عماد ياسين-بوابة إفريقيا-

إنتقل هاجس الحدود  لدى السلطات  الجزائر ية  على مدار سنوات  قليلة  من حدود ها  الغربية  مع المغرب  الممتدة على  طول  1740 كلم  ، إلى  إمتداد أكبر و اوسع  و أخطر على الإطلاق  على   حدودها الجنوبية   الشرقية  مع مالي  و النيجر و ليبيا و تونس على إمتداد  4272 كلم  اي  أكثر من ضعفي  هاجسها السابق مع المغرب  ،  ولكن أيضاً  بتحديات أكبر  خاصة مع  ليبيا  ودول الساحل الإفريقي وعلى راسها مالي ....

الحدود الجزائرية  المغربية ....توتر مستمر  مند إستقلال البلدين

مثلت  مسألة  تأمين  الحدود الجزائرية مع المغرب  منذ إستقلال البلدين وخصوصاً بعد حرب الرمال  تحدياً  للسلطات الجزائرية    مثلما السلطات المغربية ،  بالنظر لكثرة شبكات التهريب  و الجريمة المنظمة بكامل أشكالها  ، و لكن  ايضاً  بسبب أزمة الثقة الموجودة بين سلطات البلدين لإعتبارات عدة  من بينها أزمة الصحراء الغربية  التي حالت في النهاية لعدم تمكن الجانبين من  رفع مستويات التعاون إلى درجات عليا ، وتَجَسد هذا الوضع في غياب  وزير خارجية الجزائر مؤخرا عن مؤتمر دولي للتنسيق و التعاون الإقليمي لأمن الحدود الدي نُظم  في المغرب قبل أشهر قليلة.....

لكن رغم  هذا  تقول  مصادر  أن التنسيق الأمني بين الجزائر والمغرب  لم يتوقف رغم برودة العلاقة خاصة في إطار مكافحة الإرهاب،  وتؤكد أنه بقي متواصلاً  لأكثر من عشر سنوات، ولم يتأثر بالأزمات التي تشهدها العلاقات بين البلدين بصفة مستمرة.

فعام 2002 أشرفت الولايات المتحدة  على إتفاق سري بين الجزائر والمغرب؛ لتبادل المعلومات الامنية في اطار الحرب الدولية على الإرهاب التي أعلنتها الإدارة الأمريكية بعد هجمات 11 سبتمبر 2001،

ودشن البلدان في العام نفسه جهودا معتبرة في تبادل المعلومات الأمنية، خاصة حول التنظيمات السلفية الجهادية و تبادل قوائم المشتبه فيهم بالإنتماء لمنظمات سلفية جهادية، وقدم كل طرف للآخر  حسب تقارير   ما يملك من معلومات حول الجماعات المتطرفة لدى الطرف الثاني، وتم كل هذا بضغط من إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش.

بلغ التنسيق بين الجزائر والمغرب أعلى مستوى له بعد تفجيرات الدار البيضاء في ماي 2003، وفي مراحل أخرى أهمها الإعلان عن انضمام الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر لتنظيم القاعدة وتسميتها باسم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2006، و أيضاَ  أثناء العملية العسكرية الفرنسية بداية العام 2013 لطرد الجماعات الجهادية من شمال مالي  رغم إختلاف الرؤى بين الجانبين حيث دعمت  المغرب صراحة التدخل بينما رفضته الجزائر ...

وبينما بقيت الحدود الجزائرية المغربية  مستقرة نسبيا أمنيا عدا سيطرة ظاهرة التهريب و الهجرة غير القانونية  حيث تحولت المنطقة إلى بوابة نحو أوروبا  ،  باتت الحدود مع مالي أكبر هاجس أمني للسلطات الجزائرية على الإطلاق..

مالي ...جهاديون ،و قوات أجنبية ، وحدود مغلقة

رغم رفض الجزائر للحل العسكري في شمال مالي ، شنت  باريس مدعومة  بقرار مجلس الامن الدولي حربها  ضد الجماعات المتطرفة  في يناير 2013  خاصة على مناطق  غاو وكيدال وتومبوكتو  حيث سيطرت  مختلف الفصائل المسلحة على المنطقة  و أخرجت القوات المالية منها منذ الإنقلاب على الرئيس المالي  أمادو توماني توري ..

