كثيرات هنّ النساء الروانديات اللاتي يتعرّضن إلى التحرّش الجنسي في عملهنّ؛ فالظاهرة تضاهي في حجمها الفساد المالي المستشري في الشركات بهذا البلد الأفريقي، غير أنّ الفارق بين الاثنين يكمن في طبيعة المجتمع الرواندي المحافظ من جهة، والحاجة المادية الملحة للنساء، ضحايا التحرّش الجنسي.

فبين الخوف من التهميش الاجتماعي وفقدان وظائفهن، تتفاقم الظاهرة في الخفاء بين جدران المكاتب، في خضمّ صمت لافت يدرك جميع الأطراف أنّ لا شيء قادر على إزاحة الستار عن موضوع لا يزال من التابوهات الاجتماعية، بحسب ما تقول "فرانسين يومورونجي"، منسّقة منظمة "التطوير المؤسّساتي والدعوة إلى الشفافية الدولية في رواندا" (غير حكومية) في حديث مع "الأناضول".

وتضيف: "طبيعة المجتمع الرواندي المحافظة تجعل من الصعب بل من المستحيل الحصول على أرقام بشأن عدد ضحايا التحرّش الجنسي من النساء خلال عملهن في البلاد، ومع ذلك، فإنّ تفاقم الظاهرة جعلت تفاصيلها تتسرّب بطريقة أو بأخرى، ليشي تواتر الأحداث بكثرة الضحايا".

"يومورونجي" تؤكد أنّ "الفساد على أساس الجنس (أو ما يعرف بالتحرّش الجنسي) يعتبر أكثر انتشارًا في القطاع الخاص، بسبب غياب آليات رسمية لإدارة الموارد البشرية، وحيث تسجّل تجاوزات في التوظيف وفي إدارة الموظّفين بشكل عام".

"الضحايا في معظمهم من النساء"، تتابع "يومورونجي"، "وهذا لا يحجب حقيقة وجود بعض الرجال ممّن هم ضحية هذا النوع من الفساد"، مشيرة إلى أنّ "الإيحاءات والإغراءات التي يوجّهها مسؤول ما لإحدى موظّفات شركته، يعتبران الشكل الأكثر شيوعا من حالات الفساد المسجّلة في رواندا".

فـ "المتحرّش يسعى بشتى الطرق إلى كسب ثقة ضحيته، ثم يمرّ إلى مرحلة المجاملات سواء فيما يتعلّق بالملابس أو الجمال أو حتى تسريحة شعر الموظّفة".

وتمضي قائلة: "مع انتهاء هذه المرحلة، تنطلق مرحلة إبداء سلوك يؤدّي نحو أفعال ذات منحى جنسي، مثل دعوة الموظّفة إلى الخروج معه بعد الفراغ من العمل، أو إرغامها على البقاء في المكتب بعد انتهاء دوامها، أو التخطيط للخروج في بعثة معا.. وأخيرا، يحين موعد اقتراح علاقات جنسية على الضحية لقاء حصولها على بعض الحوافز. وفي معظم الحالات، لا تحصل الضحية التي تبدي نوعا من المقاومة لمحاولات رئيسها على جملة المنافع الموعودة".

غير أنّ هناك البعض من النساء وحتى الرجال ممّن يقبلن مرغمات / مرغمين بمقترحات المسؤولين للدخول في علاقات جنسية، وهو قبول يحمل في تفاصيله أسبابا شتّى، لعلّ أبرزها أو الأكثر بداهة هو خوف هؤلاء الضحايا من خسارة الوظيفة، والعجز، تبعا لذلك، عن تأمين احتياجات عائلاتهن، هذا بالإضافة إلى أنّ معظم النساء يجهلن حقوقهن في العمل، والمسؤولون يدركون جيّدا هذه الهنّة، ويعملون على استثمارها لصالحهم، حسب يومورونجي.

"ثم هناك الخوف من التهميش الاجتماعي"، تواصل "يومورونجي"، "لأنّ مثل هذه المواضيع ما تزال من التابوهات في رواندا، لذلك، فإنّ الضحايا يفضّلن عدم صدّ رؤسائهن خوفا من فقدان مصدر رزقهن وجميع الحوافز المتعلّقة به".

ووفقا للمادة 12 من القانون الرواندي بخصوص منع وقمع الفساد، فإنّ "أي شخص يطالب صراحة أو ضمنيا، بأفعال جنسية دون موافقة، من أجل القيام أو الامتناع عن فعل يقع ضمن اختصاصه، يعرّض نفسه للسجن لمدّة تتراوح بين 5 إلى 10 سنوات، وغرامة مالية تتراوح من 50 ألف فرنك رواندي (72 دولارًا) إلى مليون فرنك رواندي (حوالي 1500 دولار).

ورغم أنّ القانون الرواندي يحمي ضحايا هذا النوع من الفساد في المؤسسات، إلا أنّه لم يتم تسجيل أي شكوى من هذا النوع في البلاد.

فـ "الضحايا يفضّلون ملازمة الصمت، لأنّه من الصعب جمع الأدلّة حول هذا النوع من الفساد، بما يتيح للقضاء إمكانية التحرّي والحكم"، على حدّ قول منسّقة المنظمة غير الحكومية، بل إنّ بعض الضحايا "يجهلون تماما أنّ بإمكانهم تتبّع المسؤولين عن مثل تلك الممارسات قضائيا.

"والأدهى من كلّ ذلك، أنّهم يعتبرون التحرّش أمرا عاديا في محيط عملهم، ثمّ إنّ لا أحد من الضحايا المتزوّجين يغامر بتدمير أسرته من أجل إدانة جلاّديهم".

صمت وجهل بالحقوق وبالقوانين يضاف إليهما خوف من نظرة المجتمع والقرين والأبناء.. توليفة جمعت بين المعطيات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، وفقا لـ "يومورونجي"، لتمنح "المجرمين" إمكانية الإفلات من العقاب، داعية مؤسسات الدولة الرواندية إلى مراجعة قانون مكافحة الفساد "من أجل تحديد واضح ودقيق لطبيعة الفساد القائم على الجنس، وإعادة تعريف الأدلة التي يتكوّن منها ملف القضية الذي سيحال إلى المحكمة".

وعجزت رواندا عن اجتياز حاجز الـ50 درجة المطلوب للنجاح في الشفافية ومكافحة الفساد بمؤشر "مدركات الفساد" لعام 2014، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية؛ حيث حصلت على 49 درجة. وقُسم المؤشر بين صفر ومائة درجة، وتعكس الدرجة الدنيا وجود مستويات بالغة من الفساد وانعدام الشفافية، بينما تشير الدرجة العليا لنظافة وشفافية بالغين.

ومنظمة "التطوير المؤسّساتي والدعوة إلى الشفافية الدولية في رواندا" هي منظمة غير حكومية من أصل ألماني، تعنى بمكافحة فساد الحكومات والمؤسّسات الحكومية الدولية.