خاص بوابة افريقيا للاخبار 

موضوع علاقات الإخوان المسلمين بالغرب بشكل عام أثار  ويثير الكثير من الجدل.. وبينما ينكر الإخوان أي علاقة بينهم وبين أميركا وأوروبا زاعمين بأن ذلك لا يعدو أن يكون محاولة لتلطيخ سمعتهم وتشويه صورتهم ، تؤكد وثائق ودراسات ، وحتى تسجيلات للإخوان أنفسهم ، وجود علاقات بشكل أو بآخر بين الجانبين ، بعضها قديم  والبعض الآخر جديد.

السياق الحديث لعلاقات الإخوان بالغرب

في عددها الصادر بتاريخ 3 ديسمبر 2013 ، نشرت صحيفة "اليوم السابع" تسجيلا حصريا يقر فيه الرئيس المعزول محمد مرسي بالصوت بأن جميع الجهات الخارجية،  من أميركيين وأوروبيين ، وافقت على تشكيل حكومة الإخوان مؤكدا في الوقت ذاته أن بعض هذه الجهات أبدت تحفظات على مشاركة السلفيين . ويذهب مرسي في التسجيل نفسه إلى أن حزب النور والسلفيين "متلخبطين شوية" في العملية السياسية رغم حصولهم على 25% من مقاعد البرلمان..

"اليوم السابع" نفسها نشرت أيضا تسجيلا صوتيا لنائب المرشد في الحركة المحظورة "خيرت الشاطر" بين فيه كيف ارتقت طموحات الجماعة من هدف تحسين صورتها لدى الغرب إلى الطمع بعلاقات استراتيجية مع الدول الأجنبية.. وقال الشاطر في هذا الشأن في التسجيل الصوتي المشار إليه " عندما نتحدث عن قضية العلاقات الخارجية فنحن نمر بمرحلة جديدة ، وبالتالي فالتصور الذي وضعناه  بشكل مبدئي كان مسيطرا على ذهننا تصحيح الصورة الذهنية لجماعة الإخوان المسلمين وحزبها أمام الرأي العالمي كله ، وتمت مقابلة سفراء ووزراء ومسؤولين في كل أنحاء الدول عندما مر الوقت وعلمنا أننا اقتربنا من المشاركة في إدارة الدولة ووجدنا أننا بحاجة إلى بناء علاقات خارجية مش مسألة تكوين صورة ذهنية فقط "..   يتضح إذن من خلال رؤية تحليل مضمون خاطفة أن موضوع العلاقات الخارجية في فكر الإخوان يرقى إلى مستوى "القضية" وأن المرحلة الجديدة التي يتحدث عنها التسجيل تستتبع وجود "مرحلة قبلية أو سابقة في هذه العلاقات ، بمعنى أن العلاقات بين الإخوان وأطراف أجنبية كانت قائمة من قبل"

500 مقابلة تمت مع مسؤولين أجانب خلال 4 أشهر

ويعود الشاطر إلى حاجة الإخوان لبناء شراكات استراتيجية مع الدول الأخرى "إننا بحاجة إلى تقوية العلاقات الخارجية وبالتالي فالرؤية الأولية التي سيطرت على مسألة تحسين الصورة الذهنية كان لابد من تطويرها  لترتيب علاقات وبناء شراكات استراتيجية كاملة أو جزئية مع الدول الخارجية". وهو ما يوضح أن الجماعة تؤمن بتطوير علاقاتها مع الخارج ، وعدم الوقوف  بها عند مستوى معين أو سقف محدود ..

حتى الآن تبدو الأمور عادية وربما مقبولة من جانب حزب يطمح لما يسميها  تحسين الصورة الذهنية مع عالم خارجي واسع، لكن سرعان ما يتغير هذا الاعتقاد لدى المتتبع بعد أن يكشف الشاطر في التسجيل عن تفاصيل العلاقات الخارجية لجماعة الإخوان ، حيث يقول: " هناك 500 مقابلة تمت مع مسؤولين أجانب داخل مصر وخارجها خلال الأشهر الأربعة الماضية ، بمتوسط يزيد على 100 مقابلة شهريا وبما يعادل أكثر من 3 مقابلات في اليوم إن لم يكن أكثر، فتمت مقابلات مع مسؤولين بأغلب السفارات باستثناء ، للأسف ، بعض السفارات العربية وبعض السفارات الإفريقية" ليتأكد أن المقصود بهذه العلاقات هو الغرب بالدرجة الأولى، وهو ما يبدو أوضح في قول الشاطر بأن "المقابلات مع كل السفراء الأوروبيين والآسيويين ومعظم المسؤولين الأميركيين وتمت مقابلتهم إما في مقر الجماعة أو الحزب أو المقرين معا ، ومن الممكن أن يأتي وزير خارجية .. السفير الفرنسي قابل المرشد مرتين والحزب مرة أو مرتين خلال شهر واحد مع إجراء كثير من الاتصالات .. والسفير الإنجليزي نفس القصة" على أن هذه الفكرة تستتبع مستويين، الأول أن العلاقات بين الإخوان وفرنسا وإنجلترا على قدر ليس بالهين من الرسمية ، فهي علاقة بين حركة سياسية ومسؤولين رسميين يمثلون بلدانهم الفاعلة في المسرح الدولي ، أما المستوى الثاني فيحدده مكان انعقاد الاجتماعات وهو غالبا مقر الحزب أو مقر الجماعة وهو ما يظهر الخلل في هذه العلاقات ، ويؤكد بالتالي مقولة أن "الإخوان كانوا حول الحزب وليس حول الوطن". إذا كان هذا طرح الإخوان بالنسبة للعلاقات مع الغرب ، أوربيين وأميركيين ، كيف كانت هذه العلاقات بين الجانبين في الماضي إن القريب أو البعيد ؟

