في الرابع عشر من يناير الماضي ، دخلت ثورة تونس عامها الرابع ، في ظل أسئلة حارقة وحائرة حول مستقبل البلاد في جميع المجالات ،ولا سيما  في المجال الثقافي  الذي يجمع المراقبون على  أنه بات يحظى بفضاء واسع من حرية التعبير التي تبلغ أحيانا حد الفوضى ، مقابل تراجع أدائه شكلا ومضمونا ، كمّا وكيفا ،نتيجة  غياب إستراتيجا ثورية لخدمة الثقافة ودعم المثقف ، وعجز النخب السياسية الجديدة على تعريف الثقافة ودورها ووظيفتها ، إضافة الى محاولة فرض مرجعيات ثقافية جديدة وبديلة ، هدفها القطع مع المرجعيات السابقة ، 

كما إنقسمت الساحة الثقافية الى ثوريين وأزلام ، و إتضح أن الأغلبية الساحقة من رجال الأداب والفنون والإعلام  أضحت تحسب مباشرة أو غير مباشرة على النظام السابق والحزب الحاكم في عهده ، ليس فقط ، من حيث الإنتماء الفكري أو الحزبي أو السياسي ،وإنما حتى من باب الرضاء وعدم المواجهة ، وفي أواخر العام الماضي ، أثار « الكتاب الأسود » الذي نشرته مؤسسة الرئاسة ردود فعل صاخبة ، نددت في أغلبها بما إعتبره البعض محاولة لتصفية الحسابات مع رموز ثقافية وإعلامية وأكاديمية ، ورفع فنانون تونسيون دعاوى قضائية ضد الرئيس منصف مرزوقي ومن تثبت التحقيقات تورطهم في التلاعب بالأرشيف الوطني وإستغلال وثائقه لنشر الكتاب 

وتعرض المبدعون والمثقفون  الى محاولة للتهميش في ظل الحكم الإنتقالي الذي قاده الإسلاميون  لمدة تجاوزت العامين، حيث لم يحدث أن إستقبل الرئيس المرزوقي أو رئيس حكومة الترويكا الأول حمادي الجبالي والثاني علي العريض جموع مثقفي البلاد ،كما الغي اليوم الوطني للثقافة ، وألغيت الجوائز الوطنية في مجالات الإبداع ، وخسر الحقل الموسيقي المهرجان الوطني للأغنية ، وإنحسر الإنتاج السينمائي والمسرحي الجيد لفائدة العروض التجارية ذات التكلفة الإنتاجية البخسة ، وشهدت مهرجانات السينما والمسرح ومعرض الكتاب ضعفا في مستوى الإقبال بسبب فوضى التنظيم التي باتت تصاحب التظاهرات  الثقافية الكبرى ، كما تراجع مستوى التبادل الثقافي مع الدول العربية والأجنبية ، وإتسعت دائرة القرصنة في غياب التفعيل المنهجي لقانون الملكية الفكرية ، كما تعرّضت بعض القطع الأثرية المهمة الى السرقة من المتاحف ، وتواصل الفساد في عدد من مؤسسات الدولة ، وكسدت سوق الإنتاج الفني ، وإختار عدد من المبدعين الإعتزال أو الصمت والإكتفاء بمشاهدة مستجدات الواقع السياسي وتأثيراته على الساحة الثقافية 

وعرفت الساحة الثقافية والإعلامية لمرحلة ما بعد الثورة ملاحقات قضائية لعدد من الفنانين والإعلاميين ، وتعرّض  مثقفون  الى التكفير والى التعنيف من قبل عناصر متطرفة ، ووجد رجال الأدب والفكر والفنانون أنفسهم في مواجهة تيار إسلامي إخواني يحكم وآخر سلفي يراقب ، ولم يتم رصد أي مشروع ثقافي يواكب العصر ويستشرف المستقبل  وينفتح  على العالم ، 

زمن الفوضى 

 ويرى الشاعر والكاتب والإعلامي التونسي عامر بوعزة  أن « الوضع الثقافي بعد ثلاث سنوات من "الثورة" هو الجزء الأكثر عرضة للفوضى في المشهد العام، فالسلطة الحاكمة اليوم تعرف أن الإقصاء الذي طال رموزها سابقا لم يكن صنيعة ممارسة ديكتاتورية فردية بل امتدادا لموقف مجتمعي متضامن رفض الذهاب إلى الماضي، فأضحت تصرفاتها أشبه بالعقاب الجماعي، يتجلى ذلك في إلصاق تميمة العار بكل المثقفين والمبدعين من خارج السياق الثوري والعزوف عن قراءة إرهاصات التمرّد في الإبداعات السابقة»

