يرصد واين وايت، النائب السابق لمدير مكتب استخبارات الشرق الأوسط بوزارة الخارجية الأميركية، في تحليل استراتيجي، صدر مؤخرا عن موقع (lobelog: foreign policy )، تطوّرات الوضع في ليبيا وتأثيراته على دول الجوار، مشيرا إلى أن وجود حكومتين تتصارعان على السلطة في بلد لا يكاد يخضع للقانون وله حدود ممتدة ومفتوحة هو الظرف المثالي لتدفق الإرهاب، خاصة في ظل اهتمام العالم بالدولة الإسلامية وأزمة أوكرانيا وخطر إيبولا على حساب الاهتمام بحالة الغليان في ليبيا.

مازالت ليبيا تعاني من الانقسام والعنف، وبالرغم من المكاسب التي حققتها القوات العلمانية ضد المتطرفين الإسلاميين في بنغازي فإن الغلبة قد تحولت عدة مرات من جهة إلى أخرى منذ بداية هذا العام. إن وجود حكومتين تتصارعان على السلطة في بلد لا يكاد يخضع للقانون وله حدود ممتدة ومفتوحة هو الظرف المثالي لتدفق كل شيء من المخاوف المتزايدة إلى الذخائر والمقاتلين. ومع ذلك كله تبقى ليبيا في وضع غليان على الموقد الخلفي العالمي.

أطلق العقيد المتقاعد في الجيش الليبي خليفة حفتر محاولة أخرى لافتكاك بنغازي من أيدي المليشيات المتطرّفة بقيادة تنظيم “أنصار الشريعة” في ليبيا. وتعزّز موقف حفتر في العشرين من أكتوبر الماضي عندما أيد البرلمان الشرعي المنتخب في يونيو الماضي “عملية الكرامة” معتبرا إياها “عملية للجيش الليبي”.

في أغسطس أضطر مجلس النواب إلى الالتجاء إلى مدينة طبرق، الصغيرة بالقرب من الحدود المصرية. وتمكنت المليشيات الإسلامية، بما فيها “الفجر الليبية”، من الاستيلاء على طرابلس وأعادت تنصيب أغلب أعضاء البرلمان المؤقت السابق “المؤتمر الوطني العام” كحكومة منافسة.

وفي ظل وقوع جل بنغازي تحت سيطرة المتطرفين وما تشهده من أعمال عنف، قد يكون مجلس النواب اليائس ساند حفتر لأنه أحسن من يمثل أغلبيته العلمانية. زيادة على ذلك يوجد حفتر في شرق ليبيا وكان قد كسب ولاء وحدات الجيش مثل القوات الخاصة والقوات الجوية.

ماهي التبعات الإقليمية؟

الوضع الحالي المتميز بالمواجهة بين الحكومتين وتواصل الفوضى في ليبيا يمكن أن يولدا موجة أخرى من العنف، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى مزيد من زعزعة المنطقة. وقد شرع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في تطبيق إجراءات أمنية جديدة بعد مصرع ثلاثين جنديا مصريا في هجوم بقنبلة في الرابع والعشرين من أكتوبر الماضي في سيناء، وهو هجوم يعد الأسوأ إلى حد الآن.

ويرجح أن يكون مقترف هذه العملية تنظيم أنصار بيت المقدس المرتبط بالقاعدة والمتمركز في سيناء، وهو تنظيم يتلقى الذخائر من المتطرفين الليبيين في بنغازي خاصة وأن القاهرة عجزت عن وقف التهريب. ومن الواضح أن لقاء السيسي بعبدالله الثني في الثامن من أكتوبر ومشاركة مصر في الضربات الجوية على بنغازي الداعمة لحفتر لهما علاقة بالتهديد الذي يمثله المتطرفون الليبيون على السلطات المصرية.

في ذات الوقت تتزايد المخاوف من جديد من تنقل الذخائر والمقاتلين الليبيين إلى منطقة الساحل الأفريقي. في السنة الماضية تعاون المتطرفون الإسلاميون (كثير منهم من ليبيا أو استعملوا البلد كملجئ آمن) مع الانفصاليين الطوارق في محاولة للسيطرة على مالي، لكن تم القضاء على الهجوم بفضل قوات فرنسية بمساعدة عدد متواضع من القوات العسكرية الأفريقية، وأسفرت مراقبة شمال مالي والنيجر عن طريق طائرات دون طيار فرنسية وأميركية بالتوازي مع قوات قتالية فرنسية على الميدان، عن تدمير رتل من الأسلحة، في بداية شهر أكتوبر، تابع للمقاتلين يحمل ثلاثة أطنان من الأسلحة من ليبيا إلى مالي (فضلا عن القبض على عدة مقاتلين تابعين للقاعدة).

كيف سيكون الرد؟

ردا على مثل هذه التهديدات تتأهب فرنسا لتركيز قوة عسكرية صغيرة في مالي على بعد ستين ميلا فقط من منطقة في جنوب غربي ليبيا تحت سيطرة الجهاديين، ويمكن أن تنقل الولايات المتحدة 120 جنديا أميركيا للتركيز خاصة على جمع المعلومات الاستخباراتية من عاصمة النيجر نيامي إلى مدينة أغاديس الصحراوية الأقرب إلى ليبيا بمسافة 500 ميل. وحتى النيجر الدولة الفقيرة اشترت طائرة استطلاع من فرنسا بعد أن أحسّت بالخطر نتيجة وجود دلالات على ارتفاع نشاط المجموعات المسلحة على حدودها مع ليبيا.

في الجانب الشمالي وبالرغم من الخطوات السياسية التي تحققت هذه السنة نحو الاستقرار الداخلي تلقت تونس ضربة من الفوضى السائدة في ليبيا. مؤسسة التصنيف فيتش أسندت إلى تونس مؤخرا “نظرة مالية سلبية” طويلة المدى بسبب حالة التصدع الليبي التي أحدثت اضطرابا في المنطقة ودخول الليبيين إلى تونس بأعداد كبيرة. فر عشرات الآلاف من اللاجئين الليبيين من المعارك في طرابلس أغلبهم من المهنيين وعائلاتهم وعبروا الحدود، بيد أن قياديين من أنصار الشريعة في ليبيا كانوا مصدرا للعنف الجاري في تونس هذا العام.

رغم تعدد التحذيرات والمناشدات الصادرة عن المبعوث الأممي برناردينو ليون لكي تركز المجموعة الدولية اهتمامها على ليبيا لم يتبلور أي مجهود متين أو فوري لمعالجة المشاكل الليبية.

*نقلا عن العرب اللندنية