إنّ المُتأمل في راهن الترجمة بواقعنا سينتهي لا محالة إلى نتيجة سلبية، يلُفها التشاؤم وسيجده مُثقلاً بتراكمات الماضي وصراعاته الإيديولوجية حول اللّغة وتخلف مجال الترجمة فيه بِمَا يُكرس ويُرسخ هذا التراجع بل والتقهقر، إذ تجذرت مشكلاته وتوزعت على الإطار السياسي والمرجع الديني والتنظير الفكري من دون حلول وبرامج أو خُطط لحلها على المديين القصير والمتوسط وبالتالي ظلت الآفاق مغلقة ومسدودة في ظل غياب مشاريع وبرامج طموحة حتّى وإن تكن في آفاق بعيدة؛ لكنّها مع الأسف الشديد غائبة تمامًا. والمثال الحي أنّ معهد الترجمة الّذي حظيت بلادنا باِستقباله لا يزيد دوره عن التكوين والتعليم في مجال الترجمة، بيد أنّه مفصول عن الفعل الترجمي وربّما تحدّدت مهامه وضُبِطت وفق رزنامة المنظمة العربية للترجمة أو منظمة الأليكسو وهي منحصرة في الجانب البيداغوجي فحسب دون أن تتعداها إلى مهام أخرى والمساهمة من المعهد كمؤسسة في العمل الترجمي ببلادنا لاسيما وأنّ لجان الترجمة التي ترعاها المنظمة العربية للترجمة تحتفظ دومًا بالأسماء نفسها منذ منشئها ولا تُتيح الفرصة لأسماء جديدة بالاِنخراط معها وهو ما يطرح سؤالاً أساسيًّا حول معيار الاِنتماء لهذه اللجان المُختلفة في الترجمة سواء في العلوم الإنسانية أو الآداب أو الفنون أو العلوم الدقيقة والطبيعية.

لذا ومع غياب الفعل الترجمي المُؤسساتي تبقى جهود بعض المشتغلين بالترجمة في بلادنا بشكل فردي ومن دون تأطير ضمن مشاريع إلاّ في القليل النادر (في بعض المخابر الجامعية مثلا) وهي جهود لا تكاد تُذكر لأنّها لا تلقى الدعم الكافي والمطلوب لتشجيع المترجمين ودور النشر أيضا كي يخوضوا تجارب جدية تُمكِن من النهوض بقطاع الترجمة وإيلائه المكانة التي يستحقها ولأنّه مجالٌ مُنتجٌ ومُثمر لو أحسنا في الجزائر الاِستثمار فيه. لكن الواقع لا يُوحي بذلك ولا يُشير إليه كمشروع قادم ومن ثمّ فمن يتحدث عن قطاع الترجمة في الجزائر فما ذلك سوى تجاوزا وأنّ الأمر لا يعدو أن يكون مجرّد جهود أفراد لا جهود مؤسسات ومبادرات دور نشر لا غير. أمّا الحديث عن مشاريع للترجمة و ورشات لها تكون بمثابة قاطرة للثّقافة عندنا فهي في طور النسيان، لا نقرأها في برامج ثقافية ولا ضمن اِهتمامات وزارية ولا أثر لها في خطابات السّاسة والمثقفين على الرغم من دعوات كثيرة بضرورة الاِعتناء بالترجمة في بلادنا وإيلائها المكانة التي تليق بها غير أنّ الواقع يُطلعنا على أمر ترجمي بدرجة الصفر ولا شيء يُبشر بتغير وضعية الترجمة نحو المأمول في ظل سياسة ثقافية واضحة وشفافة تمنح للعمل الترجمي دوراً فاعلاً في تنمية الساحة الثقافية وخلق ديناميكية جديدة للتعريف بنصوصنا المحلية ونقلها لغيرنا وكذا الاِحتكاك بنصوص غيرنا عبر ترجمتها للغتنا. إنّ بلوغ هذا الهدف المركزي لكلّ ثقافة وفي كلّ بلد لن يتحقّق إذا بقيت الترجمة كفعل فردي منعزل ومُشتّت ومن دون أن ترعاه مؤسسات الدولة والمجتمع المدني وتدعمه ماديًا خاصةً ومعنويًا وتُشجع على المُضي قُدمًا في مسلكه كخارطة ثقافيّة تتعزّز معها الترجمة عبر إنتاج الكِتاب وترقية الوسائل الإلكترونية ومنها ترجمة الأفلام والأشرطة الوثائقية والبرامج الثقافية والتربوية التي تبث على قنوات التلفزيون ووسائل التواصل كما بدأت تعمل به دول مُجاورة وتقوم به بلهجتها حفاظًا على جذب مُشاهديها إليها وتحصنهم ثقافيًّا.

ليس من المستحيل أن يزدهر المشهد الثقافي الوطني إذا وُجِدت بعض روافده ومنها الترجمة دعمًا وتحفيزاً من خلال مشاريع تحتضنها وتُخطط لها هيئة بمثابة مركز أو بيت للترجمة يعمل وفق برنامج يثري من خلاله الثقافة الوطنية وذلك أمرٌ مُتاح لاسيما وأنّ الجزائر بموقعها الجغرافي (تقاطع ثقافات ولغات) وكفاءاتها اللسانية المُتعدّدة يمكنها أن تنهض بهكذا مشروع مجدي ونافع علميًّا، ثقافيًّا واقتصاديًّا (عن جريدة النصر).