أثار الموقف الأميركي من الإستفتاء على الدستور التونسي الجديد للجمهورية التونسية استياء عديد الأطراف بتونس بدءا بالرئيس قيس سعيد مرورا ببعض الشخصيات والأحزاب السياسية وصولا إلى الإتحاد العام التونسي للشغل وبعض مكونات المجتمع المدني وحتى عامة الشعب وتعالت الأصوات لتنظيم تحركات إحتجاجية لإدانة تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في الشأن الداخلي للبلاد التونسية.

إن التدخل الأمريكي في "المسار الديموقراطي" بتونس لم يكن وليد الإستفتاء ونتائجه، بل صاحب 25 جويلية/ يوليو وما تلاها من قرارات رئاسية. فبعد تعليق عمل البرلمان بشهر زار وفد أمريكي برئاسة نائب مستشار الأمن القومي جون فاينر تونس محملا برسالة من الرئيس الأمريكي جو بايدن لنظيره التونسي قيس سعيّد، حثّه فيها على "تسريع العودة إلى مسار الديمقراطية" في البلاد، كما ناقش المبعوث الأمريكي حينها عديد الأمور الداخلية مع رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد والتقى أيضا بعض من مسؤولي المجتمع المدني وأفاد على ضوء هذه اللقاءات أن الولايات المتحدة الأمريكية "تدعم العملية الديمقراطية في تونس وتنتظر الخطوات المقبلة التي سيضطلع بها رئيس الجمهورية على المستويين السياسي والحكومي"، حسب بيان للبيت الأبيض.

من جانبها أوضح الرئيس التونسي قيس سعيّد خلال اجتماعه بنائب مستشار الأمن القومي الأمريكي جون فاينر أن "التدابير الاستثنائية التي تم اتخاذها تندرج في إطار تطبيق الدستور وتستجيب لإرادة شعبية واسعة، لا سيما في ظل الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية واستشراء الفساد والرشوة"، محذّرا في ذات السياق "من محاولات البعض بث إشاعات وترويج مغالطات حول حقيقة الأوضاع في تونس"، مبينا، أنه لا يوجد ما يدعو للقلق على قيم الحرية والعدالة والديمقراطية التي تتقاسمها تونس مع المجتمع الأمريكي.

تتالت البيانات الأمريكية حول الوضع في تونس في محطات عدة آخرها، وقبل اللإستفتاء، تعليقها على إقالة 57 قاض بأمر رئاسي حيث حذرت الخارجية الأمريكية من أن مراسيم الرئيس التونسي قيس سعيد تقوض المؤسسات الديمقراطية في البلاد، مؤكدة أنها أبلغت المسؤولين التونسيين بأهمية التوازنات في النظام الديمقراطي وداعية إلى "عملية إصلاح شفافة تشرك الجميع". وقال  نيد برايس المتحدث باسم الخارجية  "إن مراسيم الرئيس التونسي قيس سعيّد بإقالة 57 قاضيا وتحوير القواعد التي تحكم المجلس الأعلى للقضاء تقوض المؤسسات الديمقراطية في تونس."

أما تعليقا على الإستفتاء ونتائجه فقد قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، في بيان له، "أن تونس شهدت على مدار العام الماضي تراجعا مقلقا عن المعايير الديمقراطية وقوضت العديد من المكاسب التي حققها الشعب التونسي بشق الأنفس منذ عام 2011." منتقدا الاستفتاء على الدستور التونسي الجديد الذي "اتسم بتدني نسبة الإقبال على التصويت"، وفق تعبيره، مشيرا في السياق ذاته إلى "عام من التراجع المفزع"، في إشارة إلى ما بعد 25 جويلية/يوليو.

ودعا و أنطوني بلينكن في السياق ذاته إلى الإسراع بإقرار قانون انتخابي جامع في تونس يضمن أوسع مشاركة ممكنة في الانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في شهر ديسمبر القادم، على أن تشمل من عارض أو قاطع الاستفتاء على الدستور، مؤكدا أن بلاده تساند بقوة المنظومة الديمقراطية في تونس وتطلعات شعبها إلى مستقبل امن ومزدهر، معتبرا أن قيام عملية إصلاح جامعة وشفافة، أمر جوهري للشروع في استعادة ثقة الملايين من التونسيين الذين لم يشاركوا في الاستفتاء أو عارضوا الدستور الجديد"، وفق تعبيره.

