يعيش الجنوب الليبي في ظل التشرذم السياسي والصراع العسكري والاستقطاب الحاصل بين الأطراف الفاعلة في المشهد الليبي، حروبا أهلية طاحنة تغذيها تدخلات خارجية أنهكت وعمقت من المعانات الإنسانية المزرية أصلا في منطقة تعيش وسط حالة من التناسي والإهمال منذ سنوات،في ظل الغياب الكامل لمؤسسات الدولة الأمنية والخدمية.

وأعادت الأوضاع الأمنية المتردية، الجنوب الليبي إلى دائرة الضوء،حيث شهدت مدينة سبها،وصول المبعوث الاممي إلى ليبيا غسان سلامة،في أول زيارة له إلى الجنوب الليبي منذ توليه منصبه في 16 يونيو/ حزيران 2017،كما أنها الأولى لممثل خاص للأمين العام للامم المتحدة للبلاد منذ عام 2012 

وخلال لقائه بعدد من أعيان وأكاديميي الجنوب الليبي، قال سلامة :"لاحظت خلال عملي منذ 15 شهراً أن أهل الجنوب هم أحرص سكان البلاد على وحدتها ومكانتها".ونقلت الصفحة الرسمية لـ"بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا"، على موقع تويتر، عن سلامة القول :"كنت دائماً أصر على أن للجنوب علينا دين، وهذا الدين يجب أن نوفيه، ولذلك آمل أن يكون هذا اللقاء بداية قيامنا برد الدين الذي للجنوب علينا".

وأضاف :"هذه الزيارة هي أول زيارة عمل تقوم به لجنة أنشأتها البعثة في أول يناير، اسمها /اللجنة الخاصة بالجنوب/، تضم أعضاء يمثلون الجوانب السياسية والإنمائية والإنسانية. سنفتتح قبل نهاية هذا الشهر مكتباً للبعثة في بنغازي وآمل بافتتاح مكتب في سبها خلال هذا العام".

ووجه سلامة انتقادات لاذعة للأجسام السياسية الموجودة في ليبيا (مجلسي النواب والدولة والمجلس الرئاسي).قائلا ان المؤسسات التي تحكم البلاد دون المستوى لان الخلافات الداخلية تعصف بها ويغلب فيها الشقاق والنفاق على المصالحة.وأضاف سلامة انه ان الاوان للبحث عن بدائل لمجلس النواب ومجلس الدولة والمجلس الرئاسي  لأنها مؤسسات لا تعمل كما يجب ولا تهتم بسيادة البلاد ولا تهتم كما ينبغي بالقطاع الامني.

وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا دعت في ديسمبر الماضي إلى اتخاذ إجراءات فورية وفعالة إزاء الاضطرابات في جنوب ليبيا. وأكدت البعثة أن الأمم المتحدة "تدرك أن لسكان الجنوب تظلمات مشروعة وأنه يتوجب معالجة القضايا الملحة المتعلقة بتقديم الخدمات".وشددت على أن "أعمال العنف والخروج على القانون تؤدي إلى تفاقم تردي الخدمات التي يعاني الجنوب أصلاً من نقص فيها، ما يزيد من حرمان سكان المنطقة من هذه الخدمات".

وتأتي هذه الزيارة عقب تزايد المشاكل الأمنية في جنوب ليبيا، إلى جانب محاولات سلامة إيجاد مخرج للأزمة الليبية قبل نهاية سنة 2019.وأكد سلامة أن البعثة تسعى جاهدة لوضع ترتيبات أمنية كما تهدف إلى التوسط بين مختلف الفرقاء في مختلف أصقاع ليبيا والجنوب تحديدا، مهددا باللجوء إلى عقوبات إذا اضطرت البعثة إلى ذلك.

وسبق أن أكد المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، بأن أسبابا أمنية حالت دون زيارته إلى جنوب البلاد.وهو ما اضطره في فبراير 2018،الى عقد لقاء مع نواب البرلمان وأعضاء في المجلس الرئاسي من الجنوب الليبي في العاصمة الليبية طرابلس.

