منذ العام 2011، والإطاحة بنظام العقيد معمّر القذافي، لم تعد الأزمة الليبية تخص الليبيين لوحدهم. أطراف كثيرة تدخلت وتداخلت مصالحها في ليبيا. أغلبها في السنوات الأولى كان مشاركا في الجريمة حتى بسلبية الموقف، لكن أطرافا أخرى تدرك أن أي تعقيد في الملف له تأثيرات عليها، فاختارت أن تدخل بثقلها فيه سواء لضمان استقرارها، سواء في مساعدة الفرقاء الليبيين على تجاوز الخلافات التي طال أمدها، بل إن بعض القوى الإقليمية كانت متقاربة بشكل كبير في رؤيتها للحل الليبي وفي أغلبت الفترات كانت على تنسيق دائم من أجل طرح المبادرات.
مصر والمغرب من الأطراف التي تعتبر نافذة في الملف الليبي ويحسب لها حساب في كل الخطوات. وعلى الرغم من أن القاهرة كانت الأكثر تأثيرا ورغبة في لعب دور مهم، بالنظر إلى القرب الجغرافي والحسابات السياسية، والليبيون أنفسهم يدركون تلك الاعتبارات، فإن المغرب بدأ تحركاته أساسا في العام 2015، من خلال استضافة مؤتمر الصخيرات الذي كانت له تبعات كبيرة على مستقبل العملية السياسية في ليبيا، سواء في منحاها الإيجابي عبر خلق فكرة المؤتمرات وجمع المختلفين، وحتى في ما هو سلبي باعتباره المؤتمر الذي ساهم في انقسام كبير، لكن عموما أخذ منه المغرب موقعا في الأزمة ونجح بعده في جمع الليبيين حتى في مراحل الحوارات في 2020، التي أفرزت في النهاية حوارا سياسيا انتهى في جنيف بانتخاب حكومة وحدة وطنية.
الجديد في الأمر أن القاهرة والرباط تقاربتا بشكل كبير في الرؤية نحو الحل الليبي. والتطورات الجديدة بالتأكيد بدأت مع خروج حزب العدالة والتنمية من الحكومة وصعود حزب التجمع الوطني للأحرار، حيث حاول رئيس الحكومة عزيز اخنوش تغيير السياسات الحكومية المغربية على خلاف ما كان يتبعه الحزب الإسلامي سواء فيما يتعلق بليبيا أو ببقية القضايا التي اصطف فيها إخوان المغرب مع أطراف بعينها. وفي ذلك الإطار توجه وزير الخارجية المغربي سامح شكري إلى المغرب في زيارة دامت يومين بين 9 و10 ماي، لبحث مستجدات الأزمة في ليبيا مع نظيره المغربي ناصر بوريطة، أين أكد الوزيران تقارب الرؤى ووجهات النظر لخروج الليبيين بحل ينهي كوابيس الخلافات التي طالت ويبعد أي فرضية لعودة العنف الذي كان أسوء مشهد عاشتها البلاد لأكثر من عشرية.
اللقاء كان فرصة للحديث عن احتضان القاهرة لمشاورات ومفاوضات المسار الدستوري بين مجلسي النواب والأعلى للدولة والتي جرت في القاهرة خلال الأيام الماضية، وأكدت فيها المستشارة الأممية ستيفاني وليامز، عن توافق أعضاء اللجنة المشتركة الليبية حول "أجزاء مهمة من مسودة الدستور"، منبهة إلى أن المشاورات "تشكل الفرصة الأخيرة للاستجابة بمصداقية لتوقعات الشعب الليبي وإحراز تقدم ملموس بشأن هذه القضايا". كما كان لقاء شكري وبوريطة خطوة مصرية لمزيد تقريب المواقف المغربية نحو الرؤية المصرية لكل ما يحصل في ليبيا، حتى في علاقة بحكومة باشاغا التي لا تخفي القاهرة دعمها لها استنادا على شرعية مجلس النواب.
مواجهة الإرهاب أيضا من نقاط الالتقاء بين مصر والمغرب، وليبيا باعتبارها كانت واجهة للتنظيمات المتطرفة، بل ومازالت تتهددها المخاطر من خلال المعلومات عن عودة تنظيم داعش إلى التحرك على الحدود الليبية من جهة بعض الدول الإفريقية. وعلى هذا الأساس تجري المشاورات بين البلدين، لكي لا تعود السنوات المخيفة التي تسببت في تدمير مدن ليبية بأكملها، والواقع أن القاهرة كانت واضحة منذ البداية حول هذا الموضوع من خلال دعمها للجيش في حسم المعارك مع الإرهاب. وفي آخر التطورات حول مواجهة الإرهاب عقد في المغرب يوم 11 مايو الجاري، اجتماع موسع للتحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية، بدعوة وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة ونظيره الأمريكي أنتوني بلينكن، ومشاركة 76 دولة بالعالم من مختلف القارات.
وقالت الخارجية المغربية في بيان عن الاجتماع إنه "يشكل مرحلة أخرى ضمن مواصلة الانخراط والتنسيق الدولي في مكافحة داعش، مع التركيز على القارة الإفريقية وتطور التهديد الإرهابي في الشرق الأوسط ومناطق أخرى"، ومن بين الدول ليبيا التي مازالت بيئة هشة في ظل عدم الاستقرار السياسي والتنازع المستمر بين حكومتين لا يبدو أن مصلحتهما الخاصة أقرب من مصالح شعب مازال يستفيق على أصوات الرصاص بين الفترة والأخرى آخرها ما وقع فجر الـ17 من مايو عندما حاولت حكومة فتحي باشاغا دخول طرابلس الأمر الذي أسفر عن اشتباكات مسلحة فرضت مغادرته مع فريقه الحكومي نحو سرت.
القاهرة بدورها تواصل لعب دورها تجنيبا لأي تطورات خطيرة في ليبيا، حيث حذرت من التطورات في العاصمة الليبية طرابلس بعد اندلاع اشتباكات بين مجموعات موالية لفتحي باشاغا وأخرى موالية لعبد الحميد الدبيبة، وقالت في بيان لها إنها "تتابع بقلق التطورات الجارية في طرابلس، وتؤكد على ضرورة الحفاظ علي الهدوء في ليبيا، والحفاظ علي الأرواح والممتلكات ومقدرات الشعب الليبي"، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس ومواصلة الحوار.
ما يمكن استنتاجه إذن أن الموقفين المصري والمغربي حول الملف الليبي متقاربان بشكل كبير، ويبدو أن التنسيق بينهما متواصل على مستويات عليا، من أجل الإبقاء على مناخ الاستقرار في بلد مازال شبح الحرب يخيّم عليه في غياب نوايا حقيقية للخروج مما هو انتقالي إلى ما هو دائم وذلك لا يتم إلا عبر انتخابات تُمنح فيها الخيارات لليبيين لكي يحددوا من يمثلهم في مستقبلهم السياسي.