لم يكن لروسيا الاتحادية في ليبيا دور يذكر في المشهد الليبي قبل سنة 2016 ، لكن مع بداية عام 2017 بدء الدب الروسي في تحسس دور له في الساحة الليبية، وشهد تصاعداً ملحوظا وبات مرشحاً للعب دور رئيسي في المرحلة القادمة التي ستكون الأخطر والأصعب. يأتي التدخل الروسي في سياق يتسم بالفوضى السياسية في الداخل الليبي حيث يسعون للعب دور مهم خاصة بعد أن أصبحت ليبيا مسرحا للصراع الدولي.

وتعتبر ليبيا بعد 2011 بمثابة المسرح للصراعات الدولية حيث تتالت المؤتمرات و المؤتمرات المضادة بدون جدوى تذكر. من ذلك،حذر خبراء وباحثون جزائريون من تحويل ليبيا الى فضاء تنافس بين القوى الكبرى الساعية لتوسيع نفوذها وفق أجندات سياسية وأمنية ما قد يتسبب في نشوب توترات لا نهاية لها وانتشار الإرهاب وتجارة السلاح.

وخلص الباحثون خلال ملتقى دولي حول «الأوضاع الحالية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا: المشاكل واقتراح الحلول»، نظمته جامعة الجزائر اليوم الأحد ، إلى تفجير الموقع الجيو استراتيجي لليبيا أجواء الحرب الباردة بين الولايات المتحدة وروسيا و جعلها منطقة صراع على النفوذ بين الدول الكبرى.

واعتبرت الباحثة الجامعية عتيقة بن يحيى بجامعة تيارت الجزائرية ، النفوذ الروسي أقل مقارنة بالأميركي، إذ كان حلف الناتو سباقاً للتدخل في ليبيا، إلا أنه لا ينفي استمرار موسكو في محاولة التموقع عبر المشاريع المعطلة في ليبيا على غرار الطاقة والسكك الحديدية، لغرض إيجاد موطئ قدم في المنطقة ككل، مما يلغي أي محاولة لاستبعاد الدور الروسي في صناعة قواعد اللعبة السياسية الدولية.

واشارت من جانبها الباحثة الجزائرية أمغار سيليا إلى التغييرات الطارئة في ليبيا وتونس بعد "الربيع العربي" حيث أسفرت عن تغييرات أمنية انعكست على النطاق الاقليمي والدولي، بما ساعد على "انتشار الإرهاب وتمركز العناصر الإرهابية التي كانت تنشط في سورية والعراق في المنطقة".

كما أضافت أنه بعد انهيار نظام القذافي في ليبيا، وتدخل حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة، أصبحت البلاد «سوقا سوداء» لتجارة السلاح أثرت على الساحل والشرق الأوسط، إلى جانب "انتشار الجماعات الارهابية وتردي الوضع الامني، في ظل غياب مؤسسات دولة قوية، مما أثر على دول الجوار بينها الجزائر".

لا تتواني روسيا في التعبير عن مساعدتها المتواصلة لليبيا في هذه المرحلة الحرجة من تاريخها حيث قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن بلاده تواصل بذل الجهود والمساهمة في مساعدة ليبيا لتعيد بناء مؤسسات الدولة، وتضمن سلامة أراضيها وسيادتها.

اعتبر لافروف في حديث الاسبوع الماضي لصحيفة ايفميريدا سينداكتون اليونانية، أن جنوب البحر المتوسط لا يزال بؤرة للتوتر الدولي، مؤكدا أن روسيا تبذل جهودها لتحسين الوضع في المنطقة.

يبدو أنه استقر رأي الروس حول حليفهم الإسترتيجي المستقبلي في ليبيا،ظهرت للعيان جهود تمكين سيف الإسلام القذافي نجل الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي وإرجاعه إلى المشهد السياسي، عبر تمكينه من القيام بدور بارز في مسار المصالحة الوطنية.

هذه الفكرة التي طرحتها روسيا ودافعت عنها في مؤتمر باليرمو حول الأزمة الليبية، سرعان ما التقط سيف الإسلام القذافي، وهو مرشح قوي للانتخابات الرئاسية، فسارع للتواصل مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، مقدما وجهة نظره للحل في ليبيا، ورأى أنه يرتكز على نقطتين تتمثلان في إنجاح الملتقى الوطني العام الذي يفضي إلى مصالحة وطنية مجتمعية شاملة، بمشاركة الجميع دون استثناء أو إقصاء، وإجراء انتخابات نزيهة.

وكشفت روسيا على لسان رئيس مجموعة الاتصال الروسية لتسوية الأزمة الليبية، ليف دينغوف، عن وجود اتصالات بين بلاده والدكتور سيف ‏الإسلام القذافي

وأوضح دينغوف في تصريحات صحافية خلال حضوره في مؤتمر باليرمو حول الأزمة الليبية، الذي عقد منتصف الشهر الماضي، "أن روسيا تنظر بإيجابية لدور سياسي يضطلع به نجل الزعيم الراحل في الفترة القادمة، نظرا لأن  لديه اعتبارا ووزنا سياسيا في بلاده  كما تدافع عن إيجاد مكان له ليكون ضمن الأطراف المشاركة في ‏العملية السياسية الليبية، لسبب بسيط وهو أن الليبيين يدعمون كل ما يتعلق بالقذافي وعائلته".

ودعا دينغوف، المحكمة الجنائية الدولية، إلى إعادة النظر في قرار ملاحقتها لسيف الإسلام القذافي وإنهاء تتبعاتها، من أجل تمكينه من المشاركة في الانتخابات الرئاسية المرتقبة في ليبيا، في مارس 2019.

يرى مراقبون أن الدعم الروسي للقذافي للعودة إلى المشهد الليبي مجددا، من منطلق الإجماع العشائري الذي يحظى به ، إذ سمّي نجل القذافي منذ فبراير الماضي قائدا للمجلس الأعلى للعشائر، أي أنه يعدّ الممثل الشرعي الوحيد للعشائر الليبية في أيّ مفاوضات مع الفاعلين السياسيين، داخل هذا البلد الذي تتمتع فيه القبائل أو العشائر بوزن سياسي واجتماعي كبير.