شغل البغدادي المحمودي، الذي يبلغ من العمر 74 عاما، منصب رئيس الوزراء في ليبيا من مطلع مارس 2006 حتى أواخر أغسطس 2011، وكان يطلق على هذا المنصب حينها "أمين اللجنة الشعبية العامة". وفي أغسطس 2011، أي بعد حوالي 6 أشهر من اندلاع أحداث فبراير من العام ذاته، لجأ البغدادي إلى تونس، حيث اعتقلته السلطات بتهمة الدخول إلى البلاد بطريقة غير قانونية، لكنها أفرجت عنه في أواخر أكتوبر 2011، ثم اعتقلته مجددا وبقي محتجزا في تونس إلى أن سلمته السلطات إلى نظيرتها الليبية في يونيو 2012.

واعترفت حكومة حماد الجبالي في بيان أنها سلمت المحمودي إلى حكومة عبد الرحيم الكيب سنة 2012 "بناء على تعهدات الحكومة الليبية بضمان حماية المسؤول الليبي من كل تعد مادي أو معنوي أو تجاوز مخالف لحقوق الإنسان".

وفي أواخر يوليو 2015، قضت محكمة ليبية في طرابلس بإعدام المحمودي رميا بالرصاص، إلا أن الحكم ولم ينفذ الحكم نظرا لعدم مصادقة المحكمة العليا الليبية عليه. وتقدم محاموه بطعن في حكم محكمة الاستئناف والمطالبة بإيقاف تنفيذه لكنه بقي قيد الإيقاف.

وواجه المحمودي، إضافة إلى مجموعة من رموز القذافي، تهما عديدة من قبل سجانيه، إلّا أنه مؤخرا عرفت سنوات التشفي التي نالت من المحمودي نهايتها، حيث أعلنت وزارة العدل في حكومة الوفاق الوطني الليبية في بيان، اليوم السبت، الإفراج عنه "لدواعٍ صحية".

وقالت الوزارة في بيان على صفحتها الرسمية على موقع "فيسبوك" إن قرارها بالإفراج عن المحمودي جاء "بناء على توصية من اللجنة الطبية المختصة، بشأن ضرورة خضوع المعني لرعاية طبية خاصة في مراكز متقدمة خارج المؤسسات العقابية". وأضافت أن هذه الخطوة لا تُعد "إنهاء للمتابعة القضائية للمعني أو فصل في التهم المنسوبة" له.

وأردفت أن هذه الخطوة تمت "استجابة لاعتبارات الرأفة والرحمة الإنسانية التي تشكل جوهر مبادئ حقوق الإنسان، دون أن يعدّ ذلك إنهاء للمتابعة القضائية للمعني". 

وقد خلّف قرار الإفراج عن المحمودي ردود فعل متضاربة  تعكس الخلفيات السياسية لأصحابه حيث امتزجت بين مرحب بالقرار نظرا للوضع الصحي للمحمودي و بين رافض له نظرا لعدم قانونيته. من ذلك، اعتبر عضو المؤتمر العام السابق منذ عام 2012 وعضو جماعة الاخوان المسلمين محمد مرغم قرار الإفراج عن البغدادي المحمودي آخر رئيس وزراء في عهد القذافي بأنه من الناحية القانونية "معدوما ولا يحتاج حكما لإبطالة".

مرغم أشار خلال تغطية خاصة أذيعت على قناة"التناصح" الأربعاء إلى أن كل الجهات والسلطات و الأفراد ومن يعنيهم الأمر يستطيعون الإمتناع عن تنفيذ القرار، مرجعاً إعتباره القرار بأنه معدوم لأنه صدر عدواناً على السلطة القضائية.

ولفت إلى أن "المحمودي يحاكم الآن أمام المحكمة العليا حيث صدر في حقه حكم بالإعدام وجوباً ينص القانون على ضرورة الطعن حتى من النيابة التي ليس لها مصلحة كخصم في الطعن لكن القانون أوجب عليها ذلك"، مضيفاً أن "هذا القرار معدوم ويجوز مخالفته والضرب به عرض الحائط بإعتباره عدوان من السلطة التنفيذية على قضائية".

وتابع قائلاً:"يعتمدون على نص المادة 44-45 من القانون رقم 5 بشأن مؤسسات الإصلاح الإجتماعي  وهذا القانون ينظم عمل السجون والسلطة التنفيذية لكنه لا يخل ولا ينتقص من سلطات القضاء، في قضية البغدادي المتهم فيها حوالي 30 عنصر مع وجود آلاف الصفحات والاوراق من التحقيقات و شهادات وتقارير الخبرة التي بحاجة لوقت طويل ليدرسها القاضي ويطلع عليها".

مرغم إستبعد أن تكون المحكمة تجاوزت الحد المعقول فالقاضي هو من يحدد الإفراج عنه و عادةً عندما يكون المتهم يعاني من ظروف صحية يتقدم القاضي بالالتماس للمحكمة التي تحدد في طلب مستعجل بعد الإطلاع على التقارير الطبية وتقدير الحالة الصحية إن كان الإفراج عنه يضر بالحالة أو بعمل المحكمة.

وأضاف أن "هناك عشرات ومئات المعتقلين لم يقدموا للنيابة والمحاكمة أو التحقيق ووضعهم في  السجون غير قانوني بالإضافة إلى أنهم يعانون الأمراض لكن الحكومة لم تتدخل، المجلس الأعلى للقضاء موقفه يثير الريبة فلم يصدر عنه أي بيان إستنكار لإعتداء القرار على السلطة القضائية".

