دخلت وسائل الإعلام التونسية ميدان المعركة الانتخابية بعد التصريحات النارية والهجمات التي تبادلها مترشحا الرئاسة مع الإعلام والصحفيين، كما طغى الخطاب العدائي المتشنج على الدعاية الانتخابية للدور الثاني.

تحولت وسائل الإعلام التونسية إلى منافس ثالث في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية، بعد تراشق الاتهامات والهجوم والتصريحات النارية بين مرشحي الرئاسة ووسائل الإعلام.

وقابلت الأوساط الإعلامية التونسية هجمات مرشحي الرئاسة الباجي قائد السبسي والمنصف المرزوقي، على الإعلام والصحفيين باستنكار شديد، كما حذرت النقابة الوطنية للصحفيين من نقل خطاب التقسيم والكراهية والحقد إلى عموم التونسيين عبر وسائل الإعلام الجماهيرية معبرة عن أسفها لعدم تنبه الإعلام الى خطورة تغطية هذه النوعية من الخطابات المتشنجة وذلك في إشارة إلى خطابات المترشحين للدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية الباجي قائد السبسي ومحمد المنصف المرزوقي.. ولوحت النقابة في بيان أصدرته بدعوة الصحفيين إلى مقاطعة الحملة الانتخابية للمترشحين في صورة تواصل هذا الخطاب التجييشي والمعادي للصحفيين ولمبادئ الديمقراطية.

وأدانت في ذات البيان سعي المسؤولين عن الحملات الانتخابية للمترشحين إلى توظيف الإعلام في معارك وهمية ودفعه إلى تقديم محتويات لا ترتقي إلى مستوى الحملات الانتخابية مثلما هو الشأن في البلدان الديمقراطية مهيبة بالصحفيين آلا يكونوا وقودا لمعركة سياسية وانتخابية وأن يحافظوا على الحياد التام كما اعتبرت أن حالة التشنج بلغت درجة غير مقبولة بعد تلفظ قائد السبسي بشكل مجاني بعبارات نابية ضد صحفي كان بصدد أداء عمله، ومواصلة المرزوقي نفس الدعوات المناهضة للإعلام والإعلاميين من خلال وصفهم بعبارات تقلل من شأنهم وتحرض ضدهم رغم اعتذار مدير حملته في وقت سابق.
ومن جهة أخرى نددت نقابة الصحفيين التونسيين بجريمة انتحال اسمها واسم رئيسها للتعبير عن مواقف خاصة وأعلنت أنها ستقوم بتتبع هذه المجموعات الافتراضية قضائيا وفي هذا الصدد أفاد نقيب الصحفيين ناجي البغوري في تصريح أن النقابة ستتقدم بشكوى حول التزوير وانتحال صفة واستعمال اسم النقابة للترويج لخطاب إجرامي ونسبة أمور غير صحيحة للنقابة.

وكان البغوري قد كتب على صفحته في أحد مواقع التواصل الاجتماعي أن الجهات التي قامت بهذا العمل معروفة بعدائها للصحفيين وحرية الصحافة والتعبير بشكل عام دون أن يسميها.

بدوره دعا عضو مجلس الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري “الهايكا” رياض الفرجاني، “المترشحين للدور الثاني للانتخابات الرئاسية وأنصارهم إلى توخي الحوار العقلاني والرصين في مختلف وسائل الإعلام السمعي والبصري”. ونبه “إلى ضرورة تذكير المتدخلين في وسائل الإعلام بالقانون الانتخابي خلال الحملة وخارجها”.

وفي ما يتعلق بتصريحات المترشحين إلى وسائل الإعلام الأجنبية، لفت الفرجاني “إلى تسجيل عدة خروقات ترقى في بعضها إلى الجسيمة على غرار التمييز ضد الفئات المهمشة والتمييز ضد المرأة والتمييز العنصري والجهوي”.