ويتابع بوعزة «  لقد كان واضحا منذ الأيام الأولى التي تلت سقوط نظام بن علي في يناير 2011 أن رغبة ما في تكييف الوقائع وتأويلها تريد أن يكون ما حدث ثورة فاجأت الثقافة المطمئنة والمثقفين من ذوي الوقار، ثورة صنعها بائع متجول أحرق نفسه في ساحة عامة احتجاجا على الظلم، وألقت هذه الصياغة بظلالها على مجريات الأحداث لاحقا، فتسابق نحاتون لتصميم عربات تشبه عربة البوعزيزي تكريما له وامتدحها شعراء كبار جاءوا لمباركة ما حدث!، وبنسبة الفضل للمهمشين والعاطلين والحشاشين الذين أنجزوا ما لم يقدر عليه المثقف التقليدي بغليونه وعصاه، انتصر فن الراب وسحق معارضيه، وتهاطلت على المكتبات نصوص مرتجلة نشرها كُتاب جدد(!) تصف الثورة وتدّعي تأويلها والكشف عن أسرارها، ووجد فنانون كـثر ضالتهم في الاحتفالات السنوية بعيد الثورة، كما انتشرت بشكل فوضوي إذاعات وتلفزيونات خاصة لم تجد داعيا لانتظار التأشيرة الرسمية وصار لها باع وذراع رغم كونها مخالفة للقانون ولمنطق الدولة. وهذه هي اليوم الموارد الثقافية التي تملأ الفضاء العام وتتجه إلى الجمهور » .

وأما السلطة الجديدة ،حسب بوعزة ، « فلم تقدم في تعاملها مع الثقافة بما هي متن إبداعي مشروعا جديدا، ولم تسع في إيصال صوت الثورة التونسية عبر منجزاتها الإبداعية إلى العالم، ففي كثير من معارض الكتاب العربية لا أثر للكتاب التونسي ولا لوزارة الثقافة. لكن هذا في حد ذاته يعتبر إنجازا محمودا وواقعا مفهوما في ظل تجربة حكم الإسلاميين التي يرى بعض "صقورها" أن كثيرا من أشكال الإبداع المتداولة هي ضرب من الفجور، حتى قولك إن ما حدث كان تصديقا لقول الشاعر: "إذا الشعب يوما أراد الحياة...الخ" سرعان ما يضعك في مواجهة المأزق الكبير في العجز "فلا بدّ أن يستجيب القدر!" ولكن من المهم القول : إن البلاد استطاعت بفضل متانة المجتمع المدني أن تعبر بأخف الأضرار مرحلة الهجوم على ما بقي من قاعات السينما أو الاعتداء على معارض فنية لا تروق للتيارات الأشد تطرفا وظلامية ».

خمول ،،،وإزدهار 

وبحسب كمال العيادي الكاتب والإعلامي التونسي المقيم في القاهرة ، فإن « الثقافة العربيّة  لم تعرف فترة خمول وإزدهار في آن, مثلما هيّ عليه الآن في هذه الفترة العصيبة التي تمرّ بها الأمة العربية فمنذ انطلاق شرارة الثورة من تونس لتسري كماّ النار التي أحرقت الشاب محمّد البوعزيزي في جسد البلدان العربية وساحاتها وشوارعها, عرفت الساحة الثقافية نّقلة نوعية عجيبة في لغة الخطاب الأدبي و السياسي. 

فمن ناحية ، والكلام دائما للعيادي ، نجد أنّ المثقفين أصبحوا يتمتّعون بقدر كبير من الحريّة في التعبير, هذه الحريّة التي أنهت تقريبا مبدأ الإستعارة والترميز والإشارة اللمّاحة, ليصبح الخطاب مباشرا, وبدأنا نعرف ما يسمى بالخطاب النقدي الصريح المُسيّس, بدون رتوش و تلميح أو مقاربة أو مواربة, كما أتّسعت بالمُقابل  رقعة وشريحة المثقفين  بسبب إهتمام الجميع بالسياسة, فأصبحت تجد رجل الشارع العادي الذي لم يكن يدلي برأيه, وهو يجادل بثقة وحماسة في كلّ الشؤون الساسية والإجتماعية ويسوق البراهين والحجج التي تؤيد رأيه. مماّ ولدّ غليانا حقيقيا في كلّ أماكن التجمّعات المعروفة, كالنوادي والمقاهي والساحات العامة والمنابر الإعلامية وغيرها. 

