حقيقة الوضع التعليمي المتردّي في ليبيا لم تعد خافية على أحد، بسبب ما عكسته مخلفات الحرب والدمار، و قد أكّدت هذا الانطباع ودعمته أرقام المؤسسات الدولية المختصة، التي تدق جلها ناقوس الخطر لقطاع يعتبر مستقبل ليبيا وأبناءها، الأمر يتطلب حلولا سريعة من أهل القرار الذين فرقتهم السياسة وفرّقت معهم أبناء البلاد.

فقد حذرت الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة، من أن نحو 279 ألف طفل في سن الدراسة محرومون من الحصول على التعليم بسبب النزاعات العسكرية في ليبيا الغارقة في الأزمات الأمنية والسياسية. وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (اوتشا) في تقرير أصدره إن البيانات الصادرة عن قطاع التربية والتعليم في ليبيا ترسم "صورة مثيرة للقلق بشأن إمكانية الحصول على التعليم.

وأوضح التقرير أن 558 مدرسة في مناطق متفرقة من ليبيا باتت تصنف على أنها معطلة عن العمل نتيجة الأضرار الجزئية أو الكلية التي لحقت بها جراء الصراعات العسكرية السابقة والحالية، فيما تحولت أعداد كبيرة منها في مدن مختلفة إلى ملاجئ لإيواء النازحين، ما يحول دون استغلالها لتعليم الأطفال.

وأغلقت غالبية المدارس في بنغازي أيام الحرب، حيث كانت تشهد مواجهات مسلحة يومية، أبوابها وتضررت تلك المدارس جراء الفوضى، بينما تحولت أخرى إلى مساكن للنازحين الهاربين من مناطق الاشتباك. وفي نهاية العام الماضي، أعيد فتح أبواب نحو 70 مدرسة من بين 254.

وحسب التقرير، فقد تسببت سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية داعش على سرت في حزيران/يونيو 2015 والحرب التي تشهدها حاليا في نزوح أكثر من 90 ألفا من سكانها البالغ عددهم 120 ألف نسمة.

وأوضحت المنظمة أن الغالبية العظمى من النازحين قصدوا 15 موقعا في مدن مجاورة بينها بني وليد وترهونة ومصراتة والجفرة التي فتحت جميعها أبواب مدارسها أمام العائلات النازحة، الأمر الذي بات يصعب حصول الطلاب على التعليم فيها.

احتل النظام التعليمي الليبي المرتبة 142 من 144 في آخر إحصائية لتقرير الجودة الشاملة وفقا لمنتدى الاقتصادي العالمي دافوس 2013 ، وهي مرتبة تدل دلالة قاطعة على أن مخرجات التعليم في ليبيا ضعيفة جداً، التقرير أشار أيضاً إلى نقص حاد في تدريب المعلمين، حيث تم تصنيف ليبيا في المرتبة 140 من أصل 144 بلداً تم تقييمها في المنطقة، كما أورد أن النظام التعليمي الليبي يعاني من نقص المعلومات، ولا سيما البيانات المتعلقة بكفاءة أداء المعلمين ومدراء المدارس.

من المفارقات أيضاً أن نتائج تقرير البرنامج الوطني لتقييم المدارس الذي أصدرته وزارة التربية والتعليم ومنظمة اليونيسف في فبراير 2013، أظهرت أن نسبة الطلبة إلى المعلّمين (5 طلبة لكل معلم)، بينما يؤكد وزير التعليم بان النسبة "تقترب من (3 طلبة لكل معلم) وأن هناك مدارس يقترب فيها عدد المعلمين من عدد التلاميذ وأحيانا يتجاوزه". وللمقارنة، يشير التقرير إلى أن متوسط عدد المعلمين في الدول العربية إلى عدد الطلاب هو معلم لكل 19 طالب. وبالرغم من العدد الهائل من المعلمين إلا أن التقرير أشار الى نقص كبير في معلمي الآداب والفنون والموسيقى والرياضة. هذه النتائج ينفيها الوزير، إذ يؤكد أنه "من المستحيل وجود عجز في ظل هذا الفائض"، ولكنه يلفت إلى أن "المشكلة تكمن في كون 85% من الكادر التعليمي بالوزارة هم معلمات، والمعلمات لا يمكنهن لأسباب اجتماعية العمل في مدارس تبعد مسافة تحتاج إلى ركوب مواصلات، ولا تستطيع الوزارة إعادة تعيينهن في مدارس بعيدة عن مقر إقامتهن لهذا السبب".

