تسارعت وتيرة التطورات على صعيد الحزب الحاكم في الجزائر، بشكل يشير إلى بلوغ حدة الصراع بين الأجنحة المتصارعة مرحلتها النهائية، خاصة في ظل انتقال الاحتجاج إلى المبنى المركزي للحزب للمطالبة برحيل عمار سعداني، وبدخول أحد المحسوبين على بوتفليقة السباق استعدادا للاستحواذ على هرم جبهة التحرير.

وذكرت صحيفة العرب حسب مصادر وصفتها بالمطلعة، أن مراكز القوة في قصر المرادية، قررت التخلي عن الرجل الأول في الحزب الحاكم، عمار سعداني، ويجري التحضير لتنحيته من هرم جبهة التحرير الوطني، ليخلفه عضو المكتب السياسي الحالي، الطيب لوح، الذي يشغل منصب وزير العدل في حكومة عبدالمالك سلال.

وأضافت المصادر، أن التصعيد الحاد في لهجة سعداني تجاه خصومه ومعارضيه في مختلف الأجنحة، في الآونة الأخيرة، هي بمثابة “رقصة الديك المذبوح”، مردّها تأكده من تخلي الجهات التي دعمته ووضعته على رأس الحزب في 29 أغسطس 2013، عن دعمه مجددا في حسم الصراعات المتنامية لصالحه، خاصة بعد انضمام الطيب لوح إلى معسكر المعارضين له والمطالبين برحيله.

وشن سعداني، هجوما شرسا على خصومه في تصريحاته الأخيرة، حيث اتهم الأمين العام الأسبق، عبدالعزيز بلخادم، بـ”تحريك مظاهرات الشرطة في غضون الشهر الفارط، من أجل الانقلاب على السلطة”، ووصفه بـ “الخطر الكبير على أمن واستقرار البلاد، وباستعداده لحرق كل شيء من أجل بلوغ رئاسة الجمهورية”، وهي التصريحات التي قابلها بلخادم بالقول: “الصمت أحسنُ ردّ على الأبله”.

وأكدت المصادر أن مراكز القرار في جناح الرئاسة، قررت التخلي عن سعداني، بعد انتهاء أبرز المهام التي أداها بالنيابة عنهم، والمتمثلة في كسر طابو انتقاد دور وأداء جهاز الاستخبارات، وعلى رأسه الفريق محمد مدين (توفيق) الذي ظل يوصف برجل الظل القوي في النظام الجزائري، إلى غاية التغييرات الجذرية والعميقة التي أجراها الرئيس بوتفليقة بعد عودته من رحلته العلاجية إلى فرنسا في صائفة العام الماضي.

وكان سعداني، قد فتح النار على جهاز الاستخبارات مباشرة بعد تنصيبه على رأس الحزب، حيث وجه له ولأول مرة انتقادات لاذعة، واتهمه بالتغلغل في مختلف مؤسسات ومفاصل الدولة، بما فيها الأحزاب السياسية والجمعيات والنقابات ووسائل الإعلام، وحتى بالتقصير في أداء مهامه، مستشهدا في ذلك بحادثة الهجوم الإرهابي على قاعدة تيغنتورين الغازية في مطلع العام الماضي. داعيا إلى تمدين الدولة، وإعادة النظر في دور ومهام جهاز الاستخبارات بشكل يقلص نفوذه في مختلف المؤسسات والهيئات الحكومية.

وأكدت المصادر جدية الدوائر النافذة في الاستغناء عن سعداني، بعدما صار يشكل عبئا على السلطة، بالنظر إلى متاعبه مع الأمن الفرنسي، الذي حقق معه حول تهم رفعت ضده في باريس حول التربّح السريع وتبييض الأموال، وهو الأمر الذي رفعه المحتجون من أعضاء الحزب أمام المقر المركزي خلال الأيام الماضية، والتي اختزلها أحد الشعارات المرفوعة “الجبهة تُسيّر من أريس (منطقة تاريخية بمحافظة باتنة شرق العاصمة) وليس من باريس”.

وقالت المصادر إن السلطة لا تريد الدخول في مأزق دبلوماسي مرتقب مع فرنسا، بالنظر إلى سعيها إلى الحفاظ على مستوى العلاقات الحميمية التي تربطها في الظرف الراهن مع باريس، وعلى المصالح السياسية والاقتصادية الاستراتيجية، وبالتالي فهي ليست مستعدة للتضحية بكل ذلك مقابل “نزوات” شخصية. كما يكون سعداني قد تحول بالنسبة إليها إلى مصدر إزعاج لأجندتها الداخلية، كونه صار يقدم نفسه على أساس “الرجل القوي في السلطة، المطلع والعالم بأدق التفاصيل”.

وتضيف أن تحرك الطيب لوح، المحسوب جغرافيا وسياسيا على جناح الرئاسة، لم يتم من فراغ، بل جاء بعد إيحاءات معينة، يكون قد تلقاها ليكون خلفا لسعداني على رأس الحزب الحاكم، خاصة في ظل التسريبات التي تتحدث عن مغادرته للحكومة في التعديل المنتظر على طاقم عبدالمالك سلال، بين الفينة والأخرى.

وشكل انضمام لوح إلى صفوف المناوئين لسعداني، انتقالا نوعيا في حركة التمرد التي تقودها عدة أجنحة (المنسق الوطني لعبدالرحمن بلعياط، وحركة التقويم والتأصيل لصالح قوجيل، وجناح الأمين العام الأسبق، عبدالعزيز بلخادم)، حيث وصف هؤلاء خطوة لوح بـ”المهمة والحاسمة والمؤكدة على صحة مطالبهم الداعية لرحيل سعداني، بسبب ممارساته المنافية لقوانين ومبادئ حزبهم”.

وقال نائب في البرلمان، من منشطي حركة التمرد على سعداني، للصحيفة إن “الخطوات الأخيرة للأمين العام، المتعلقة بتأسيس محافظات حزبية جديدة، لوضع الموالين له على رأسها، هي القطرة التي أفاضت الكأس، ووسّعت دائرة التمرد الداخلي، حيث يتم الإعداد لعريضة من نواب الحزب وأعضاء اللجنة المركزية تدعو إلى تنحيته، إلى جانب القيام باحتجاجات أمام المقر المركزي للمطالبة بذلك”.

وتابع المتحدث قوله، “من غير المعقول أن يحتفل الحزب بستينية تفجير ثورة التحرير، بينما الرجل الأول غائب عنه، وأين؟، في باريس، هذا يسيء لرمزية وسمعة جبهة التحرير الوطني، التي كسرت كبرياء الأطلسي والآن أمينها العام يتردد عليها أكثر ممّا يتردد على مسقط رأسه”.