باتت الحدود مع مالي  مصدر قلق كبير  وبؤرة توتر حقيقية  بالنسبة للجزائر   لسبب رئيسي وهو إنهيار الدولة في مالي ، و تزامن التدخل الفرنسي في شمال مالي مع أخطر عملية إرهابية تتعرض لها الجزائر على الإطلاق  في حقل غاز تغنتورين  جنوباً ، حيث هاجمت جماعات مسلحة  الحقل و إختطفت 685 عاملا جزائريا و 107 عمال أجانب ، و إنتهت بعد  تدخل القوات الخاصة الجزائرية بالقضاء على 32 مسلحاً و قُتل فيها في المقابل 23 شخصاً من بينهم أجانب ...

شكل الهجوم علامة فاصلة  في مواقف  الجزائر من التدخل العسكري  خاصة و أنها شعرت بالخيانة من حركات مسلحة مالية كانت تتعاون معها  سرا  من قبل  لإيجاد  مخرج للأزمة هناك خاصة حركة أنصار الدين...

نشر ت الجزائر أكثر من 5000 جندي إضافي على حدودها مع مالي ، قبل أن تقرر غلق الحدود مع مالي و النيجر على خلفية تدهور الأوضاع في مناطقها الحدودية  ، حيث كثف الجيش الجزائري دوريات المراقبة البرية والجوية، وضاعف عدد نقاط المراقبة ،و عزز حرس الحدود بنشر حوالي ألفي عنصر من الدرك ونحو ثلاثة آلاف عسكري إضافي.....

لكن ورغم كامل التعزيزات الامنية الجزائرية ، لاتزال الحدود المالية واحدة من أخطر الجبهات  على أمن الجزائر ، حيث تبنت حركة التوحيد و الجهاد عملية الهجوم على قيادة الدرك الجزائري في محافظة ورقلة البعيدة  نسبيا عن الحدود في 30 جوان 2012  وهو مؤشر أقلق بشدة السلطات الجزائرية ، مثلما بات يقلقها ايضاً انتشار السلاح  في ليبيا  وسيطرة الميليشيات  بعد سقوط القدافي ...

فالفوضى  الامنية التي عرفتها  حدود ليبيا مع الجزائر منذ سقوط القدافي لم تختلف كثيرا عما عاشته من قبلها  منطقة شمال مالي  ،  حيث عرفت إنتشارا  للسلاح  و  لجماعات التهريب بكل أنواعها  ، والمرتبطة خصوصاً بالجماعات الإرهابية التي تتبادل الخدمات ، فالاخيرة توفر  الامن  و الأولى توفر  مصادر التمويل  ، وهو وضع و إن توسع جغرافياً فللسطات الأمنية الجزائرية خبرة سابقة في التعاطي معه من خلال  الحرب على الإرهاب مند بداية تسعينيات القرن الماضي

14 فصيلا مسلحاً يسيطرون على  حدود ليبيا مع الجزائر

رغم أن السلطات الجزائرية قررت قبل اشهر  وقف تنسيقها الأمني مع السلطات الأمنية الليبيبة بسبب سيطرة الميليشيات المسلحة على المناطق الحدودية الليبية مع الجزائر ، إلا أن زيارة رئيس وزراء الجزائر  عبد المالك سلال إلى ليبيا فتحت  صفحة جديدة  من التعاون بين سلطات البلدين التي عرفت فتوراً كبيراً بعد سقوط القدافي ، و إتهام الثوار الليبيين للجزائر بوقوفها ضد الثورة  خاصة و انها فتحت أبوابها لعائلة القدافي للإقامة هناك...

تتخوف السلطات الجزائرية من إنتشار السلاح بكميات مرعبة داخل الاراضي الليبية ، ومن خطورة وصولها  للجماعات المتشددة خاصة  مقاتلي القاعدة  داخل الجزائر ، فالتقارير تتحدث عن إنتشار 40 مليون قطعة سلاح في ليبيا  لم تتمكن سلطات مابعد الثورة من التحكم فيها و إسترجاعها  أو حتى بسط سيطرتها على الميليشيات التي باتت تسيطر على البلاد ...

منذ أشهر ، تواصل القوات الجزائرية  تمشيطها للمناطق الحدودية مع ليبيا  خاصة بعد  حجز كميات كبيرة من السلاح القادمة  من ليبيا  بولاية أليزي الحدودية  شهر فبراير الماضي تتضمن صواريخ و قذائف أربيجي ، و بعدها  حُجزت  اسلحة في ولاية سوق أهراس البعيدة نسبياً  أيضاً عن الحدود كانت وجهتها  نحو عناصر إسلامية متشددة في  جبال تيزي وزو حيث تنتشر بقايا القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي...