وأكد على أنه "يمكن لأي متضرر من قرار الإفراج عن المحمودي الإعتراض والطعن  فيه من الناحية القانونية كالمجني عليهم و مؤسسات المجتمع المدني التي لها علاقة بحقوق الإنسان وإقامة العدل" بحسب تعبيره.

في نفس الإطار، تفاعلت وزارة العدل الليبية بشأن الجدل القانوني الذي خلقه الإفراج عن المحمودي الذي من شأنه أن يشكل حسب البعض تكريس سياسة الإفلات من العقاب حيث أكدت الوزارة، في بيانٍ لمكتبها الإعلامي إن قرارها جاء إعلاء لمبدأ شرعية القانون وتطبيقه على النحو الصحيح، وأنه واجبًا إنسانيًا قبل أن يكون قانونيًا، خاصة أن الدولة تعذر عليها توفير الرعاية الصحية المطلوبة للنزيل المريض داخل المؤسسات العقابية.

وشددت الوزارة، على أنها أخضعت الوضع الصحي لـ"البغدادي"لمتابعة دقيقة ولفترة طويلة تولاها مجموعة كبيرة من الأطباء الاستشاريين المختصين والذين انتهي قرارهم إلى ضرورة متابعة النزيل لعلاجه في مؤسسات متقدمة، عجزت وزارتا الصحة والعدل عن إيجادها في المؤسسات العقابية، قائلة: "إن هذه الآراء الطبية الفنية كانت مرتكزًا لوزارة العدل لإصدار قرارها".

وأوضحت الوزارة، أن الإفراج الصحي إذا تحققت شروطه فإنه يشمل كل من انطبق عليه وصف النزيل في مؤسسات الإصلاح والتأهيل دون التفريق بين نزيل وآخر، مضيفة أن الإفراج الصحي، وفق القانون، مؤقت ويهدف لتمكين النزيل من استكمال علاجه خارج مؤسسات الإصلاح، فإذا تحسنت حالته الصحية يتم إلغاء القرار وإعادة النزيل إلى سابق حبسه.، بحسب البيان.

وأوضحت، أن القانون رسم طريقين لإلغاء قرارات الإفراج الصحي، الأول من قبل المحامي العام المختص، إذا تحسنت حالة النزيل الصحية، والثاني عن طريق الطعن بالإلغاء أمام دائرة القضاء الإداري المختصة، مؤكدة أنها ستكون ملتزمة بكل ما ينتهي إليه القضاء بالخصوص، قائلة: "فعلى من يعيب على قرارنا الالتجاء إلى القضاء بطلب إلغائه، بدلاً من القيام بممارسات أقل ما يقال عنها أنها لا تمت للدولة المدنية بصلة، ولم نراهم قد اتخذوا ذات المواقف بمناسبة إخلاء سبيل بعض المتهمين دون سند من القانون".

من جانب آخر،خرج بعض سكان مدينة زوارة في مظاهرة منددة بالقرار، مطالبين بوقفه فورا وإعادة سجن البغدادي، وقالوا في بيان لهم إن "البغدادي"متورط في قضايا تمس أمن المواطنين، ومحكوم عليه بالإعدام، مشددين على ضرورة حبسه واستكمال التحقيقات معه.

من جهته، عبر المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا في بيان له عن استغرابه قرار وزارة العدل القاضي بالإفراج عن "البغدادي المحمودي". حيث قال إن المحمودي أعطى أوامر مباشرة لقمع ثورة 17 فبراير في زوارة، مشيرا إلى أنهم لن يعترفوا بقرار الإفراج عنه كون البغدادي يعد مطلوبا في مناطق الأمازيغ.

في نفس الإطار،أعربت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، عن ترحيبها بقرار الإفراج الصحي الصادر عن وزير العدل بحكومة الوفاق بحق البغدادي المحمودي ، أمين اللجنة الشعبية العامة، "رئيس الوزراء السابق".

وقالت اللجنة في بيان لها، إنها ترحب بقرار الإفراج الصحي عن المحمودي، الذي تعرض فيه البغدادي لإجراءات قبض واحتجاز وترحيل من قبل السلطات التونسية ليمثل أمام القضاء الليبي بعدة تهم.

واعتبرت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا، أن مثل هذه المبادرات التي تفضي إلى إطلاق سراح سجناء النظام السابق ستسهم بشكل كبير في دعم جهود المصالحة الوطنية الشاملة والتوافق الاجتماعي والوطني وطي صفحة الماضي، وتعد خطوة هامة لإرساء مبأدي العدالة وسيادة القانون وحقوق الإنسان.

ودعت اللجنة لمتابعة قرارات الإفراج الصادرة عن القضاء ومكتب النائب العام، بحق مئات المواطنين والأجانب والتي لازالت متعثرة التنفيذ منذ سنوات بسبب عدم التزام رجال نفاذ القانون بالسجون.

وجددت اللجنة، مطالبتها بإطلاق سراح جميع السجناء والموقوفون السياسيين ، إن تشمل إجراءات الإفراج كل ممن لم يثبت تورطهم في أي جرائم جنائية ، وذلك للأسباب صحية التي يمر بها عدد كبير من السجناء والمعتقلين السياسيين.

وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا ، جميع السلطات الليبية التشريعية والتنفيذية والقوي الوطنية والإجتماعية والسياسية ومؤسسات المجتمع المدني، بالعمل على دعم و مساندة السلطات القضائية، بتطبيق أوامر النيابة العامة والمحاكم بشأن القبض والأحضار والحبس والإفراج، وذلك ترسيخاً لسيادة القانون والعدالة في ليبيا، وتحقيقاً لمطالب وخيارات الشعب الليبي في بناء دولة القانون والمؤسسات المنشودة.