ما ان يلج التلميذ التونسي الصغير الذي لم يتجاوز عمره الست سنوات أبواب المدرسة حتى يبدأ بالتذمر والتململ حد الرفض التام للتعليم مع هذا البرنامج التعليمي المرهق المليء بالمفردات والمكتسبات التي لا يرغب في اكتسابها، طفل صغير مازال يتأتأ في بعض الكلمات ولا تتجاوب عظام أصابعه الغضة مع القلم والكتابة، ودعنا هنا لا نتحدث عن الصغير الذي يجب أن يكون جاهزا للكتابة والقراءة البسيطة وحتى المركبة في هذا السن بعد تعليم قبل مدرسي يبدأ في الأربع سنوات هو الآخر في عديد الأماكن المخصصة له مرهق إلى حد ما، فمن الطبيعي أن تجد طفلا تونسيا لم يتجاوز السادسة يتقن القراءة والكتابة وبعض اللغات الأجنبية في أكثر المنظومات التعليمية إرهاقا عربيا وعالميا !

ماينفك الساسة والمسؤولون والأسلاك النقابية وكل من له صلة يتحدثون ويتوعدون بإصلاح المنظومة التربوية برمتها من ساعات وبرنامج ووضع هش لأعوانها ومنظومة منهكة بالترسبات "والحشو" بأكملها، ولكن حسب الإحصائيات والخبراء فإن وعود الإصلاح لم تتجاوز المنابر ولم يحدث إصلاح حقيقي فيها منذ سنوات طويلة تجاوزت العقدين ونيف !

التعليم في تونس يفتقر للكثير ويحتاج الكثير فكيف لمنظومة ببنية تحتية مهترئة في أغلب الجهات تكتض فيها الأقسام اكتظاظا على مقاعد بعضها غير صالح للجلوس وجدران مهترئة آهلة للسقوط أن تقدم الإضافة للتلميذ. ذلك إضافة إلى تكديس المعلومات وصعوبة المناهج وكثرتها. فمع أن التعليم التونسي يشهد له لعقود كثيرة مضت إلا أن التغييرات التي طرأت عليه بعد ذلك جعلت منه منهجا منهكا ومدمّرا للتلميذ التونسي.


احتلت تونس المركز 84 عالميا والسابع عربيا في مؤشر جودة التعليم ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﺍﻟﺼﺎﺩﺭ ﻋﻦ المنتدى ﺍﻻﻗﺘﺼﺎﺩﻱ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻲ ﻓﻲ دافوس 2021. وقد تصدرت قطر قائمة الدول العربيةواحتلت المرتبة الرابعة عالميا، تلتها الإمارات في المرتبة الثانية عربيا والعاشرة عالميا، ثم لبنان في المرتبة الثالثة عربيا والـ 25 عالميا. وجاء ترتيب الدول العربية بعد ذلك، البحرين (33)، الأردن (45)، السعودية (54)، تونس (84)، الكويت (97)، المغرب (101)، عمان (107)، الجزائر (119)، موريتانيا (134). 

ربما لا يبدو الترتيب العالمي والعربي لتونس سيئا إلى ذاك الحد بالنسبة لجودة التعليم التي ترتبط بدورها بتفاصيل عدة منها التكوين الأكاديمي للعديد من المدرسين، الذي يعتبر المساهم الأكبر في ضمان هذه الجودة.مع بداية فترة الإمتحانات والأسبوع المغلق خاصة، لا ترى من الأولياء والتلاميذ وحتى المدرّسون سوى تململا وحسرة على المجهود الكبير الذي تتطلّبه هذه الفترة لتستنزف طاقة الطفل استنزافا بل وتتسبّب له أحيانا كثيرة بأضرار نفسية. أما المعلم فيجد نفسه مرهقا هو الآخر بين التحضير للإمتحانات وأدائها وإصلاحها وإرجاعها واحتساب المعدلات وسط سير عادي للدروس التي تتطلب بدورها مجهودا وإعدادا يوميا. هنا في هذا الفضاء التعليمي التونسي الذي يفتقر إلى البهجة يجد الجميع أنفسهم بين المطرقة والسندان ولا خيار !

ومن جانب آخر لم تعد المدرسة التونسية مغرية وهو ما يفسر عزوف الصغار عن التعلم وانقطاع الكثيرين في سن مبكر، فما عادت طريق الدراسة تقود بالضرورة إلى التشغيل الذي يبحث عنه كل متعلّم بل إن نسب البطالة بين حاملي الشهائد العليا وغيرها يزداد يوما بعد يوم حيث بلغت نسبة العاطلين عن العمل الذين تقل أعمارهم عن 35 سنة 85٪. وكلما ارتفع مستوى التحصيل العلمي، ارتفع معدل البطالة إذا أن 40٪ من العاطلين يحملون شهادات جامعية !

تتّسع دائرة المطالبات بإصلاح جذري للمنظومة التعليمية التونسية برمتها وسط دوامة من الحيرة التي تعصف بالمعلّم والمتعلّم على حد سواء في انتظار استجابة فعالة من سلط الإشراف المعنية خاصة وأن الكفاءات البشرية التونسية تحظى بمكانة هامة عربيا وعالميا وتحتل مراتب مشرفة في الإبداع والإكتشافات وكل المجالات دون استثناء.