ووعد سلامة حينها أن تعقد الأمم المتحدة لقاءات في الجنوب الليبي، ولكنه استدرك قائلا "عندما تتحسن الظروف"، لافتا في نفس الوقت إلى أن منطقة الجنوب الليبي "لم تحصل على المستوى نفسه الذي تحصلت عليه مناطق أخرى، ولهذا نفتح صفحة جديدة ضمن إمكانات الأمم المتحدة لنسهم في معالجة سد الحاجات في الجنوب".

ولم تكن تلك المرة الأولى التي يبدي فيها المبعوث الأممي اهتمامه بالجنوب الليبي،ففي أكتوبر 2017، وعد غسان سلامة، بتجييش كل القدرات المتاحة داخل البعثة الأممية لخدمة أهالي الجنوب، على حد تعبيره. وقال سلامة في كلمته الختامية خلال اجتماعه مع ممثلين عن الجنوب الليبي في طرابلس: "لا أعدكم بما لا أقدر على تنفيذه، ولكن أعدكم بأن أنفذ كل ما أنا قادر عليه"، بحسب ما نشرت البعثة على صفحتها في فيسبوك.

كما شارك المبعوث الأممي لدى ليبيا،في ديسمبر 2017، بمنتدى الجنوب للمصالحة، مبدياً اهتمامه البالغ بنجاح الملتقى. وقال بحسب تغريدة للبعثة الأممية على موقع "تويتر" إن الجنوب يلعب دوراً رئيسياً في اللحمة الوطنية ووحدة التراب الليبي وحماية الحدود. مشيرا إلى بدء البعثة بأعمال ترميم مستشفيات "أوباري" ومدارس وجامعة سبها، مؤكداً على أن مشروعهم هو مضاعفة الاهتمام بالجنوب.

وتثير زيارة غسان سلامة الى الجنوب الليبي تساؤلات حول مدى جدية الأمم المتحدة في الاهتمام بهذه المنطقة التي يعتبرها الكثيرون مفتاح الحل للأزمة الليبية،خاصة وأن المبعوثين الأمميين السابقين الإسباني برناردينو ليون والألماني مارتن كوبلر لم يقوما بزيارتها.

تساؤلات طرحها عضو مجلس الدولة عبد الرحمن الشاطر،الذي قال في تغريدة له بموقع "تويتر" "هل تبعث زيارة غسان سلامة  لأول مرة لمبعوث أممي للجنوب الليبي رسالة ذات أهمية للأطراف المتنازعة عنه من الداخل والخارج؟ هل ستحمل تحذيرات مباشرة لهم؟ هل ستكون بداية الاهتمام الفعلي به بعد ان تخلت عنه كافة حكومات ليبيا انا استبشر خيرا  وعساها توقظ النوام".

ويعد إقليم "فزان" أو جنوب ليبيا أحد أهم المناطق الاستراتيجية فى ليبيا لما ينعم به من ثروات هائلة من ذهب وماس ويحتوي بحسب دراسات المسح الجيولوجي الحديثة التي قامت بها شركات نفط أوروبية وأمريكية، على احتياطي هائل من النفط والغاز،وهو ما جعله في مرمى الصراعات والأطماع الخارجية.

وفي مقابلة مع الإذاعة الجزائرية الناطقة باللغة الفرنسية، الجمعة،حذّر مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى ليبيا غسان سلامة من تدخلات قوى إقليمية ودولية في الجنوب الليبي.وقال سلامة إن "قوى إقليمية ودولية بدأت تتدخل في الجنوب الليبي بشكل أو بآخر دونما أي احترام للسيادة الليبية".

ويتصاعد الغضب الشعبي في الجنوب في ظل تردي الأوضاع الأمنية ما تسبب في تغول ميليشيات مسلحة من المعارضة التشادية والتي تمارس عملياتها المسلحة ضد المدنيين والعسكريين بمدن الجنوب الليبي،ناهيك عن انتشار التنظيمات الارهابية وعلى رأسها تنظيمي "داعش"و"القاعدة"،ما يمثل خطر يتهدد كامل البلاد.

ويرى مراقبون أن الاهتمام الأممي الأخير بمنطقة الجنوب الليبي قد يمثل بداية لانهاء الأزمات التي تعيشها هذه المنطقة الاستراتيجية،حيث يعتبر الكثيرون أن تطهير الجنوب وإخراجه من حالة التهميش وادماجه في القرار السياسي في البلاد يمثل أهمية كبيرة في إطار فرض الأمن والإستقرار في كامل ربوع ليبيا.