في يوليو الماضي وفي حوار مع الأهرام العربي اعترف سعد الدين إبراهيم استاذ علم الاجتماع ومدير مركز بن خلدون بأنه لعب دور الوسيط  بين الإخوان والأميركيين في زمن الرئيس المصري السابق حسني مبارك عبر تسهيل اللقاءات بين القياديين في جماعة الإخوان خيرت الشاطر وعصام العريان ومحمد بديع ومهدي عاكف مع المسؤولين الأميركيين . ولو أن إبراهيم قال إنه لم يتم التوصل لأي اتفاقيات أو اي صفقات  على اعتبار أم الهدف الرئيسي كان هو الحرص على أن تكون هناك قنوات اتصال لا تنطع بينهما ويتم استثمارها عندما يأتي الوقت المناسب. والحال أن جماعة الإخوان استغلت هذه العلاقات لاستدرار العطف والدعم لعناصرها وللدفع نحو ضغط دولي على نظام الرئيس السابق حسني مبارك ..

علاقات قديمة

في دراستة التي حملت عنوان Europe underestimated Islamists   (أو أوروبا أساءت تقدير الإسلاميين)، والتي نشرت بمجلة Middle East Forum  الفصلية ، يرى آيان جونسون أن صناع القرار السياسي دأبوا على التقليل من شأن وخطورة الإخوان المسلمين بالخصوص...وتسوق هذه الدراسة حدثا تاريخيا تمثل في عثور جهاز الاستخبارات الألماني الغربية في بداية عام 1959 على وثيقة هامة بشأن تعاون مشترك بين الولايات المتحدة الأميركية وجماعة الإخوان المسلمين .. وتكشف الوثيقة موضوع الحديث دعم واشنطن لسعيد رمضان أحد رموز الإخوان تربطه بالشيخ حسن البنا مؤسس الإخوان علاقة مصاهرة ، في سياق توظيفه في الحرب ضد الشيوعية.. إلا أن الاستخبارات الألمانية الغربية لم تعر كبير اهتمام  لهذه الوثيقة وفق الدراسة..

وتخلص الوثيقة إلى أن ما سمته "مسلسل التهوين الكلاسيكي " الأوروبي سمح لجماعة الإخوان المسلمين بالتعملق والتحول إلى قوة سياسية هامة وفاعلة عبر شبكة سياسية تنظيمية طموحة ساعدتها أوروبا على إيجاد موطىء قدم على أراضيها في قلب العالم الغربي..

علاقات ملتبسة بين الإخوان والغرب

تفيد دراسة أعدها معهد كارنغي للسلام حول جماعة الإخوان المسلمين في مصر ، أن   "الإخوان يواجهون 4 إشكاليات في مواجهة المجتمع المدني المصري وهي الديمقراطية والأقباط والمرأة والعلاقة مع الغرب".. فعلاقات الإخوان بالغرب يطبعها بعض الالتباس ولا تخلو من نقاط ظل عديدة ، فالجماعة تقيم علاقات مع الغرب لكنها تلتف على قيمه ومبادئه. وتلكم هي خلاصة الباحث المصري المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية  خليل العناني في كتابه: "الإخوان المسلمون في مصر ، شيخوخة تصارع الزمن" الصادر في 2007  ، حيث يشير " إلى وجود فجوة داخل الجماعة في فهمهم للديمقراطية حيث يفهمونها كممارسة وليس كقيم وأنه لا يوجد لديهم  إيمان بقيم الديمقراطية من مساواة وحرية وعدالة"

وحتى العلاقة مع الغرب تبدو غير واضحة وغير ومؤطرة.. علاقات يصبح فيها الغرب غاية براغماتية وتصبح الجماعة أداة .. يقول محمد حسنين هيكل في تصريح للأهرام المصرية إن الاعتراف الأميركي الغربي بالإخوان المسلمين لم يأت قبولا لحق لهم ولا إعجابا ولا حكمة ، لكنه جاء قبولا بنصيحة عدد من المستشرقين لتوظيف ذلك في تأجيج فتنة الإسلام لصالح آخرين مضيفا أن نشوة الإخوان بالاعتراف الأميركي الغربي بشرعيتهم لم تعطهم فرصة كافية لدراسة دواعي الاعتراف بعد نشوة الاعتراف".

 خلاصة القول ، أن حركة الإخوان لم تدخر جهدا في ماكانت تلوم عليه الحكومات السابقة.. فبينما كانت تتهم الأنظمة المصرية السابقة بالارتهان للخارج أوروبا وأميركا لم تفوت هي نفسها الفرصة لمد الجسور والتنسيق مع الأوروبيين والأميركيين لإقامة نسق علائقي معين وخدمة أهداف محددة.