تحديات جسيمة يجد الاقتصاد الليبي وضعه في مواجهتها بعد الاشتباكات المسلحة خاصة التي تستهدف الموانئ والخطوط النفطية والسياسات الاقتصادية فضلا عن صراعات التموقع داخل المؤسسات العامة في البلاد. وساهمت كل هذه التمظهرات في تردي الوضع الاقتصادي الذي تجلى في خفض قيمة الدينار الليبي أمام العملات الاجنبية الأخرى ما أدى إلى تدهور ترتيبه وفق مؤسسات دولية مختصة.

ارتباك

شهد سعر صرف الدولار في السوق الموازية تصاعدا ملحوظا حيث واجه سعر الصرف الموازي صدمات أكثر شدة أوصلته في يناير الماضي 10 دينار ليبي للدولار الواحد بمعدل تغير تراكمي تجاوز 400 بالمائة. وعاود الانخفاض تحت ضغط القطاع الخاص ليستقر عند سعر ما بين (6 -8) دينار ،ويرجع الاقتصاديون انخفاض قيمة الدينار إلى عدة أسباب أبرزها نفاذ الاحتياطيات الخارجية من النقد الأجنبي وهذا يقود إلى زيادة أسعار السلع الغذائية وغير الغذائية، ويضعف القوة الشرائية للعملة الوطنية، ويقود إلى تدفق الكثير من الليبيين إلى ما تحت خط الفقر خاصة أن ليبيا دولة مستوردة للغذاء والدواء وحتى الوقود رغم أنها دولة منتجة للنفط.

وتشير الدراسات الاقتصادية إلى أن غياب سلطة نقدية موحدة وفعالة على الجهاز المصرفي وانقسام إدارة مصرف ليبيا المركزي إلى إدارتين إحداهما في طرابلس والأخرى في البيضاء أدى إلى جعل أدوات السياسة النقدية خارج مسار السيطرة وأربك سياسة سعر الصرف، وهذا يربك المتعاملين في سوق الصرف الأجنبي ويدفعهم إلى اتخاذ قرارات اقتصادية تشاؤمية تفاقم أكثر أزمة سعر الصرف.

إصلاحات اقتصادية

في الخامس من يونيو الماضي، احتضنت العاصمة التونسية الاجتماع الاقتصادي حول ليبيا، بحضور نائبي رئيس المجلس الرئاسي أحمد معيتيق وفتحي المجبري ومحافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير، وممثلين عن دول أوروبية ومؤسسات مالية وبرعاية السفارة الأمريكية لدى ليبيا.

و جاء هذا الاجتماع من أجل تحسين الوضع الاقتصادي المتدني في ليبيا الذي أنهك المواطنين وألقى بضلاله على حياتهم المعيشية في ظل الأزمة السياسية والانقسام المؤسسي الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، بسبب الصراع بين الفرقاء الليبيين في شرق البلاد وغربها. واتفق المشاركون في اجتماع تونس، على حزمة من الإصلاحات الاقتصادية، تتضمن زيادة مخصصات الأسر السنوية من الصرف الأجنبي من 500 دولار إلى ألف دولار، وإعادة تفعيل قرار دفع علاوة الأسرة والأبناء، ورفع الدعم عن المحروقات، وتغيير سعر الصرف الأجنبي المتاح للاستيراد والعلاج والذي سيكون متاحا للجميع.

عراقيل سياسية

وأوضح الكاتب الليبي علي أبوزيد في تصريحات صحفية، أن الإصلاحات الاقتصادية تهدف بشكل رئيسي إلى تخفيف العبء عن كاهل المواطن، وتلافي بعض الأزمات المتفاقمة من شح السيولة والشلل المصرفي، واتساع الهوة بين سعر صرف الدينار الرسمي مقابل الدولار وسعر الصرف في السوق الموازي.

ورأى أبوزيد، أن الإصلاحات المعلن عنها لم تتضح بشكل جيد ورسمي إلى الآن، إضافة إلى كونها مؤشراً غير جيد، لأن التصريحات حول هذه الإصلاحات المزمعة يظهرها في مظهر الحلول الآنية التي تعالج بعض نتائج ومضاعفات الوضع الاقتصادي المتردي، على حد قوله.

وأشار أبوزيد، إلى أن الانقسام السياسي والانشطار المؤسسي في البلاد سيؤثر سلباً في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية من حيث تأخير تفعيلها، وكذلك من حيث الرقابة الفاعلة على تنفيذها، بالإضافة إلى تضارب المؤسسات المنقسمة في تنفيذها من عدمه. وأكد الكاتب الليبي على وجود بعض العقبات التي تقف أمام الإصلاحات الاقتصادية، موضحا أن هذه العقبات تتمثل في التزام مؤسسات الدولة بتنفيذها، وتوفير حدّ أدنى من الاستقرار واستمرار تدفق وإرادات النفط، مؤكدا أنه إذا لم تتوفر هذه الأمور فإن هذه الإصلاحات ستكون في مهب الريح، وفق تعبيره.

ووفقا للخبراء فإن ما يعانية المواطن الليبي اليوم من انحدار في مستوى معيشته يأتي جراء تصارع على السلطة والنفوذ كانت بين مؤسسات الدولة التنفيذية والرقابية واتضحت الحرب المباشرة في ملف الاعتمادات حيث لم تستطع المليارات التي تحدث عنها الرئاسي تحسين الوضع الاقتصادي وبالتالي فإن المشكلة الأكبر في ليبيا تتمثل في الكفاءات التي تتولى إدارة المؤسسات حيث اعتبرت التقارير الدولية أن الأزمة الاقتصادية للدولة ستمتد طالما مازالت الحكومة مستمرة في اعتماد نظام المحاصصة لتولي المناصب والإدارات.

مؤشرات جيدة

أظهرت الإيرادات العامة للدولة والترتيبات المالية للأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2018، تحسنًا للاقتصاد الليبي، في ظل استعادة قطاع النفط الممول الرئيسي للموازنة العامة للدولة عافتيه من جديد بعد سنوات من التراجع إثر أزمات أمنية وسياسة.

وقالت وزارة المالية بحكومة الوفاق الوطني، إن الإيرادات العامة للدولة حققت زيادة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري، إذ بلغت الإيرادات المفترض تحصيلها خلال تلك الفترة 17.713 مليار دينار، بينما وصل إجمالي المُوّرد (الإيرادات الفعلية) خلال الفترة نفسها 18.253 مليار دينار، أي بزيادة في الإيرادات تقدر بـ540 مليون دينار. كما أعلنت الوزارة أن الأبواب الأربعة للميزانية العامة حققت خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي فائضًا بقيمة 1.388 مليار دينار، إذ بلغت الإيرادات الفعلية خلال الفترة نفسها 18.253 مليار دينار، بينما بلغ إجمالي الإنفاق والارتباطات الفعلية 16.865 مليار دينار.

وذكر بيان لوزارة المالية أن إجمالي المبالغ المعتمدة للأبواب الأربعة في الميزانية العامة للدولة بلغ 17.713 مليار دينار، فيما بلغ الإنفاق الفعلي 16.865 مليار دينار، بوفرة بلغت 848 مليون دينار.