رغم التفاؤل المشروط الذي عبر عنه البنك الدولي بشأن مستقبل الاقتصاد التونسي، إلا أن الخبراء والمحليين يحذرون من الأعباء المتراكمة للحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية التي تهدد البلاد بالإفلاس.

تتأرجح تقديرات الخبراء والمحللين في تونس وتقديرات خبراء المؤسسات الدولية بين التفاؤل المشروط بالقيام بإصلاحات صارمة وبين التشاؤم المستند إلى التركة الثقيلة التي خلفتها الحكومات التي قادتها حركة النهضة منذ ثورة يناير 2011.

ويقول أنطونيو نوسيفيرا في تقرير للبنك الدولي صدر هذا الأسبوع، إن إزالة العقبات أمام دخول الشركات الأجنبية وتعزيز المنافسة يمكن أن يؤدي إلى ثورة اقتصادية كبيرة، وخلق أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة سنويا.

لكن الخبير الاقتصادي التونسي مُعز الجودي يحذر من ثورة جديدة قد تشهدها تونس بسبب تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي نتيجة السياسات الخاطئة للحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية وأدخلت البلاد في طريق مسدود.

وأكد في حوار مع “العرب” أن الأوضاع الاقتصادية على حافة الانهيار، وتُنذر بانفجار اجتماعي كبير قد يرتقي إلى ثورة حقيقية إذا لم تُسارع الحكومة الحالية والمقبلة إلى معالجة الإخلالات الكبيرة التي شوهت أسس الاقتصاد التونسي وشلت مفاصله وركائزه الأساسية.

وقال إن “اقتصاد تونس مبني بالأساس على الاستثمار، وخاصة الأجنبي، وعلى التصدير والسياحة والخدمات المصرفية، وهي قطاعات حساسة، تعتمد بالأساس على مناخ الأعمال".

ولا يخلو تقرير البنك الدولي من التشاؤم، إذ يشير إلى أن الشركات التونسية تنفق حاليا قرابة 18 بالمئة من إيراداتها السنوية على الأعباء البيروقراطية وما يتصل بها من حالات الفساد الصغيرة. وأوضح التقرير أن التحدي الأبرز أمام تونس هو جذب المزيد من الاستثمارات وخلق المزيد من الوظائف مرتفعة الأجر للخريجين من الشباب المتعلم، الذين لا يزالون على هامش الاقتصاد.

ويؤكد أن إصلاح القطاع المصرفي يمكن أن يوفر ما يصل إلى 10 مليارات دولار من التسهيلات الائتمانية الإضافية على مدى 10 سنوات، الأمر الذي يساعد على خلق ما يصل إلى 38 ألف فرصة عمل جديدة سنويا، ويمكن أن ترتفع فرص العمل في حال إجراء إصلاحات في السياسة الصناعية وقطاع الخدمات والزراعة.

ويرى الخبير في البنك الدولي بوب ريكرز أن “نموذج تونس الاقتصادي لم يشهد أي تغيير عما كان عليه قبل الثورة وأنه في حاجة إلى إصلاحات جذرية لتسريع خطى النمو والنهوض بالتنمية الاقتصادية.

ويرى الجودي الذي يرأس الجمعية التونسية للحوكمة الاقتصادية، أن انعدام الاستقرار السياسي والأمني منذ ثورة يناير عام 2011 ترافق مع أداء حكومي باهت ومُرتبك في عهد الحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية، الأمر الذي راكم المشاكل إلى أن أصبح الوضع “كارثيا بكل معنى الكلمة".

 

أرقام ومؤشرات مفزعة

وقال الجودي لـ”العرب” إن وصف الوضع الاقتصادي في تونس بالكارثي، وهو وصف موضوعي، وأنه يستند إلى الأرقام والبيانات والمؤشرات الصادرة عن معظم قطاعات الاقتصاد التونسي.

وتشير البيانات الرسمية المتحفظة إلى أن عجز الميزان التجاري تفاقم خلال السنوات الثلاث الماضية بشكل خطير، حتى وصل خلال النصف الأول من العام الجاري إلى نحو 4 مليارات دولار”. ومن المتوقع أن يرتفع ذلك العجز بحلول نهاية العام الجاري ليصل إلى نحو 8.8 مليار دولار.

ويرى الجودي أن تلك الأرقام “كبيرة جدا، ما يعني تزايد المشاكل باعتبار أن الواردات تتم بالنقد الأجنبي، مما يؤدي لما يسمى بالتضخم المستورد، الذي يؤدي إلى اختلال التوازن في المالية العمومية وفي مجمل التوازنات الاقتصادية الأخرى”.

وقد أقر الوزير المُكلف بالشؤون الاقتصادية، نضال الورفلي بأن عجز الميزان التجاري في تونس “يتفاقم من شهر إلى آخر ويُسجل عجزا هيكليا، بسبب تراجع الصادرات خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري بنسبة 7 بالمئة وارتفاع الواردات بنسبة 6.7 بالمئة.

ويتلخص حجم الأزمة الاقتصادية في التراجع المطّرد لسعر صرف الدينار التونسي الذي فقد نحو 12 إلى 14 بالمئة سنويا منذ عام 2010. ويبلغ سعر صرف الدينار اليوم نحو 1.7 دينار للدولار، مقارنة بنحو 1.3 دينار للدولار في عام 2010.

