يحيي التونسيون اليوم الأحد الذكرى الرابعة عشر لوفاة الزعيم الحبيب بورقيبة ( 1903\ 2000 ) أول رئيس لدولتهم المستقلة ، والذي حكم البلاد لمدة 30 عاما قبل أن يطيح وزيره الأول زين العابدين بن علي يوم 7 نوفمبر 1987 ، في ما سمي أنذاك بالإنقلاب الطبي ، حيث برر بن علي الإطاحة ببورقيبة بأنه لم يعد قادرا على قيادة الدولة نتيجه طعنه في السن ومرضه المزمن غير أن فترة ما بعد الإطاحة ببن علي في يناير 2011 شهدت عودة قوية لبورقيبة بإعتباره أبا للتونسيين ، ورمز مرحلة البناء والتحديث ، إضافة الى أن  قاد معركة التحرير من الإستعمار الفرنسي وعانى من السجون والإعتقالات والمنافي 

مواجهة مع الإخوان 

يعتبر موقف بورقيبة من التيارات الدينية أحد عوامل عودته القوية ، حيث كان قد إنتبه الى ظاهرة الإسلام السياسي منذ العام 1952 ، وبعد إستقلال البلاد سعى الى توحيد التعليم وإلغاء منظومة التعليم الديني الموازي ،كما ألغى المحاكم الشرعية ، ودعا الى الإجتهاد ، والى بلورة مشروع مدني حضاري حداثي يعطي الدين منزله مهمة ولكن دون الإعتماد على الفهم الجامد لمبادئه ، وأكد بورقيبة في أكثر من مناسبة أنه ليس علمانيا ولا معاديا للإسلام ولكنه مع فهم حداثي متطور للإسلام 

وكان لبورقيبة موقف معاد لجماعة الإخوان المسلمين ، وعندما سئل عمّآ يحول دون التوافق معهم قال « بيني  وبينهم 14 قرنا » ومنذ أواسط السبعينيات ظهر تيار الإسلام السياسي ممثلا في الجماعة الإسلامية التي تحولت الى الإتجاه الإسلامي قبل أن تعتمد إسم حركة النهضة ، وعرفت العلاقة بين الإسلاميين ونظام بورقيبة توترا شديدا وخاصة في أوائل وأواسط الثمانينات ، وينقل المقربون من بورقيبة عنه قوله بأن المعركة مع الإخوان معركة مصير ، وأن تونس لن تتقدم ولن تتطوّر إذا سيطر عليها الإسلاميون من حملة الفكر المعادي للحداثة 

وقبل الإطاحة به ، دعا بورقيبة الى إعادة محاكمة قيادات الإخوان بمن فيهم راشد الغنوشي زعيم الحركة والحكم عليهم بالإعدام ،مما جعل الجهاز السري للتنظيم يعد لعملية إنقلاب ، إستبقها زين العابدين بن علي بعزل بورقيبة وإطلاق سراح الإسلاميين ، ليكتشف في العام 1991 أنهم كانوا يستعدون للإنقلاب عليه من خلال إعداد خطة إستعانوا فيها بتغلغلهم داخل أجهزة ازمن والجيش 

ميزات بورقيبية

ومما أعاد الحبيب بورقيبة لواجهة الأحداث بعد الثورة ، أنه كان أول من حرر المرأة عبر قانون الأحوال الشخصية الصادر في العام 1956 أي بعد أقل من ستة أشهر من إستقلال تونس ، وهو قانون يمنع تعدد الزوجات ،ويمنع الطلاق خارج المحاكم ، ويمنح المرأة حق الولاية على أبنائها ، وهي حقوق طالب بعض الإسلاميين بالتراجع عنها بعد الإطاحة بنظام بن علي الذي إعتبروه إمتداد لنظام بورقيبة ، كما ينظر التونسيون بإحترام كبير للرؤي الحداثة للزعيم الراحل الذي كان يخصص نصف ميزانية الدولة للتعليم والصحة ، كما كان يحاور معارضيه ، ويؤمن حسب قول حمة الهمامي زعيم حزب العمال والناطق الرسمي للجبهة الشعبية بأن معارضا متعلما ومثقفا أفضل لديه من مؤيد جاهل وعرف عن بورقيبة أنه عاش ومات نظيف اليد ، حيث لم يمتلك في حياته مالا ولا عقارات وإكتفى ببناء ضريح له ولوالديه ، بات اليوم مزارا للتونسيين وللسواح الأجانب في مسقط رأسه مدينة المنستير 

السابق لعصره

ويعتبر التونسيون أن بورقيبة كان سابقا لعصره عندما دعا منذ أواسط الستينيات الى القبول بتقسيم فلسطين وبناء الدولة الفلسطينية ثم المطالبة ببقية الأرض ، وعندما راهن على سقوط الإتحاد السوفياتي ، وكان مناوئا للشعارات الثورية ، ويتذكرون كلمته الشهيرة التي توجه بها  مباشرة  الى العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في العام 1972 حيث أكد له أن تحدي الغرب سينتهى به الى مأساة وفضيحة ،وأن مواجهة الغرب لا تكون بالشعارات والكلام والخطب وإنما بالعلم والتقنيات ، وأن الوحدة العربية لا تتحقق قبل أن تتحقق وحدة الشعوب في أقطارها 

عودة قوية

يعتبر الباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس نفسه إمتداد لبورقيبة ، كما ظهرت أحزاب وجمعيات تونسية عدة تتبنى الفكر البورقيبي ، ويعتقد المراقبون أن عودة بورقيبة الى صدارة الأحداث في تونس جاءت لمواجهة المد الديني والإخواني ، حيث يعتبر حزب حركة النهضة الإسلامي والأحزاب السلفية المتشددة الزعيم الراحل معاديا للمشروع الاسلامي ، وعندما توفي بورقيبة في السادس من ابريل 2000 رفض راشد الغنوشي في تصريح شهير الترحم عليه ، وبمناسبة الإحتفال بعيد الإستقلال في مارس الماضي أكد الغنوشي في لقاء بمناصريه بمدينة الفحص من ولاية زغوان أن بورقيبة كان ضد الإسلام والهوية ، وتحفل صفحات الإسلاميين على مواقع التواصل الإجتماعي بالعبارات التكفيرية لباني تونس الحديثة ، الأمر الذي جعل نسبة مهمة من التونسيين ترى أن من يخوض الحرب حاليا ضد المشروع الإخواني والإسلاموي في تونس هو الحبيب بورقيبة .