مازال ملف الإرهاب في ليبيا،يطرح نفسه كأحد أبرز الملفات تعقيدا وخطورة،حيث عانت البلاد منذ العام 2011،من إنتشار التنظيمات الإرهابية على أراضيها مستغلة في ذلك تردي الوضع الأمني والفوضى المتفشية وإنتشار الأسلحة التي كرسها الانقسام الحاصل بين مختلف الأطراف الليبية،وهو ما كلف البلاد خسائر بشرية ومادية كبيرة.

ورغم الانتصارات التي تحققت على التنظيمات الارهابية في عدة مناطق ليبية،فان المخاوف من الخطر الارهابي في ليبيا مازالت قائمة بقوة وخاصة في الأوساط الدولية،وهو ما قد يكون ذريعة للتدخل في البلاد،خاصة في ظل إستمرار الإنقسامات والفوضى وغياب سلطة الدولة. 

مخاوف مستمرة

وفي هذا السياق،أشار التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية،حول الإرهاب في العالم لعام 2018،الخميس الماضي،إلى إستمرار المخاوف الدولية من التحركات الإرهابية في ليبيا.واعتبر التقرير، أن استمرار نشاط "جماعات إرهابية في ليبيا"، يرجع إلى حالة عدم الاستقرار السياسي، ولمحدودية الحضور الحكومي في أجزاء من البلاد.

وقالت الخارجية الأميركية في تقريرها، إن «"الجماعات الإرهابية في ليبيا استغلت عدم الاستقرار السياسي والحضور الحكومي المحدود في أجزاء أخرى من البلاد لتنفيذ عمليات دموية"، إلا أن التقرير أشاد بـ"عمل حكومة الوفاق الوطني، التي أثبتت أنها شريك موثوق في مكافحة الإرهاب في عام 2017

وأكدت أن "رئيس حكومة الوفاق فائر السراج عمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لمواجهة انتشار الجماعات الإرهابية، مثل داعش والقاعدة في المغرب الإسلامي، في حين أحرزت ليبيا تقدما كبيرا في محاربة تنظيم داعش، بما في ذلك طرد إرهابييه من معقله في سرت عام 2016".وقال التقرير، إنه بحلول نهاية 2017، كانت عناصر "داعش" في وضع يمكنها من تنفيذ العمليات الإرهابية على المستوى المحلي فقط، بعدما تمكنت من تقويض نشاطه، كما تعاونت حكومة الوفاق مع الولايات المتحدة في التحقيق مع الإرهابيين المشتبه بهم.

وأشارت الخارجية الأميركية،إلى جهود القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر، في "طرد مجموعات من تنظيم الدولة وغيرها من المقاتلين المتطرفين خارج بنغازي، بعدما عبر عن رغبته في تخليص ليبيا من الجماعات الإرهابية".أوضحت الوزارة أن "تنظيمات إرهابية أخرى، بما في ذلك القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، حافظت على وجود لها في ليبيا، مستفيدة من حالة عدم الاستقرار السياسي في جميع أنحاء البلاد".

وإنتقدت الإدارة الأميركية عدم نجاح الإجراءات الأمنية المتخذة من السلطات الليبية، بسبب نقص الإمكانيات والتدريب، فضلا عن محدودية إمكانيات القوات البحرية الليبية، والأمن الحدودي في السيطرة على الحدود البرية والبحرية.وأشارت واشنطن إلى افتقار المطارات في ليبيا للأجهزة والبرامج اللازمة للتدقيق في هويات المسافرين والتفتيش.

امكانية التدخل

ويبدو أن هذه المخاوف،قد تكون ذريعة للتدخل في ليبيا،وهو ما تجلى مؤخرا في تجديد حلف شمال الأطلسي "الناتو"، تأكيده على استعداده لدعم ليبيا لإعادة بناء أجهزتها الأمنية والعسكرية بهدف حفظ الأمن والاستقرار في البلاد.وهوما إعتبره كثيرون دعوة للتدخل العسكري في البلاد.

وأكد الأمين العام للحلف ينس ستولتنبيرج، خلال مؤتمر صحافي،الخميس الماضي، عقب اجتماعات وزراء دفاع الحلف في بروكسل، أن الناتو لا يعرض تدريب قوات ليبية، ولكنّه على استعداد لمساعدة ليبيا على إعادة بناء وتأهيل مؤسساتها العسكرية والأمنية وتحديدًا وزارة الدفاع وأجهزة الأمن لدعم الاستقرار داخلها، مشيرا إلى أن الناتو يولي أهمية كبيرة لمركز القيادة الخاص بالجوار الجنوبي، الذي بات يعمل انطلاقًا من مدينة نابولي في إيطاليا، قائلاً إنّه "أداة رئيسة في مجال تعامل الحلف مع التهديدات القائمة جنوبًا.

وفي تقرير لها، تحت عنوان "تدخل محتمل لأفريكوم في ليبيا.. رسالة أميركية لفرنسا وإيطاليا"،في سبتمبر الماضي،قالت صحيفة "العرب" اللندنية،أن واشنطن تقدمت خطوات سريعة، في الأسابيع الماضية، لتوسع نطاق تدخلها في الأزمة الليبية بعد أن تصاعدت التجاذبات بين فرنسا وإيطاليا، وتباعدت أجنداتهما في ما يتعلق بحل الأزمة.