وتشير البيانات الحكومية إلى أن معدل التضخم يقارب حاليا نحو 6 بالمئة بحسب أرقام المعهد الوطني التونسي للإحصاء، لكن المحللين يشككون في تلك الأرقام، ويقولون إنه في الواقع يصل إلى 10 بالمئة، لأن طريقة احتساب التضخم غير دقيقة وهي في حاجة إلى تطوير. كما يشكك المحللون في مجمل الأرقام التي ينشرها المعهد، وبينها نسبة النمو الاقتصادي المُعلنة، والتي بلغت نحو 3 بالمئة في النصف الأول من العام.

ويتساءل الجودي “كيف تحققت تلك النسبة في ظل توقف الاستثمار؟ كما أن تلك النسبة، حتى لو كانت صحيحة، فهي غير كافية لأن تونس في حاجة إلى نسبة نمو في حدود 6 بالمئة لتتجاوز مرحلة الخطر".

ويحذر المحللون من رقم خطير آخر وهو عجز الموازنة العامة للدولة الذي بات يقترب من 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بسبب تزايد نفقات الدولة بنسبة 50 بالمئة منذ عام 2010 في ظل تراجع موارد الموازنة.

 

حافة الإفلاس

واعتبر الجودي أن تلك الأرقام مُجتمعة، إضافة إلى العديد من المؤشرات السلبية الأخرى “جعلت الدولة التونسية عاجزة حاليا عن تمويل نفقاتها، وخاصة منها النفقات الأساسية بمواردها الداخلية".

وشدد على أن الوضع المتردي للاقتصاد “يدفع الدولة التونسية إلى حافة الإفلاس، لأنها مضطرة إلى تمويل نفقاتها من خلال الاقتراض الخارجي، حيث وصلت نسبة المديونية الخارجية إلى نحو 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 39 بالمئة في عام 2010″.

وأشار إلى أن الاقتراض الخارجي “ليس عيبا، ولكن المشكلة في نسبة الاقتراض، التي يتعين أن تكون مدروسة ومُرتبطة بالناتج المحلي الإجمالي، مع تحديد دقيق لمجالات توظيف القروض”. وأضاف الجودي أن “المشكلة تكمن في أن القروض الأجنبية تم توظيفها لتغطية نفقات الدولة ولم توظف في مجالات تنموية قادرة على تحريك الدورة الاقتصادية".

وقال إن تونس أصبحت “تقترض لدفع رواتب الموظفين وتمويل صندوق الدعم، مما يهدد باتساع الفجوة الكبيرة بين عوائد الدولة وإنفاقها، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى عجزها عن الوفاء بالتزاماتها المالية، مما يعني إفلاسها”. وسبق لرئيس الحكومة الحالية مهدي جمعة أن اعترف بذلك عندما أشار إلى أن حكومته “أصبحت تقترض لتغطية النفقات الاستهلاكية".

مسؤولية حكومات النهضة

وخلص الجودي في حديثه لـ”العرب” بالقول إن تونس تُعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة تتمحور حول التوازنات الأساسية، وأنها “نتاج سياسات الحكومات التي قادتها حركة النهضة الإسلامية".

وحمل تلك الحكومات مسؤولية ما وصل إليه الوضع الاقتصادي في البلاد، لأسباب عديدة منها أن الوزراء الذين تولوا الحقائب الوزارية لم تكن لديهم خبرة اقتصادية.

كما أن أولئك الوزراء اهتموا بمصالحهم السياسية على حساب الملفات الاقتصادية، وافتقارهم إلى سياسيات استراتيجية واضحة. وقال الجودي إن النتيجة “أداء باهت وخيارات اقتصادية غير ناجعة، تسببت في تراجع النمو الاقتصادي وتفاقم العجز، إضافة إلى ضرب الطبقة الوسطى التي شارفت على الإندثار في ظل تلك الحكومات".

وأضاف أن “تلك الحكومات أساءت التقدير فأدخلت اقتصاد البلاد في مأزق خطير زعزع الأسس والركائز الهامة للاقتصاد التونسي”. وتوقع ظهور تداعيات تلك الأزمات خلال الفترة القادمة".

ورجح أن “يشهد العامان المقبلان تفاقم الأوضاع، حيث تشير المعطيات المتوفرة إلى أن الصناديق الاجتماعية ستكون عاجزة عن تسديد مستحقات المتقاعدين، كما أن الأسعار ستعرف ارتفاعا جنونيا، ولذلك سنكون على أبواب ثورة جديدة إن لم تتم معالجة المشاكل والإخلالات المتعددة في أسرع وقت ممكن.

 

مؤشرات رئيسية للوضع الاقتصادي

◄ تراجع سعر صرف الدينار التونسي بمعدل 12 إلى 14 بالمئة سنويا منذ عام 2010

◄عجز الموازنة يقارب 8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، بارتفاع 50 بالمئة منذ عام 2010

◄ الديون الخارجية تعادل 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل 39 بالمئة في عام 2010

◄ نسبة التضخم تبلغ 6 بالمئة رسميا، وتصل في الواقع الى 10 بالمئة

◄ عجز الميزان التجاري المتوقع في العام الحالي يصل الى 8.8 مليار دولار

◄ تراجع الصادرات بنسبة 7 بالمئة وارتفاع الواردات بنسبة 6.7 بالمئةمنذ بداية العام

 

*نقلا عن العرب اللندنية