يمكن القول أن قطاع الإعلام كان أكثر القطاعات التي تعرضت الى النقد والتحامل و دعوات التطهير و الإصلاح ، وهي دعوات جاءت من غير أهل المهنة وأخذت شكل ضغوط واعتصامات وهجومات وتشهير عبر شبكة التواصل الاجتماعي ، وأساسا الفايسبوك ، قبل أن تتحرك رئاسة الجمهورية وتصدر تقريرها " الأسود" حول منظومة الدعاية زمن العهد السابق ، لتكون النهاية بتقرير مرصد أخلاقيات العمل الصحفي الذي صدر باسم النقابة الوطنية للصحفيين ، والذي تلقفه أغلب العاملين بالقطاع باستنكار فتعددت المقالات الرافضة له والمنتقدة لتركيبة الفريق الذي تولى الرصد وتحليل مقالات الصحف و المتكون من خريجين جدد لم تكن لديهم أدنى تجربة للتقييم ، ورأى المنتقدون أن هذا التقرير تضمن اخلالات لا تخلو من شبهات التوظيف وسوء النية وانه قدم خدمة مجانية لحزب حركة النهضة، وتضمن تشهيرا بالصحف ، وانه أعطى للنقابة صلاحية ليست من صلاحياتها وهي محاسبة مؤسسات القطاع ولعب دور الهيئة التعديلية دون وجه حق .

وتأتي هذه التقارير المتهجمة على قطاع الإعلام وضرب مصداقيته و الطعن في أدائه في وقت كشفت استطلاعات الرأي زيادة نسبة رضا التونسيين على القطاع وبلوغها أكثر من 60 بالمائة .وفي المقابل صدرت تقارير أخرى حازت الرضا ولم تسجل طعنا في منهجيتها و نتائجها مثل التقرير الذي أصدرته وحدة الرصد و المتابعة التابعة للهيئة العليا المستقلة للانتخابات خول حجم و محتوى وتعامل المؤسسات الإعلامية مع انتخابات 23 أكتوبر 2011 ، وكذلك التقرير الذي أعده ائتلاف جمعيات المجتمع المدني من أجل الانتقال الديمقراطي والذي رصد مضمون الإعلام التونسي خلال الفترة الانتقالية وتحديدا قبل و أثناء و بعد الانتخابات السابقة ( بين غرة أوت و 25 نوفمبر 2011)هذا التقرير حاول رصد مدى التزام مختلف وسائل الإعلام التونسية بمهنية التغطية الصحفية بين جميع الفاعلين السياسيين وإفساح المجال أمامهم لعرض برامجهم دون تمييز لمعرفة درجة نزاهة و حياد المؤسسات المعنية بالرصد وتخلصها من مجال الاحتكار السابق و اتجاهها نحو الإعلام الحر و المستقل .

مجال الرصد :

عملية رصد الإعلام التونسي في بداية مرحلة الانتقال الديمقراطي في هذا التقرير اعتمد على متابعة مضمون 7 صحف يومية و 5 محطات إذاعية و5 قنوات تلفزية.أولى نتائج البحث الخاصة بتغطية نشاط المرأة كفاعل سياسي في وسائل الإعلام التونسية كشف أن حضور المرأة كان ضعيفا وتراوح بين 4 بالمائة و11 بالمائة بين مختلف وسائل الإعلام المعنية بالرصد ،ولم يوجه التقرير التهمة الى الإعلاميين في هذا الشأن بل أكد أنضعف حضور المرأة كناشط سياسي يعود الى توسع ثقافة ذكورية لدى السياسيين مقابل خطاب يدعو الى التناصف .ولاحظ التقرير غياب إعلام التحري والاستقصاء والحوارات  في المادة الإعلامية مقابل طغيان المقالات و التغطيات وبدرجة أقل الإشهار الحزبي .وكشف التقرير سيطرة أخبار نشاط الحكومة على التغطيات في الفترة التي سبقت الانتخابات لتتحول بعد إعلان النتائج الى سيطرة نشاط التحالف الحزبي .

نقص الحرفية و الحياد:

واستخلص التقرير من خلال نتائج الرصد انحياز الصحافة المكتوبة أثناء تغطيتها لمختلف الفاعلين السياسيين وكانت غير حيادية في تناولها ليتقلص هامش ضعف الحيادية تدريجيا الى 18.5 بالمائة تقريبا بعد إعلان نتائج الانتخابات بعد أن كانت في حدود 33 بالمائةولاحظ التقرير أن المحطات الإذاعية كانت أكثر توازنا و حيادا في تغطية الفاعلين السياسيين وبلغت نسبة المادة الإذاعية غير الحيادية قرابة 30 بالمائة في كانت في حدود 36  بالمائة في القنوات التلفزية.