس الأذهان والاجتهادات الفردية، فإن ذلك كان كافيا لاتخاذها “مؤشرا” لدى مريدي التقارب مع السلطة، الذين فتحت شهيتهم عبر فضاء ندوة الإجماع، خاصة بعد إعلان الأفالان المشاركة فيها، ثم ترحيب الأرندي، مبدئيا، بها.

وبعيدا عن الاجتهاد بخصوص خلفية مبادرة حزب الدا الحسين، فإن الأخيرة خلقت ارتباكا حتى داخل أحزاب ذاتها، شبيها بالارتباك الذي أحدثته مشاورات مدير ديوان الرئيس بوتفليقة حول مراجعة الدستور، شهر جوان الفارط، من حيث أحدثت مبادرة الأفافاس فتنة داخل “حركة مجتمع السلم”، بالتحاق كل من رئيسها السابق أبو جرة سلطاني، ورئيس مجلس شوراه، عبد الرحمن سعيدي، بمقر الأفافاس لسماع تفاصيل مبادرة الإجماع الوطني، دون استشارة القيادة وعلى رأسها عبد الرزاق مقري، وهكذا “إحراجات” تتكرر مع “حمس” مع كل مبادرة لها رائحة منبعثة من السلطة، مجرد نسمات منها توقع عبد الرزاق مقري الذي انصهر مع المعارضة قلبا وقالبا مع أبو جرة سلطاني، الذي يريد للشعرة التي تربطه بالسلطة أن لا تتقطع بالكامل، ولبس ثوب “الشخصية الوطنية” للتعاطي مع مبادرات أبانت حركته موقفا سبقيا منها، كالذي حدث مع مبادرة الإجماع الوطني.

ومبادرة الأفافاس، ليس فقط أحدثت ما أحدثته داخل بيت المرحوم محفوظ نحناح، ولكنها أوقعت “حمس” في جدال بعنوان “لقاء ملغى” بين عبد الرزاق مقري وعمار سعداني، الأمين العام للأفالان، رغم أن الأول كذب تكذيبا قاطعا برمجة هكذا لقاء، والثاني الذي أوضح في بيان له أن لقاء كان مرتقبا السبت بين الرجلين وجرى تأجيله إلى وقت لاحق، وفقا لصحيفة الخبر.