وبالتالي فقد خسرنا الكثير من جهة  من متعة متابعة المقالات  والحوارات المتينة المسبوكة بعناية والتي تنحو صوب الرمز والإيحاء ومعالجة الوضع بألمعية وذكاء بدون أن تُسمي الأشياء بأسمائها بالضرورة. ومقابل ذلك كسبنا فيضا هائلا من الخطاب السياسي المباشر الواعي والناضج بالتجربة والخبرة والممارسة والمتابعة اليومية, وهي خطاب مباشر ولم يعد يتجمّل ولا يتوارى خلف أيّ شكل من المُحسنات والتلطيف الإبداعي. 

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، يردف العيادي « فقد فاجأتنا الثورة في وقت أزدهرت وتعددت فيه إمكانات ومنابر التصريح وإبداء الرأي, فنجد أنّ لكلّ مواطن عربي تقريبا, منبر خاص, عبارة عن موقع للتواصل الإجتماعي عن طريق الصفحات الشخصية بالفيسبوك وتويتر  خاصة, وهذه المنابر تساهم في تثقيف وتكوين سريع ومختص لكلّ من يرغب في ذلك, فيمكن لأيّ كان,  أن يلبيّ كلّ حاجياته المعرفية من خلال مجرّد متابعة سريعة لنشاطات الكتاب والصحافيين والسياسيين والمثقفين من أصدقائه أو أصدقاء أصدقائه النشطاء. وبالتألي فكلّ مهتم أصبح في أمكانه أن يكوّن رأيا ويدعّمه بالحجج والبراهين من خلال الإطلاع السريع على ما يدور من أمور...

ويختم العيادي : قد نختلف, أو نتّفق حول أيّ الفترتين كانت أفضل, ما قبل الثورة أو ما بعدها, لكنني على ثقة, بأنّ هذا التحوّل والفيض في الخطاب واّتساع رقعة المشاركة, سيوّلد بالضرورة حركة أدبية جديدة وأكثر وضوحا وحدّة ونضج ايضا, وقد يستغرق ذلك بعض الوقت, لكننا تعلّمنا من مآثر التاريخ والتجارب الإنسانيّة أنّ الثورات تصاحبها في البداية دائما نوع من التسيّب والإندفاع والحدّة والتقاطع, ولكنها تفرز مع الوقت انتلجينسيا جديدة وواعية ومتعطّشة للجديد ...ولهذه الأسباب فأنا متفائل جداّ لمستقبل الثقافة والمثقف في العالم العربي. 

تحول كبير 

وتعتقد الشاعرة والقاصّة فوزية العكرمي « إنّ من نافلة القول أنّ حال الثقافة بعد الثورة لن يكون كحالها قبل سقوط الديكتاتورية .فقد حقّق المثقفون بسبب  نضالهم المتواصل ومشاركتهم لقوى الشعب في دحر الاستبداد ماكانوا يهفون إليه دوما :الحريّة. تلك القيمة وذلك المجال الذي لا تقوم الحضارات وفنونها بدونه ولكن يبدو أنّ فيض الحرية قد جعل البعض يترنّح ولا يجد الطريق بعد وهو ما يفسر بطء حركة الابداع التي اندفعت إلى مايمكن أن نسميه بفنّ المناسبات وراحت تنفّس عن مخزون الكبت والمنع والحرمان التي عانت منه عقودا طويلة فأغلب الانتاج الثقافي اليوم فإمّا يتغنّى بالثورة فيما يشبه العكاظيات أو يندّد أو يتندّر بالاستبداد الذي مازال ولم يعد يخيف أحدا وهذه المرحلة وإن كانت تجد تبريراتها فإنّها قد تتحوّل إلى عائق يمنع الفنّان من أن يرتاد آفاقا جديدة وأن يفكّر في المجالات التي ماتزال تعاني من قلّة الحرّية وتضرب حولها حجب المنع والتكفير وغيرها ».

 وحول وضع المثقف في تونس بعد ثلاثة أعوام من الثورة وعامين من حكم الإسلاميين ، تقول العكرمي « الأكيد أنّ المثقّف الذي ناضل أيام القمع والاستبداد ينعم اليوم بقدر من الحرّية لم يكن ليحظى به لولا هبّة الشعب التي أطاحت بعروش الاستبداد ولكنّ هذه الحرية مهدّدة لأنّ البُنى الاجتماعية والفكرية المنتجة لذلك الاستبداد مازالت قائمة وهو ما يفسّر أنّ العديد من المثقفين يتعرّضون اليوم إلى مضايقات ومنع وايقافات أمنية أحيانا بحجّة المساس بالمقدّسات أو انتهاك الأعراض وغير ذلك من التهم التي تدلّ على أنّ تبدّل العقليات وانتشار ثقافة الديمقراطية واحترام الاختلاف يحتاج إلى وقت حتّى تصبح حقيقة وإطارا تتعايش فيه الآراء على اختلافها ويبدو أنّ السلوك السياسي لأصحاب السلطة والقرار في مجال الثقافة لم يخرج عن المألوف ولا يبدو أنّه يضع في اعتباره أهمية الثقافة ودورها في تحقيق أهداف الثورة لذلك تتعطّل الكثير من المشاريع الثقافية بحجّة أو بدونها » .

