ظل تعديل الدستور، الذي بادر به الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، يتزحزح من “أجندة” السلطة من موعد لآخر على الأقل منذ أحداث جانفي 2011، تارة بحجة عدم “التسرع والارتجال”، مثلما جاء في رسالة الرئيس الأخيرة، ومرة بسبب صعوبة تحقيق “التوافق” الغائب في المشاورات التي أجراها مدير الديوان بالرئاسة، أحمد أويحيى، والتي غابت عنها العديد من الأحزاب، وأحيانا جراء الوضعية الصحية للرئيس التي جمدت تعديل الدستور وجرى الصمت حوله.

وشكل هذا التأخير الطويل مصدر قلق وضغط في آن واحد على السلطة، لأن الأنظار في الداخل والخارج تنتظر هذه الوثيقة للحكم من خلالها على نوايا النظام في إجراء الإصلاحات المطلوبة، خصوصا في ظل تصعيد وانتقادات غير مسبوقة لقوى المعارضة التي قد لا ترضى بديلا لمطلبها برئاسيات مسبقة سوى بدستور يفتح الشهية ويحقق “التوافق”، وهو ما يعني أن الكرة في مرمى السلطة.

وحسب صحيفة الخبر، فإن أصعب ما واجه الرئيس بوتفليقة، طيلة عهداته الثلاث، بالإضافة إلى ما فات من الرابعة، صياغة دستور جديد، رغم أن “مراجعة الدستور” ألح عليها ظرف سياسي عصيب عام 2011، حينما فرض الربيع العربي على الرئيس إعلان إصلاحات سياسية، فتم الإفراج عن قوانين عضوية دون دستور جديد، بينما خضع الإفراج للإرجاء المتكرر، بمبررات مختلفة، في كل مرة يفرضها ظرف “غير مناسب”.

هل تكفي طمأنة الرئيس بوتفليقة الداخل والخارج بأنه لم يتراجع عن إصلاح الدستور، الذي وعد به الجزائريين عام 2011، عقب أحداث سميت “أحداث الزيت والسكر؟”، وهل يقتنع هؤلاء الذين طالبوا الرئيس بالإفراج عن وثيقة مراجعة الدستوري بالمبررات التي ساقها، أول أمس، إزاء تأخر الدستور الجديد ومنها تفادي السقوط في المغامرة والعودة إلى سنوات الجحيم؟ الإجابة عن السؤالين تكمن ضمن مسار خطاب تعديل الدستور، منذ أن وصل الرئيس بوتفليقة إلى سدة الحكم، وانتقد عام 99 دستور الرئيس زروال، ثم طبق عليه عمليات تجميلية، على غرار دسترة الأمازيغية عام 2002، بعد أحداث القبائل، ثم التعديل الذي بموجبه رفع القيد عن الفترات الرئاسية عام 2008.

في كلا التعديلين، لم يكن الأمر يحتمل التأجيل، فالأول فرضه تعفن الأوضاع في القبائل، والثاني فرضته الرغبة في خوض العهدة “الثالثة”، وقيل حينها إن تقييد العهدات الرئاسية بفترتين “بدعة أوروبية”، وهناك من قال إنها من إملاءات الخارج. لكن هذه المرة، يظهر بالنسبة للسلطة أنها مرتاحة للإرجاء، طالما أنه ليس هناك ظرف يلح على تبني دستور جديد، أو أن دواعي “إصلاح الدستور” التي كانت مشددة وملحة قبل ثلاثة أعوام قد زالت اليوم، بعد أن تمت زحزحة التعديل “المعمق” بهدف ربح الوقت خلال الربيع العربي، وقد خدمها في ذلك اضطرابات ما بعد هذا الربيع، بعد أن فهم الناس أن “الأمن أولى من الديمقراطية”، بمجرد متابعة عابرة للحاصل في سوريا وليبيا وحتى مصر، رغم النجاح في تونس.

لكن الزحزحة التي تمت وقتئذ، وجدت في طريقها المحطة البوركينابية، من حيث عارض شعب هذا البلد تعديل الدستور من أجل عهدة أخرى للرئيس كومباوري، بينما هناك مساع للمعارضة في البنين، حاليا، للإطاحة بمسعى الرئيس بيني يايي تعديل الدستور من أجل عهدة رئاسية أخرى عام 2016، وكذلك الأمر بالنسبة للكونغو الديمقراطية، حيث تقف المعارضة ضد الرئيس جوزيف كابيلا الساعي لتعديل الدستور لنفس الغرض.

وفي بوروندي، عارضت المعارضة نفس المشروع للرئيس نكورونزيزا، ونفس المسعى تقوم به المعارضة في الكونغو برازافيل الذي يريد رئيسه، دنيس ساسو نغيسو، إضافة عهدة ثالثة على رأس البلاد، أما بالطوغو، فتسعى المعارضة للحد من العهدات الرئاسية بعد اعتزام الرئيس إياديما غناسينغبي، الترشح لعهدة ثالثة. وبالتوازي مع ذلك، وجدت السلطة بالجزائر مبرراتها لإرجاء الدستور الجديد، وهذه المرة عادت لأكثر من عشرية إلى الوراء عندما ربط الرئيس بوتفليقة تأخر “جوهر الإصلاحات” بعدم السقوط في فخ الاضطراب والتريث.
تريث عمر ثلاث سنوات، منذ بدء التفكير الجدي في مراجعة الدستور، لأن الأمر خطر على بال بوتفليقة عام 2006 حينما أكد في خطاب له يوم الرابع من جويلية بوزارة الدفاع الوطني أنه عازم على تعديل الدستور، لكنه لم يفعل.