أوجدت تركيا لنفسها إمتداد حيوي على الجانب الغربي من الأراضي الليبية. ومن ثم، دعّمت هذا التمدّد مبكراً بفتح خط ساخن مع تنظيم الإخوان المسلمين، وعناصر الجماعة الليبية المقاتلة، فآوت أمراء الحرب الفارين من المعارك، وعالجتهم في مشافيها، وجعلت من أراضيها نقطة انطلاق لفضائيات التكفير والتحريض.

التحرّك التركي باتجاه ليبيا جاء سريعاً على أنقاض انهيار نظام معمر القذافي حيث بدأ قبل ثماني سنوات، بحثاً عن حزام جديد في البلاد، والمساهمة في إعادة رسم خريطة تشكيل ليبيا على النحو الذي يتوافق مع رغبة الرئيس رجب طيب إردوغان، الذي يتمتع اليوم بصلاحيات واسعة وطموح أوسع. 

وكانت الحصيلة إشراع أبواب تركيا للجماعات المتشددة، بالتوازي مع تقوية شوكة تنظيم الإخوان المسلمين، والسماح لمتطرفين - بل وإرهابيين معروفين - ليبيين باستخدام الأرضي التركية في حربهم الهادفة للهيمنة على بلادهم.

في ذات التمشي،تحاول تركيا استغلال الجماعات الإسلامية من خلال الدعم الدائم والمتواصل في تحقيق العديد من السياسات الاقتصادية التي من شأنها توفير المشاريع الاقتصادية مثل عمليات إعادة الإعمار، وفتح الموانئ أمام السلع، ومجالًا للنفوذ في بلد يعتبر من أكثر البلدان اهمية واستراتيجية في البحر المتوسّط، في ظل السياسة الهادفة للتوسع في الأسواق الخارجية من خلال التجارة، وفتح أسواق جديدة.

وفي هذا الإطار يمكن القول بأن الأهداف التركية لا تقتصر فقط على تحقيق التوغل الاقتصادي في العديد من دول العالم الثالث؛ وليس أيضًا مجرد تمكين تلك الجماعات المتطرفة من زعزعة استقرار ليبيا، بل تقويض دول الجوار الجغرافي خاصة مصر التي بعد الإطاحة بحكم الإخوان الذين تدعمهم أنقرة، ومن ثم يتمثل الهدف الأساسي هو تحقيق مزيد من  حالة عدم الاستقرار التي من شأنها تنفيذ أجندتها الخاصة بالتوسع تحت مظلة العثمانية الجديدة.

فهناك العديد من الدلالات على التورط التركي في تمويل الجماعات الإرهابية المسلحة، وهو ما أثار ردود الفعل الإقليمية والدولية حول القلق من تدفق هذه الشحنات من الأسلحة؛ حيث ضبطت السلطات الليبية في ميناء الخمس البحري غرب ليبيا في 17 ديسمبر 2018، شحنتي أسلحة، ضخمتين وذخائر وحمولات قادمة من ميناء مرسين التركي، وحسب بيان الجيش الليبي فإن عدد الذخائر الواردة في هاتين الشحنتين بلغ 4,2 مليون رصاصة، بما يكفي لقتل قرابة 80% من الشعب الليبي، إضافة إلى الآلاف من المسدسات والبنادق.

وأشار المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري، إلى أن هناك أسلحة وطائرات تركية مسيرة وصلت إلى أيدي ميليشيات طرابلس، مضيفًا :" هناك دعما تركيا للميليشيات، وقد استخدمت طائرات دون طيار تركية".

وقد كرّست الدبلوماسية التركية في ليبيا خلال السنوات الماضية حالة من الانحياز البيّن لتنظيم الإخوان المسلمين، إذ كثف السفير التركي لدى البلاد سرهات أكسين، زياراته المتعددة إلى منزل عبد الرحمن السويحلي، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة.

 والسويحلي لا يتمتع حالياً بأي صفة رسمية باستثناء كونه مناوئاً لحفتر، كما يصفه كثيرون بأنه رجل قطر في ليبيا، ما دفع سعيد إمغيب، رئيس مجلس النواب الليبي، لوصف ذلك بمحاولات تركية "للعب على وتر تنظيم الإخوان". 

وتابع إمغيب في حديث إلى "الشرق الأوسط" أبعد، فقال إن الرئيس التركي إردوغان "لم يجد وسيلة لتحقيق حلمه إلا عن طريق هذا التنظيم الإرهابي، الذي تحكّم في مفاصل الدولة بعد أحداث  17 فبراير، واستعان بتركيا منذ الأيام الأولى لـلأحداث عن طريق التواصل عبر بعض سكان مدينة مصراتة من أصول التركية". واعتبر إمغيب أن إردوغان "يسعى حالياً إلى التحكم في ليبيا، والسيطرة على كل الموارد الطبيعية وتحويل بلادنا إلى دولة تابعة لبلاده".

ويرى مراقبون للشأن الليبي أن العودة القوية للاخوان للساحة الليبية بعد هزائم وانكسارات سياسية لا يمكن النظر لها بمعزل عمّا تمثله ليبيا من شريان مالي حيوي سواء ذلك الذي تحت إدارة حكومة الوفاق أو المنفلت منه والبعيد عن كل رقابة والمقترن  أساسا بنشاط الميليشيات المسلحة والمهربين وهي معادلة أخرى في الصراع الليبي لذلك تسعى أنقرة للعب كل أوراقها في إتجاه عدم فقدان السيطرة على طرابلس من خلال وكلائها لأن ذلك سيسبب لها نهاية مطامحها في ليبيا.