الصراع السياسي والمبدعون 

الشاعر المنصف المزغني الذي تفرّد بنشر قصائد في هجاء الرئيس منصف المرزوقي وإئتلاف الحكم والمجلس الوطني التأسيسي يرى أن « الصراع السياسي في تونس يحتاج إلى مبدعين في الحقل السياسي ولقد علّمنا التاريخ كيف أن بلدانا ثرية كانت تعيسة الحظّ لأنّ حاكمها قادها إلى الفقر والحاجة من خلال ممارسة نزواته، ولنا أمثلة كثيرة في إفريقيا لدول صارت فقيرة وجائعة وهي تنام على كنوز من الثروة الطبيعية ولكنها غارقة في الديون والمشاكل والمآزق. كما رأينا بلدانا فقيرة أو متوسطة الموارد الطبيعية استطاعت أن تنجو من المزالق وتحقق معجزات اقتصادية او ثقافية وغيرها. إنّ الحمق في السياسيّين هو سبب مأساة أكثر الشعوب كما أنّ الحكمة هي العُملة النادرة لدى الساسة وأصحاب القرار.

أما المثقف في هذا الصراع فدوره هو أن يكون مستقلا ولا يمكن أن يكون كذلك إذا كان السياسي يحاصره في رزقه ويقترب من منابع معاشه اليومي. ومن الممكن للمثقف أن يكون مسموعا إذا كانت شخصيته تتعفّف عن مجاملة السياسي وتتخلّى عن الطمع في المنصب لأن المثقّف يتحوّل إلى ماسح ولاحس أحذية في اللحظة التي يفقد فيها بوصلة الفكر » .

ويواصل المزغني قراءته للواقع الثقافي الجديد في تونس بعد ثلاثة أعوام من الثورة مشيرا الى أن «  الإسلاميين أو دُعاة الأدب الإسلامي المفترض وجوده لم ينجبوا شاعرا يُعْتَدّ به ولا روائيا متمكّنا ولا سينمائيا مقتدرا ولا رسّاما فذًّا ولا مسرحيّا لافتا ولا حتى غير لافت لأنهم لا يلتفتون أصلا إلى الحقل الثقافي، فالخصب والجدب في الحقل الثقافي لا يعني لهم شيئا، بل إنّ وزراء الثقافة العرب في بلدان الربيع أو التربيع العربي باتوا لا يناقشون طويلا ميزانيات وزاراتهم ولا يحتجّون على ضمورها إذا تمّ تحويل جزء منها لوزارة الشؤون الدينية مثلا لأنهم مُدرِكون أنّ عليهم النجاة بجلودهم وأنّ مجرد الإبقاء على الوزارة يُعدّ في نظرهم انتصارا ثوريا في عهد الثورة !!!»

ويستنتج المزغني «ان ما سوف نراه لاحقا هو ثقافة وفنون وفكر خارج المؤسسة تعيش يُتْمَها الخاص وتعوّل على اهلها أو تنتزع الدعم المادي المستَحَقَّ من المال العامّ الذي لا بد أن يستفيد منه أهل الإبداع».

ويختم ب« إنّ صراع المثقفين القادم هو من أجل موضع أقدام الثقافة والآداب والفنون، وهنا لابد من دعم ومساندة وزراء ثقافة بلدان الربيع، وهذا الدعم أو هذه المساندة تتمّ عبر الإزعاج المستمرّ لمعالي وزير الثقافة بهدف المطالبة الدائمة بالحقّ في فلاحة الحقل الثقافي »