وبين في هذا الصدد “أن الهيئة العليا المستقلة للانتخابات هي الجهة الوحيدة التي يخول لها قانونيا تتبع المترشحين”.

وكان رئيس حركة نداء تونس والمرشح الرئاسي الباجي قائد السبسي قد تعرض لانتقادات واسعة بعد الرد على سؤال لصحفي بقناة المتوسط خلال لقاء إعلامي بطريقة غير لائقة. واضطر إلى تقديم اعتذار عن التصرف الذي صدر عنه إزاء الصحفي.

أما المرزوقي فإن هجومه على الإعلام، لم يعد سابقة، واتسمت العلاقة بينه وبين الصحافة بالتوتر الدائم إلى درجة أنه قال أن الإعلام يتحمل “مسؤولية ما وصلت إليه البلاد للمنظومة القديمة”، كما وصف الإعلام بـ“الحقير المضحك”، وذكر أن الإعلام يقف وراء “الخلايا النائمة للحزب القديم التي نشطت خلال الانتخابات التشريعية”. وبنقد وصل حد التجريح والإساءة قال المرزوقي “إن الإعلام ضرب المواطن وكذب عليه وزور الواقع خلال السنوات الثلاث الأخيرة”.

وكان المنصف المرزوقي قد وصف في خطاب سابق له الإعلام عامة والتلفزيون الوطني خاصة بـ“الإعلام الكاذب والفاسد والذي ليست له صفة ليتحدث باسم التونسيين”.

وقد عبرت حينها النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين عن استهجانها مثل هذا التصريح الخطير، وقالت إنها “تستهجن هذه العدائية التي يكنها الرئيس المؤقت للإعلام والإعلاميين وتستنكر أسلوب التحريض الذي يعرض حياة الصحافيين إلى شتى المخاطر”. وكان أيضا للإعلاميين حضور في شن الهجمات على مرشحي الرئاسة، حيـث مثلت الصحفية السابقة بقناة المتوسط ناديـة فارس، أمام الإدارة الفرعية للقضايا الإجراميـة بطلب من النيابة العمومية بعد أن كتبت تدوينة على صفحتها على الفايسبوك يوم الاقتراع في الانتخابات الرئاسية قالت فيها إن صعود السبسي إلى الرئاسة سيكون سببا في انتشار الدماء واستعمال السلاح، قبل أن تحذف ما كتبته وتعوضه بخطاب فيه اعتذار جاء فيه “لقد كتبت هذا الصباح تدوينة بعد أن بلغتني أخبار عن وجود محاولات لتزوير الانتخابات، أقر بأنها احتوت على خطاب متشنج، ولعل عذري في ذلك خوفي على مآل ثورتنا وخشيتي على فقدان الديمقراطية”.

وكانت أيضا بعض وسائل الإعلام أثارت موضوع “التقسيم الجهوي(حسب المناطق)” إثر نشرها لنتائج استطلاعات الرأي بعد ساعات من انتهاء التصويت في مراكز الاقتراع ووضوح هوية الفائزين بالمركز الأول والثاني، حيث أشارت بعض الصحف إلى أن “السبسي يسيطر على الشمال والوسط” و“المرزوقي يسيطر على الجنوب”، وهو ما لقي استهجانا كبيرا من قبل بعض المراقبين.

وذكرت هيئة الانتخابات المرشحين بأن الدعاية الانتخابية يجب أن تخضع لجملة من المبادئ أهمها عدم الدعوة إلى الكراهية والعنف والتعصّب والتمييز، ودعتهما “إلى تغليب المصلحة الوطنية والعمل على إنجاح المسار الانتخابي وتفادي كل أسباب التشنج والعنف مما قد يؤثر سلباً على نزاهة العملية الانتخابية”.

كما دعت “الجبهة الشعبية” الطرفين في الدور الثاني إلى “تغليب المصلحة الوطنية والابتعاد عن خطاب التقسيم للشعب”.

*نقلا عن العرب اللندنية