الأزمة السياسية الحادة التي تعيشها ليبيا منذ سنوات، ألقت بضلالها على القطاع الاقتصادي في البلاد وأدت إلى وقوع البلاد في أزمة مماثلة في الجانب الاقتصادي، بسبب الانقسام السياسي الذي تعاني منه معظم المؤسسات التشريعية والتنفيذية والسيادية في الدولة. ويجمع مراقبون محليون ودوليون إلى أن السبب الرئيس في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تشهدها ليبيا منذ أعوام هو انقسام المؤسسات السيادية في البلاد من بينها المصرف المركزي. وتبذل بعض الأطراف والمؤسسات في ليبيا جهودا حثيثة لإيجاد مخرج سريع من هذه الأزمة الاقتصادية التي أرهقت كاهل المواطن.

استنكار مكشوف للإجراءات الحكومية


استلم وزير الاقتصاد والصناعة الجديد بحكومة الوفاق علي العيساوي اليوم الخميس رسمياً مكتبه في مبنى الوزارة من سلفه ناصر فضل الله الدرسي، بعد اجتماعه مع رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج أول أمس الثلاثاء وسط مطالبات من القيادة العامة وقبيلة العبيدات بفتح قضية اغتيال رئيس الأركان السابق اللواء عبد الفتاح يونس التي يعتبر العيساوي أحد المتهمين فيها.

في نفس السياق، استنكرت لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب في بياناً لها يوم الإثنين ما قام به المجلس الرئاسي بتعيين وزير للاقتصاد بشكل استفزازي وغير مقبول. وأوضحت في بيانها أن علي العيساوي المعين من قبل الرئاسي مدرج في قوائم الإرهاب الصادرة عن لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب. وأضافت أن العيساوي متهم باغتيال اللواء عبد الفتاح يونس العبيدي ولم تتم تبرئته حتى الآن، معتبرة أن تعيينه يعد تصرفاً غير مقبول يعمق الانقسام في البلاد ويهدد وحدتها.

وتستمر نشاطات السراج الاقتصادية حيث بحث أمس الخميس مع محافظ مصرف ليبيا المركزي الصديق الكبير بحضور وزيري المالية والاقتصاد بحكومة الوفاق فرج بومطاري وعلي العيساوي الخطوات التي تم اتخاذها فيما يتعلق ببرنامج الإصلاح الإقتصادي.

الاجتماع استعرض بحسب مكتب إدارة الإعلام والتواصل برئاسة الوزراء بحكومة الوفاق الجوانب الفنية والإدارية التي من شأنها تحقيق المستهدف من البرنامج الإقتصادي والذي يشمل حزمة من الإجراءات إلى جانب مناقشة أداء عدد من قطاع الخدمات العامة وبحث سبل تطويرها.

انتقادات دولية للاصلاح الاقتصادي


انتقدت مجموعة الأزمات الدولية عدة نقاط في برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي أقرَّها المجلس الرئاسي والمصرف المركزي في سبتمبر الماضي. ورصد التقرير الثغرات في خطّة الإصلاحات منها في استغلال المجموعات المسلحة لنفوذهم لتحقيق مكاسب شخصية، من خلال الحصول على العملة الأجنبية بالسعر الرسمي للصرف، الأمر الذي جعل الليبيين يفقدون الثقة في قدرة الدولة ومؤسّساتها على تنفيذ خطة الإصلاحات الاقتصادية، دون تدخّل هذه المجموعات المسلحة والاستئثار بالمتغيرات لصالحهم، وعلى رأسها التحايل على الرسوم المفروضة على سعر الصرف والحصول على العملات بالسعر الرسمي، ومن ثم الاستفادة من فرق السعر في السوق الموازي. وأوضحت المجموعة أن فرض رسوم إضافية على سعر العملة الأجنبية مبهم، وأنّ الحكومة تحاول منح بعض الشركات والسلع استثناءات تعفيهم من هذه الرسوم، الأمر الذي يجب تفاديه كلياً تجنّباً لفتح أي باب للاستغلال.

وأضاف التقرير أن أهمّ الثغرات في خطّة الإصلاحات الاقتصادية الليبية التي طرحتها مجموعة الأزمات الدولية أمام الاتحاد الأوروبي؛ أنّ الدعم الوحيد غير المباشر الذي وفّرته الحكومة للمواطن الآن، هو تمكينه من الحصول على منحة بقيمة ألف دولار بالسعر الرسمي، الأمر الذي اعتبرته المجموعة خطيراً جداً، إذ إنَّ هذه المبالغ التي يحصل عليها المواطنون، سيبيعونها في السوق الموازي للحصول في مقابلها على الدينار الليبي، وبهذه العملية سيكون الرابح الأكبر هو تاجر العملة في السوق الموازي، الذي توفّرت له مبالغ ضخمة بمئات ملايين الدولارات؛ لتستمر تجارته في السوق الموازي.

وطالبت المجموعة توحيد المؤسسة المصرفية المتمثلة في مصرف ليبيا المركزي، والذي يمثل رسالة قوية وجادة لكل الأطراف السياسية بشأن إنهاء الانقسام في البلاد، والاتجاه نحو الاستقرار.