ففي خضم السياسة غير المستقرة في ليبيا، التقت مجموعة من الأكاديميين الليبين والبريطانيين مطلع شهر حزيران/ يونيو سنة 2014 لمناقشة المشاكل الأكاديمية التي تواجهها البلاد والحلول الممكنة خلال محاولات بناء جسور بين الجامعات البريطانية والليبية. 

ولخص وزيرالتعليم العالي الليبي السابق نعيم الغرياني النقطة الأساسية  للمؤتمر بقوله إن نظام التعليم العالي في ليبيا يحتاج إلى خطة رئيسية جديدة تماماً. وبحسب الغرياني وغيره من المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر، تعاني الجامعات الليبية من الاكتظاظ، ونقص التمويل، والمركزية الخانقة فضلاً عن افتقارها لمعايير الجودة.

 وشدد المسؤولون الليبيون على الطب بوصفه المجال الأكثر حاجة للإصلاح في البلاد، وبالتالي فإن الجامعات يمكن أن تبدأ بالمساهمة بشكل فعال في الرعاية الصحية في البلاد. وقالت راهيدة الجازي، طالبة ليبية تحضر لنيل الدكتوراه في علم الأعصاب في جامعة هيريوت وات في أدنبره، إن الحصول على حلول فعلية ليست بالأمر السهل، "لكنني أعتقد أن هذه الجلسة هي أول مناقشة مفتوحة بهذا الحجم أشهدها عن حال التعليم العالي في ليبيا".

وقد طغى الحديث عن الوضع الأمني على الجلسات، والذي كان السؤال الأساسي في أذهان كل المؤسسة البريطانية الحاضرة. وكان رد الغرياني الأمن مشكلة على المدى القصير، لكن التعليم هو على المدى الطويل.

وقالت منظمات بريطانية إن صعوبة العمل مع المؤسسات الليبية تكمن في محاولة معرفة الجهات الواجب العمل معها، إذ شهدت السنوات القليلة الماضية نمواً سريعاً في المؤسسات الليبية والأفراد. نتيجة لذلك، عانت الملحقية الثقافية الليبيي التي نظمت المؤتمر، من غياب صناع القرار الحقيقين في مجال التعليم العالي. وقال مسؤول ليبي طلب عدم نشر اسمه عندما قمنا بتنظيم المؤتمر، اعتقدنا أننا سنحظى بمشاركة عدد من الوزراء وصناع القرار. لكن وبسبب طبيعة الأوضاع في ليبيا الآن كل شيء يمكن أن يتغير بسرعة. إذ تلتقط البلاد أنفاسها أيضا بعد معاناة طويلة من ضعف التدريب باللغة الأجنبية، بالإضافة إلى عزل الجامعات. كما أن الدراسة خارج البلاد للطلاب الجامعيين والساعين للحصول على الماجستير والدكتوراه تبدو أكثر محدودية، نظراً لحاجة أي طالب لعام على الأقل لإتقان اللغة الأجنبية.

وفي محاولة لحل هذه المشكلة، أنشأت الحكومة الليبية عشرة مراكز لتعليم اللغات في الجامعات الليبية. ويهدف البرنامج، المدعوم من قبل المجلس الثقافي البريطاني، إلى تشجيع الدراسة في المملكة المتحدة من خلال إعداد الطلاب لإتقان اللغة الإنجليزية.

وتبدو المنح الدراسية المدعومة من قبل الحكومية الليبية حجر أساس في التعاون بين ليبيا وبريطانيا. في عام 2013، بلغ عدد الطلاب اليبين الذي يدرسون في الممكلة المتحدة نحو 2.417 طالب بحسب المجلس الثقافي البريطاني. في المقابل، شارك العديد من طلاب الدكتوراه الليبين في المؤتمر لعرض مشاريعهم مؤكدين أن سفرهم لبلد أجنبي كان خيارهم الوحيد المعقول.

وقال أشرف أحمد، باحث في جامعة شيفيلد في هذا "أعتقد أن ليبيا تنتج العديد من العقول العظيمة، ولكن للأسف في الآونة الأخيرة معظمهم كان مضطراً للسفر للخارج لتطوير عملهم الأكاديمي".