الوضع في ليبيا ، خاصة مع رفض الميليشيات تسليم اسلحتها للسلطات  ، بات يؤرق فعلا السلطات الجزائر ، فمنذ عودة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة من رحلة العلاج في فرنسا، إلتقى رسمياً ثلاث مرات نائب وزير الدفاع  الدي قدم له تقارير أمنية حول الوضع على الحدود  ..

نشر الجيش  الجزائري أكثر من 7 آلاف جندي على الحدود المشتركة مع ليبيا لمنع تهريب أسلحة من ثكنات ومعسكرات الجيش الليبي بالإضافة لمنع تسلل عناصر إرهابية.

 وكانت صحف جزائرية   كشفت أن نشر القوات الاضافية جاء ضمن مخطط أمني جديد بدأت هيئة أركان الجيش في تنفيذه لتشديد المراقبة على الحدود المشتركة مع ليبيا ،
يتضمن المخطط مراقبة جوية للصحراء الواقعة في غرب مدن "ساردالاس وجات" في أقصى  الجنوب الغربي الليبي .

مطالبة قيادة أركان الجيش الجزائري بتدعيم الانتشار العسكري على الحدود،  تعود لورود معلومات استخباراتية أفادت عن وجود عناصر مسلحة في تلك المناطق تنتمي لتنظيم «المرابطون» الذي شُكِّل أخيراً إثر تحالف كتيبة «الموقعون بالدم» و «حركة الجهاد والتوحيد في غرب إفريقيا» وكلاهما مرتبط إيديولوجياً بتنظيم «القاعدة>>

وتخشى الحكومة الجزائرية من وجود «متعاونين» مع تنظيمات إرهابية مثل «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» ضمن ميليشيات الثوار السابقين في ليبيا، الأمر الذي يبرر قرارها بوقف التعاون الأمني مع القطاعات الأمنية الحدودية مع ليبيا التي يسيطر عليها مسلحون غير نظاميين.

الواقع في ليبيا ، لم يعد يهدد الحدود الجزائرية  فقط و إنما حتى التونسية شمالاً ، حيث لاتزال كميات السلاح الليبي  تتسرب إلى تونس  مع هشاشة الأوضاع الأمنية و السياسية بعد الثورة التي اسقطت زين العابدين بن علي في يناير 2011

فالخبير الأمني الجزائري علي زاوي يقول في تصريح لإحدى الوكالات أن ما يحدث في ليبيا من تدهور امني خطير  هو مرتبط بتعليمات و توجيهات من قيادة تنظيم القاعدة الدولي،  استعدادا لنقل الفوضى إلى تونس و مصر و الجزائر، موضحا أن الوضع بات خطيرا في المنطقة بعد إحصاء 700 ألف عنصر مسلّح في ليبيا، و 40 مليون قطعة سلاح منتشرة .

و يضيف علي زاوي أن من يسيطر على هذا العدد الضخم من قطع الأسلحة  هي ميليشيات إرهابية لها علاقة بتنظيم القاعدة، مثل حركة “المرابطون”، و أنصار الشريعة الليبية والتونسية، و القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي و غيرها، و أن اغلب العناصر والقيادات الإرهابية من ذوي الخبرة، فروا من مالي و الجزائر و تونس و آخرين عادوا من سوريا وهو ما باتت تتخوف منه السلطات الجزائرية  بالنظر لحدودها  الجبلية الصعبة  مع تونس  وليبيا ونقص خبرات الجيش التونسي  في المقابل في  مجال مكافحة الإرهاب و الجريمة

تونس .. هشاشة الدولة تصعب من مهمة مكافحة الإرهاب

عندما وصف أبو عياض زعيم انصار الشريعة التونسية الهجوم على حقل الغاز بتيغنتورين  الجزائرية بالعمل الإرهابي المحمود  ،تأكدت السلطات الجزائرية أنها ستخوض معركة  أمنية على حدودها  طويلة الأمد يقول الصحفي الجزائري  المتخصص في الشأن الأمني محمد جيلالي ،  فلقد بدأت الجزائر  في تعزيز حدودها أمنياً  مع تونس مند  ليلة سقوط بن علي  تخوفاً من وصول حالة الإنفلات الأمني إلى أراضيها .

