أكد خبراء اقتصاديون أن الثورة المنجمية في الجزائر، في طريقها إلى النفاذ بعد الإهمال الكبير الذي تعانيه. حيث لم تستغل لعشرية كاملة من الزمن ولم تستثمر الحكومة الجزائرية في العديد من المناجم التي تسير في طريق الاندثار.

 وتوالت التحذيرات من الوكالة الوطنية الجزائرية للثروة المنجمية، التي دقت ناقوس الخطر، مشددة على الحكومة بضرورة التحرك من أجل إنقاذ هذه المناجم و ما تزخر به من ثروات، قد تحقق للدولة عائدات بآلاف بالملايير إن استغلت كما يجب. وفي نفس السياق أفادت لجنة الشؤون الاقتصادية و التنمية و الصناعة والتخطيط بالبرلمان الجزائري أن تراجع الاستثمار وركود الإنتاج المنجمي الوطني، راجع إلى نقص جهود البحث المنجمي، وغياب التمويل ونفاذ الاحتياطات المنجمية في المكامن المستغلة، إلى جانب غياب الدور المتوقع للرأسمال الخاص في مجال البحث والتنقيب ودعت اللجنة إلى ضرورة استبدال الإطار التشريعي الذي يحكم الأنشطة المنجمية، من أجل تدارك النقائص والاختلالات التي يشهدها قطاع المناجم حاليا، والتي أثرت سلبيا على مردودية الاقتصاد الوطني .

ما دفع بوزارة الطاقة و المناجم، إلى سن قانون جديد يعيد للقطاع المنجمي ولو القليل مما خسره خلال عقد من الزمن والذي قال عنه وزير القطاع يوسف يوسفي أنه سيوجه رسالة قوية للمستثمرين الوطنيين والأجانب مفادها أن الجزائر ستولى عناية حقيقية لمجالها المنجمى، وأنها مستعدة فعلا لبعث القطاع كما أعلن عن شروع الحكومة فى إقامة استثمارات ضخمة في مجال استخراج الحديد والفوسفات وتعزيز قدرات البحث والاستكشاف لرفع احتياطات البلاد من المواد المنجمية بهدف تلبية الطلب المتنامي على المواد والمنتجات المنجمية.

ودخل قانون المناجم الجديد في الجزائر حيز التنفيد مطلع الشهر الجاري بعد صدوره في الجريدة الرسمية رقم 18. وبموجب الأحكام الجديدة التي يتضمنها هذا القانون رقم 14-05 المعدل للقانون المؤرخ في 2001 فإن ممارسة النشاطات المنجمية من بحث أو استغلال تمارس بموجب تراخيص منجمية بعد موافقة الوالي المختص اقليميا مع امكانية التنازل أو تحويل الحقوق والواجبات المترتبة عن الترخيص لاستغلال منجمي.  وقد تم إعادة تعريف التزامات أصحاب التراخيص المنجمية بهدف التسيير والتحكم الأحسن في النشاط ووضع حد للمضاربة على التراخيص المنجمية والتي تنتهي غالبا بتعطيل ترقية المساحات المنجمية الممنوحة. وإن كان ممكنا في قانون المناجم لسنة 2001 ممارسة النشاطات المنجمية من طرف كل المتعاملين دون تمييز في القانون الأساسي أو الجنسية فإن القانون الجديد يضع نظاما عاما وآخر خاصا لممارسة هذه النشاطات.  ففي إطار النظام العام يمكن لكل شركة تخضع للقانون الجزائري و تتمتع بقدرات تقنية ومالية كافية ممارسة نشاطات البحث واستغلال المواد المعدنية أو المتحجرة من غير تلك المصنفة استراتيجية . أما في إطار النظام الخاص فيتم منح التراخيص خصيصا للمؤسسات العمومية الاقتصادية حيث رأس المال تملكه الدولة مباشرة أو غير مباشرة  من أجل ممارسة نشاطات البحث واستغلال المواد المعدنية أو المتحجرة المصنفة استراتيجية مع إمكانية إبرام تعاقد مع الغير في إطار شروط محددة على أن تكون نسبة مشاركة المؤسسة العمومية لا تقل عن 51%.   كما ينص هذا القانون على إعادة هيكلة الوكالة الوطنية للممتلكات المنجمية تحت مسمى "الوكالة الوطنية للنشاطات المنجمية" تكلف بتسيير السجل المنجمي و تسليم و تجديد و تعليق و سحب التراخيص المنجمية و متابعة تنفيذها إضافة إلى مساعدة المستثمرين في تنفيذ نشاطاتهم المنجمية. كما ينص على إعادة هيكلة الوكالة الوطنية للجيولوجيا والمراقبة المنجمية تحت اسم "وكالة المصلحة الجيولوجية للجزائر" لتتكفل بتسيير المنشآت الجيولوجية و المراقبة الإدارية و التقنية للنشاطات المنجمية. و تهدف إعادة هيكلة هاتين الوكالتين إلى تنسيق أحسن و تجنب التداخلات في مهام كل واحدة. ومن جهة أخرى تتضمن الأحكام المالية والجبائية الواردة في هذا القانون تطبيق التشريع الساري المفعول المتعلق بتطوير الاستثمار على الاستثمارات المنجمية الخاصة بالإنشاء وتوسيع الطاقات والتأهيل وإعادة الهيكلة في حين تم إدراج نظام جبائي خاص بنشاطات التنقيب والاستكشاف المنجميين لكون أن القليل من نشاطات البحث المنجمي تكلل باكتشاف يؤدي إلى عملية استغلال. وتعفى نشاطات المنشآت الجيولوجية والتنقيب والاستكشاف المنجميين من الرسم على القيمة المضافة الخاصة بالتجهيزات و المواد والمنتوجات الموجهة مباشرة وبصفة دائمة للاستعمال في إطار هذه النشاطات.  كما تعفى نشاطات المنشآت الجيولوجية و التنقيب و الاستكشاف المنجميين من الرسم على القيمة المضافة على الخدمات المقدمة بما فيها الدراسات وعمليات الإيجار المنجزة في إطار هذه النشاطات المذكورة الى جانب الإعفاء من الحقوق والرسوم والإتاوات الجمركية المفروضة على عملية استيراد التجهيزات والمواد والمنتجات الموجهة مباشرة وبصفة دائمة للاستعمال في هذه النشاطات.

يذكر أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطاع المناجم بالجزائر تقدر بحوالي 22 مليار دولار منذ سنة 2000، بحسب تقرير صادر عن وزارة الطاقة و المناجم، حيث ذكرت التقارير أن هذه الاستثمارات شملت عمليات الاستكشاف وتطوير قطاع النفط والغاز ومحطات الكهرباء وتحلية مياه البحر وقطاع المناجم وبلغت حصة أوروبا في هذه الاستثمارات 58 بالمائة متبوعة بالولايات المتحدة الأمريكية وكندا بـ 26 بالمائة لكل منهما ثم أستراليا بـ 8 بالمائة .