التصدي لمشروع رهيب 

الشاعر والكاتب والإعلامي محمد الهادي الجزيري بيّن  إنّ « من يكون مشروعه المجتمعي مستهدِفا لكلّ ما هو معرفي ونقديّ وكلّ ما له علاقة بالخلق والإبداع والابتكار والاختلاف والتميّز، لا يستطيع الانتصار للثقافة وإن تظاهر بذلك وجنّد جحافل الأتباع والمرتزقة لدسّ السمّ في الدسم، لا يمكن الحديث عن حركة ثقافيّة في ظلّ حكم الإسلاميين إن كان ذلك في تونس أو غيرها ، لكن ما دمنا نتحدّث عن " حال الثقافة ووضع المثقف في تونس " يمكن القول إنّ الشريحة المبدعة والمثقفة التونسية نجحت في التصدّي للمشروع الرهيب الذي حلم المتأسلمون الجدد بتحقيقه في وطن عليسة ( أو أليسار مؤسسة قرطاج )وابن خلدون والشابي، والذي يرتكز أساسا على تقليص آفاق المعرفة وحصرها في التحصيل العقائدي وبالتالي قطع موارد التزوّد العلمي وشلّ حركة التفكير والبحث وقطع جسور التواصل مع الآخر الذي هو ليس شيطانيّا كما يحرص منتحلو صفات الله على تقديمه لعامة الناس، بل شريك ضروريّ لكلّ مجتمع يرغب في التطوّر الفكريّ والرقيّ الحضاريّ والتفوّق الإبداعيّ،فكلّ كيان منغلق على نفسه يموت مختنقا بأنفاسه الفاسدة.»

ويخلص الجزيري الى القول « إنّ المؤامرة لم تنطل على الشعب التونسي بصفة عامة رغم السبات الذي ألمّ بالثقافة والفنّ جرّاء المحاولات المستميتة لتحويل وجهة المجتمع إلى غياهب الفكر القروسطي وتغيير بنية الفكر وماهية الإنسان"التونسي" إضافة طبعا إلى التضييقات الماديّة وعلى رأسها تقليص ميزانية وزارة الثقافة ودون أن ننسى المداهمات وحملات الترهيب التي استهدفت ما لا يحصى من فضاء ثقافيّ ، لعلّ أبرزها فضاء "العبدليّة " بضاحية المرسى ، ودون أن نسهو عن سجن العديد من المبدعين والصحفيين والفنانين وآخرهم مغنّي الراب " ولد الكانز " ، ومع ذلك لم يمرّوا ولن يمرّوا ، ليس بسبب تحضّر هذا الشعب فقط ، بل لأنّ مشروعهم البائس يستهدف قتل الحياة ، ولا أحد يستطيع الوقوف في وجه الحياة » 

الأمل موجود 

وينظر المخرج السينمائي ناصر القطاري الى أن « السينما التونسية تراجعت خلال الأعوام الثلاثة الماضية ، وقلّت الأفلام الروائية الجيدة في حين كثر عدد الأفلام الوثائقية التي لعبت على وتر الحدث السياسي وحاولت أن تسجّل اللحظة التاريخية دون أن ترتقي الى مستوى أهميتها في أغلب الأحيان » ويضيف أن « تونس اليوم تعيش حالة من فقدان التوازن الثقافي ، ولكن الأمل في المبدع لا بزال موجودا ، كما أن الأمل في المجتمع كان في محلّه ، حيث أثبت التونسيون أنهم قادرون على تجاوز الإمتحانات العسيرة بمالديهم من إرث ثقافي وحضاري أساسه الإعتدال والوسطية والتسامح والقبول بالأخر » 

ومن جهته ، رفض رئيس نقابة المطربين المحترفين مقداد السهيلي المساس بالفنانين التونسيين بتهمة أرتباطهم بالنظام السابق ،وقال « علينا أن نحترم مبدعينا ، ولن نسمح لأي كان بالمساس بهم ، يذهب الساسة ويبٍقي الفنانون ، يرحل الحكّام ويبقى الفن والإبداع ، ورغم محاولات البغض الغمز من قناة هذا الفنان أو ذاك ، فإن الأيام أثبتت أن الشعب لا يزال وفيا لرموزه الفنية والثقافية ، وقد كشف التونسيون عن معدنهم الحقيقي عندما واجهوا بالرفض والإمتعاض والتنديد ، ما جاء في « الكتاب الأسود » الذي سعت من خلاله مؤسسة الرئاسة ، والرئيس المرزوقي وأعوانه ، المساس من قيم فنية تونسية تحظى بإحترام الجميع وعلى كل المستويات كالمطربة الكبيرة نعمة والنجمة صوفية صادق والفنان الراحل صادق ثريا » 

وأشار السهيلي الى أن « من مميزات وإيجابيات المرحلة الحالية أن الفنانين والمثقفين إجتمعوا معا لتحصين مدنية الدولة وحرية الإبداع وللحفاظ على مكانة المبدع رغم مكاولة بعض السياسين نسف تلك المكانة »