على مدار ثلاث سنوات تحول مثلث الحدود الجزائرية التونسية الليبية إلى  واحد من اخطر المناطق على الإطلاق ، ليس فقط من حيث إنتشار الجماعات المتشددة و السلاح و إنما ايضاً من حيث  أن المنطقة باتت بؤرة لتجارة المخدرات و الرقيق القادم من إفريقيا  و الهجرة غير القانونية  نحو أوربا  خاصة بإتجاه لامبدوزا الإيطالية..

فصحيفة “وورلد تريبيون” الأمريكية نشرت مؤخراً  تقريرا، عن مواجهة تونس لتنظيم القاعدة، في سعيها للحفاظ على أمن حدودها، حيث أكدت أن تونس بدأت تفقد سيطرتها على الحدود مع ليبيا والجزائر، وأن الحدود أصبحت لخدمة المتمردين الإسلاميين ومهربي المخدرات والأسلحة.

وأضاف التقرير الذي يحمل عنوان “الجهادية والتهريب” بأن هذه الحدود أصبحت للاتجار المتزايد في الحشيش والأسلحة، وهذا يبين تخريب التكفيريين وفساد سلطات الحدود، وأن غياب الأمن سهل عمليات “تنظيم القاعدة” في تونس، كما زاد التهديد من هذه العمليات بعد عودة المقاتلين من الحرب السورية.

وأوضح التقرير أنه في أعقاب الانتفاضة التونسية والحرب الليبية، أعادت عصابات التهريب تنظيم أنفسها، مما يضعف سيطرة تونس على الحدود، وتمهيد الطريق لأكثر أنواع التجارة خطورة، وأضاف الموقع أن تونس أيضا تواجه التمرد في بعض المدن التي انضم فيها التكفيريون للعصابات الإجرامية للتغلب على الشرطة والجيش.

نفس المعطيات كشف عنها رئيس وزراء الجزائر عبد المالك سلال مؤخراً فقط ، عندما إعتبر أن تجارة المخدرات القادمة من بعض دول المنطقة ولم يسميها  باتت تمول الإرهابيين المنتشرين في جبل الشعانبي ، وهي الجماعات  التي تواصل الجزائر الضغط على عناصرها من جانبها  وتزويد السلطات الأمنية التونسية بالدعم اللوجيستي و الإستخباراتي عن تحركات عناصرها  بإعتبار أن الجزائر تمتلك إمكانيات عسكرية تكنولوجية  متطورة تسمح بمراقبة  المنطقة و تحركات الجماعات المتشددة المسلحة المنتشرة في هذه الجبال بالخصوص.

ولمواجهة هذا الوضع  نشر الجيش الجزائري اكثر من 6500 عسكري ضمنهم قوات خاصة لتأمين الحدود مع تونس والقيام بعمليات مع الجيش التونسي في جبل الشعانبي، وكانت وسائل إعلام قد كشفت أن قيادة الجيش نشرت 10 كتائب قوات خاصة ومشاة ودرك، اتخذت مواقع لها بكامل عدتها القتالية مرفوقة بآليات عسكرية، لمواجهة احتمال تسلل الجماعات الإرهابية المسلحة عبر الحدود مع تونس، مضيفة في وقت سابق ان القرار الذي اتخذ من طرف القيادات العسكرية في تونس والجزائر قضى  لأول مرة بقيام الجيشين بعمليات مشتركة للحدود الفاصلة بين البلدين

واقع الحدود الجزائرية مع مختلف جيرانها بات يعكسه حال الحدود المغلقة في كامل الجهات ، فالحدود  مع المغرب مغلقة  لأكثر من 20 عاماً لاسباب سياسية بدأت بأسباب أمنية ، و حدود الجزائر مع النيجر ومالي كذلك مغلقة بعد قرار جزائري  إنفرادي ، أما حدودها مع ليبيا  فبالإضافة إلى أنها مغلقة أيضاً إلا أنها باتت خطرا حقيقياً تجسده صورة نشرتها  إحدى  الصحف الجزائرية قبل ايام لسيطرة جماعات متشددة قريبة من القاعدة على صاروخ سكود طويل المدى  يمكن أن يهدد العاصمة الجزائرية أو حتى التونسية و ربما المصرية  في أي وقت !!!!!!!