كما عبّر وزير الخارجية الأمريكي عن انشغال بلاده من أن الدستور الجديد للبلاد التونسية   "يمكن له أن يضعف الديمقراطية في تونس، ويحد من احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، منوها بالدور الحيوي الذي يقوم به المجتمع المدني في تونس في بناء مستقبل سياسي جامع." معتبرا أن تونس "شهدت على مدار العام الماضي تراجعا مفزعا في المعايير الديمقراطية"، مضيفا أن تعليق العمل بدستور 2014 وتعزيز السلطة التنفيذية وإضعاف المؤسسات المستقلة منذ 25 جويلية/يوليو 2021، "أثارت تساؤلات عميقة داخل تونس وخارجها حول مسارها الديمقراطي".

وفي ردّ على تصريحات أنطوني بلينكن، شدد رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد على سيادة بلاده واستقلال قرارها الداخلي وحقها في تقرير مصيرها، مؤكدا رفضه لأي شكل من أشكال التدخل في شؤونها. وقال الرئيس التونسي،خلال استقباله وزير الخارجية عثمان الجرندي، أن "تونس دولة حرّة مستقلّة ذات سيادة، وإن سيادتها واستقلالها فوق كل اعتبار"، مشيرًا إلى أنه" من بين المبادئ التي يقوم عليها القانون الدولي مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول."

 وعلى ضوء ذلك استدعت وزارة الخارجية التونسية القائمة بالأعمال الأمريكي ناتاشا فرانشيسكي، للاعتراض على تدخل واشنطن في الشؤون الداخلية للبلاد. وعبّر وزير الخارجية التونسية  عثمان الجرندي عن "استغراب تونس الشديد من هذه التصريحات والبيانات التي لا تعكس إطلاقا حقيقة الوضع في تونس". مضيفا أن "هذا الموقف الأمريكي لا يعكس بأي شكل من الأشكال روابط الصداقة التي تجمع البلدين وعلاقات الاحترام المتبادل بينهما وهو تدخل غير مقبول في الشأن الداخلي الوطني".

من جانبه  أدان الاتحاد العام التونسي للشغل، في بيان له، ما وصفه بتدخل سفارات وجهات أجنبية في الشأن الداخلي التونسي. وذلك ردا على التصريحات التي أدلى بها سفراء بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بشأن المسار السياسي في تونس، والاستفتاء الأخير على الدستور في البلاد.

وذكر الاتحاد العام للشغل أن التدخل في الشأن الداخلي التونسي لم يقتصر فقط على تصريحات بعض الدبلوماسيين والمسؤولين الأجانب، بل تجاوزها إلى تنقّل السفراء والقائمين بأعمال السفارات في كامل أرجاء البلاد دون حسيب أو رقيب. منتقدا أيضا "ممارسات بعض الدول على المواطنين التونسيين من تضييق في تأشيرات السفر وغيرها"، وطالب الاتحاد السلطات التونسية "بموقف حازم وقوي، وإذا لزم الأمر تعليق اعتماد السفير الأمريكي الجديد".

كما دعا الاتحاد أيضا إلى وضع حد لهذه الانتهاكات وتجسيد إرادة الشعب الحقيقية في "رفض التعدي" على البلاد بأيّ شكل من الأشكال. كما أدانت الهيئة الوطنية للمحامين التونسيين بشدة "التدخّل الأمريكي في الشأن الوطني القائم على منهج المساومة واستغلال الظرف الاقتصادي الذي تمر به البلاد لفرض خيارات معينة تخدم مصالحه". معتبرة أنّ بيان الخارجية الأميركية إثر إعلان النتائج الأولية للاستفتاء وتصريحات السفير الأميركي في تونس يمثلان "تدخّلا سافرا وفجّا في الشّأن التونسي الداخلي، وتعدّيا على السيادة الوطنية يتعارض مع الأعراف الدبلوماسية".

ومن جانب آخر تعالت الدعوات الشعبية للتظاهر احتجاجا على التدخل الأمريكي في الشأن الداخلي للبلاد وأعلنت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عن تنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر السفارة الأمريكية في تونس "تنديدا بالتدخل الأميركي في الشأن السياسي التونسي، خاصة بعد تصريح للسفير الأميركي الجديد في تونس."