كان لتدهور الوضع الأمني في ليبيا أثر مباشر على كل من الجيران والأصدقاء الغربيين. وخلال القمة الأمنية التي احتضنتها العاصمة السينغالية داكار الأسبوع الفارط لم يخف زعماء أفارقة حاجتهم لتدخل دولي في ليبيا، بينما تردد آخرون، وفي المحصلة ظلت القرارات مؤجلة.

بعد يومين من المباحثات والنقاشات بين السياسيين والديبلوماسيين والخبراء الأمنيين والعسكريين، كان القلق باديا على الجميع. 3 من بين الأربعة رؤساء المشاركين في القمة اعتبروا أن الخيار المسلح للتدخل في ليبيا هو الحل لما يحدث قبل أن تنجر كل المنطقة إلى دوامة العنف.

أول من خطا هذه الخطوة هو الرئيس المالي ابراهيم بوباكار كايتا، حيث قال: "ما دامت ليبيا غير مستقرة، لن نعرف الهدوء في منطقتنا. على المجتمع الدولي أن يستعد لإيجاد حلول عاجلة" وأضاف: "اننا حين نتحدث عن الاستقرار في منطقة الساحل الافريقي، فنحن نتحدث عن أحد أهم عوامل استقرار العالم بصفة عامة". هذا الحديث قريب مما صرح به أحد ممثلي الاتحاد الأفريقي روبارت دوسو حين أشار إلى "حرب عالمية ثالثة في حال عدم أخد الأمور بجدية في افريقيا".

مستضيف القمة، الرئيس السينغالي ماكي صال، قال "ليبيا عمل دولي لم يكتمل، ينبغي على من بدأ بالاشتغال على الملف أن يسويه وأن يساعدنا على انهاء المشكل. المنطقة لا تحتمل بؤرة مشتعلة".

ما أشار له الزعماء الأفارقة صرح به الرئيس التشادي ادريس ديبي اتنو:"أعتقد أن الغرب وحلف الناتو قد أنجزوا المهمة وهي تدمير الدولة الليبية وقتل القذافي، ما ينقص هو خدمة ما بعد البيع. الحل في ليبيا ليس بين يدينا نحن للأسف، بل بين يدي حلف الناتو الذي خلق هذه الفوضى".

من خلال تصريحاته، يبدو الرئيس التشادي إلى جانب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكثر القلقين مما يحدث في ليبيا، وهو الذي قبل أن يحضر هذه القمة كان قد توجه إلى مصر، ولا نعتقد ان تلك الرحلة لم تؤثر على خطابه واللهجة التي قيل بها.

إن كل المسؤولين الأفارقة يجمعون اليوم أن لا أحد اعتنى بالملف الليبي بعد سقوط معمر القذافي. وما يحصل الآن هو نتيجة حتمية. فالقارة أصبحت تعاني من الصعود الصاروخي لظاهرة بوكو حرام، ومن تمدد الجماعات الجهادية في مالي مع انتشار وتداول الأسلحة في كامل الصحراء الافريقية. إن حديث الزعماء الأفارقة بدا وكأنه موجه بالأساس لضيف معين للقمة هو وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان.

الوزير الفرنسي تعامل مع الموقف بكثير من الأريحية، فقد عبر أن ما جاء على ألسنة الرؤساء الأفارقة كان جزءا من فحوى اللقاءات الثنائية بينه وبين عدد من كبار المسؤولين الأفارقة، كما أن الموضوع قد طرحه على رئيس حكومته مانويل فالس.

على ماذا علينا أن نؤاخذ الوزير الفرنسي؟ انه يتحرك منذ مدة لتحسيس المجتمع الدولي بانعكاسات العنف في ليبيا. وهو الذي أصبح يلقب بـ "وزير افريقيا" في حكومة فالس. وهو من صرح من قبل: "نحن نعلم أن الجنوب الغربي الليبي قد اصبح معقلا للكثير من التنظيمات الإرهابية، بعضها مستقر بصفة شبه دائمة وهم يعتبرون المنطقة فضاء للتموين".

إن فرنسا تعلم أيضا أن أكثر رجل تبحث عنه في المنطقة، مختار بلمختار، متواجد في هذا الفضاء، أو بالقرب منه في أبعد الاحتمالات. التدخل العسكري في جنوب ليبيا سيجبر هذه التنظيمات للذهاب باتجاه النيجر أو التشاد وهناك سيجدون القوات المحلية في انتظارهم.

لكن التشاد، بلد الرئيس ادريس ديبي اتنو، هو أيضا فضاء لمرور السلاح، فالأنشط الخطوط وهو الرابط بين جنوب ليبيا والسودان لا بد أن يمر من التشاد قبل أن يذهب السلاح إلى أيدي مقاتلي بوكو حرام.

كل هذه الإشارات والنقاشات لم تنضج بعد فرضية التدخل في القريب العاجل في ليبيا. الجميع يعرف أنه حل ولكنه حل مؤجل، وهذا ما يبدو انه رأي لودريان أيضا، والذي يعلم قبل ذلك ان التدخل الفرنسي لا يمكنه ان يحدث الا تحت غطاء تحالف دولي. لودريان يرى ان "علينا المرور عبر اتفاق مع حكومة شرعية في ليبيا، غير واضحة المعالم بعد، أو انتظار حل من مجلس الأمن".

لكن إلى أي حد بدأت ترتسم معالم هذا التحالف الذي تحدث عنه لودريان؟ على المستوى الديبلوماسي على الأقل، هناك مصر والتشاد والسودان والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينا فاسو. غير أن التحفظات لازالت عديدة. فالديبلوماسيون الأفارقة والعرب يشيرون لفرنسا أنه "قبل الذهاب لتطهير الجنوب الليبي ينبغي تسوية الأمور في الشمال" هذا الحديث يقود المجتمع الدولي كي لا يسقط في الخطأ نفسه مرة ثانية: انجاز ضربة عسكرية دون معرفة العواقب.

نقطة أخرى مهمة للغاية تقف حائلا أمام التدخل العسكري في ليبيا وهو موقف الجزائر، فالتدخل في ليبيا سيجعل من الصحراء الجزائرية مأوى لهذه الجماعات التي فرخت في الصحراء الليبية. للإشارة لم تكن الجزائر حاضرة في داكار رغم أن وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة كان احد الضيوف لكنه اعتذر في آخر وقت.

غياب الجزائر أكيد أنه أضعف لقاء داكار، اذ لا يمكن أن يخرج بأية نتائج عملية. لكن وزير الدفاع الفرنسي جان ايف لودريان لم ينس أن يذكر صديقه التشادي ادريس ديبي اتنو، بعد خطابه الحماسي، أن بلاده ترأس اليوم مجلس الأمن في الأمم المتحدة، أي أنها تملك ما لا يستهان به من الأوراق لتحريك المنطقة في الاتجاه الصحيح. انها طريقة تذكر بها فرنسا الأفارقة بمسؤولياتهم..

* ريمي كارايول – مجلة جون افريك / ترجمة شوقي بن حسن