وأشار التقرير الى أن الإدارة الأميركية،بعثت بذلك رسالة لهما مفادها بأن موقفها في الفترة الماضية من الوضع في ليبيا لا يعني أنها بعيدة عما يدور في هذا البلد الاستراتيجي. وقال إن ليبيا عادت أخيرًا لتتصدر اهتمام وسائل الإعلام الدولية في انعكاس لتحركات المجتمع الدولي، بالتوازي مع تحركات داخلية للقوى الليبية.

ونقل التقرير عن مصادر ليبية رصدت طائرات مجهولة المصدر بدأت تحوم فوق أجواء الحدود بين تشاد وليبيا، وتحديدًا فوق مراكز قريبة من معسكرات تابعة لإرهابيين جنوب البلاد. كما نقل عن مصدر في المجلس الرئاسي صحة ما تردد بشأن تدخل محتمل للقيادة المركزية العسكرية الأميركية العاملة في أفريقيا والمعروفة بأفريكوم، قائلاً إن قوات من الأفريكوم ستنفذ غارات جوية ضد قيادات إرهابية في غرب وجنوب ليبيا، مضيفًا أن فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق، أبدى موافقته على ذلك خلال لقائه مع الجنرال توماس والدهاوسير قائد أفريكوم مؤخرا في تونس.

ويحذّر المختصون في مكافحة الإرهاب من أن تنظيمي "داعش" و"القاعدة" لا زالا يشكلان تهديداتٍ هائلةً في أماكن مثل الصومال واليمن وغرب إفريقيا وليبيا وهو ما يدفع نحو استمرار العمليات العسكرية في هذا البلد الممزق بالأزمات. وفي الـ6 من مارس الماضي، قال الجنرال والدهاوسر، قائد أفريكوم ، في شهادته أمام الكونغرس:"نحن متورطون بشدة في عملية مكافحة الإرهاب" داخل ليبيا.

إنتقادات روسية

ويأتي ذلك في وقت جددت فيه روسيا إتهامها للدول الغربية بتحويل ليبيا إلى ساحة للتنظيمات الإرهابية منذ تدخلها في هذا البلد في العام 2011.وقال نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، في كلمة بالمنتدى الدولي "حوار الحضارات":إن السياسات التي تتبعها دول الغرب في تعاملها مع الملف الليبي كانت سبباً في تحول البلاد إلى معقل للإرهاب.

وأشار وزير الخارجية الروسي إلى أن الأوضاع الأمنية في ليبيا تراجعت بشكل كبير في الفترة الأخيرة، كونها أصبحت وُجهة للإرهابيين العائدين من سوريا وأفغانستان والعراق.وأوضح ميخائيل أن أفريقيا تواجه خطر الجماعات الإرهابية المُتطرفة.ووصف الوزير الروسي سياسات الغرب في ليبيا بـ"القصيرة النظر"، مُضيفاً أنها تسببت في تفاقم أزمتها الأمنية التي تمر بها.

وينتقد المسؤولون الروس التدخل الغربي في ليبيا،والذي أحدث فراغا أمنيا كبيرا ساهم في إنتشار الفوضى وسهل الأنشطة الإجرامية والإرهابية في البلاد.وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف انتقد التدخل العسكري في ليبيا عام 2011 مبينا انه حول البلاد إلى نقطة عبور للمسلحين وتجار البشر.

وفي سبتمبر الماضي،قالت المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا إن ما يحدث في ليبيا من تردي للأوضاع هو مثال على الفشل الذريع للدول الغربية فيما يتعلق بنماذجها الجيوسياسية.وجاء ذلك في أعقاب الهجوم الإرهابي الذي إستهدف مقر المؤسسة الوطنية للنفط في طرابلس.

وأكدت المتحدثة بإسم الخارجية الروسيه،أن هذاالهجوم الإرهابي، يشير مرة أخرى إلى الحاجة الملحة لتوحيد جميع القوى المسؤولة في ليبيا في الحرب ضد الإرهابيين.وتابعت : على الرغم من الجهود التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، التي تهدف إلى استعادة فرض القانون في العاصمة طرابلس، فإنه في بعض مناطق ليبيا تحدث إشتباكات جديدة بشكل دوري بين جماعات مسلحة مختلفة.

ويجمع مراقبون على أن التدخل الغربي في ليبيا كان خاطأ وحول البلاد الى ساحة خلفية للتنظيمات الارهابية.ويخشى هؤلاء من تكرار هذا الخطأ والذي قد يدفع نحو تسعير الحرب الأهلية،ومزيد من الفوضى.ويبقى الحل الأمثل لانهاء الأزمات في البلاد عبر توحيد الصفوف ونبذ الانقسامات بين الفرقاء،وهو ما سيمكن الليبيين من التصدي لخطر الارهاب وغلق الباب أمام التدخلات الخارجية.